[الزلزلة : 8] وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
8 - (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ير جزاءه
وقوله : " ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " .
الثالثة: قال ابن مسعود: هذه أحكم آية في القرآن، وصدق. وقدا اتفق العلماء على عموم هذه الآية، القائلون بالعموم ومن لم يقل به. وروى كعب الأحبار أنه قال: لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا ". قال الشيخ أبو مدين في قوله تعالى:" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره" قال: في الحال قبل المآل.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي هذه الآية الآية الجامعة الفاذة، كما في الصحيح لما سئل عن الحمر وسكت عن البغال، والجواب فيهما واحد، لأن البغل والحمار لا كر فيهما ولا فر، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما في الخيل من الأجر الدائم، والثواب المستمر، سأل السائل عن الحمر، لأنهم لم يكن عندهم يومئذ بغل، ولادخل الحجاز منها إلا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم (الدلدل)، التي أهداها له المقوقس، فأفتاه في الحمير بعموم الآية، وإن في الحمار مثاقيل ذر كثيرة، قاله ابن العربي. وفي الموطأ : أن مسكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب، فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها. فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت: أتعجب! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة. وروي عن سعد بن أبي وقاص: أنه تصدق بتمرتين، فقبض السائل يده، فقال للسائل: ويقبل الله منا مثاقيل الذر، وفي التمرتين مثاقيل ذر كثيرة. "وروى المطلب بن حنطب:
أن أعرابياً سمع أعرابياً سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها فقال : يا رسول الله، أمثقال ذرة! قال: (نعم ) فقال الأعرابي: واسوأتاه! مراراً، ثم قام وهو يقولها، فقال النبي صلىالله عليه وسلم: (لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان)" "وقال الحسن:
قدم صعصعة عم الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع
" فمن يعمل مثقال ذرة" الآيات، قال : لا أبالي ألا أسمع من القرآن غيرها، حسبي، فقد انتهت الموعظة " ، ذكر الثعلبي. ولفظ الماوردي: وروي أن صعصعة بن ناحية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه، فقرأ عليه هذه الآية، فقال صعصعة: حسبي حسبي، إن عملت مثقال ذرة شرا رأيته. " وروى معمر عن زيد بن أسلم:
أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني مما علمك الله. فدفعه إلى رجل يعلمه، فعلمه " إذا زلزلت" - حتى إذا بلغ- " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" قال: حسبي. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوة فإنه قد فقه)." ويحكى أن أعرابياً أخر(خيراً يره) فقيل: قدمت واخرت. فقال:
خذ بطن هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق
قال ابن عباس : "إذا زلزلت الأرض زلزالها" أي تحركت من أسفلها "وأخرجت الأرض أثقالها" يعني ألقت ما فيها من الموتى قاله غير واحد من السلف, وهذه كقوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وكقوله: " وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت " وقال مسلم في صحيحه : حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً" وقوله عز وجل: " وقال الإنسان ما لها " أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه, ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والاخرين, وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار.
وقوله تعالى: "يومئذ تحدث أخبارها" أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها. قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم حدثنا ابن المبارك وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: "يومئذ تحدث أخبارها" قال: أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها" ثم قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب, وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد سمع ربيعة الحدسي " أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة".
وقوله تعالى: "بأن ربك أوحى لها" قال البخاري : أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد, وكذا قال ابن عباس : أوحى لها أي أوحى إليها, والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يومئذ تحدث أخبارها" قال: قال لها ربها قولي فقالت, وقال مجاهد : أوحى لها أي أمرها, وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم, وقوله تعالى: "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" أي يرجعون عن موقف الحساب أشتاتاً أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار, قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخر ما عليهم, وقال السدي : أشتاتاً فرقاً. وقوله تعالى: "ليروا أعمالهم" أي ليعلموا بما عملوه في الدنيا من خير وشر, ولهذا قال: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".
قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله , حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيل لثلاثة, لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات, ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له, ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له, وهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر, ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء فهي على ذلك وزر" فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال: "ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الاية الفاذة الجامعة "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" " ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا جرير بن حازم , حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها " . وهكذا رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن محمد بن يونس المؤدب عن أبيه , عن جرير بن حازم عن الحسن البصري قال: حدثنا صعصعة عم الفرزدق فذكره. وفي صحيح البخاري عن عدي مرفوعاً "اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة" وله أيضاً في الصحيح " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط" وفي الصحيح أيضاً "يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" يعني ظلفها, وفي الحديث الاخر "ردوا السائل ولو بظلف محرق".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري , حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان" تفرد به أحمد . وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت: كم فيها من مثقال ذرة. وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر , حدثنا سعيد بن مسلم , سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير , حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل , أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً" ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به.
وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني , حدثنا الهيثم بن الربيع , حدثنا سماك بن عطية , عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: " كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر فقال: يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر, ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة" ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الخطاب به, ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا عبد الوهاب , حدثنا أيوب قال: في كتاب أبي قلابة عن أبي إدريس , إن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ورواه أيضاً عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن قلابة أن أبا بكر وذكره.
(طريق أخرى) قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لما نزلت "إذا زلزلت الأرض زلزالها" و أبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى حين أنزلت, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا أبا بكر قال: يبكيني هذه السورة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم".
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المعروف بعلان المصري قالا حدثنا عمرو بن خالد الحراني , حدثنا ابن لهيعة أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قلت: " يا رسول الله إني لراء عملي ؟ قال :نعم قلت: تلك الكبار الكبار. قال :نعم قلت: الصغار الصغار قال :نعم قلت: واثكل أمي! قال: أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشرة أمثالها ـ يعني إلى سبعمائة ضعف ـ ويضاعف الله لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يعفو الله ولن ينجو أحد منكم بعمله قلت: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة" قال أبو زرعة : لم يرو هذا غير ابن لهيعة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير , حدثني ابن لهيعة , حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وذلك لما نزلت هذه الاية "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه, فيجيء المسكين إلى أبوابهم, فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه, ويقولون: ما هذا بشيء, إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه, وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك. يقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه, فإنه يوشك أن يكثر, وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر, فنزلت "فمن يعمل مثقال ذرة" يعني وزن أصغر النمل "خيراً يره" يعني في كتابه ويسره ذلك, قال: يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة, وبكل حسنة عشر حسنات, فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضاً بكل واحد عشر ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فإذا زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة.
وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها آخر تفسير سورة الزلزلة ولله الحمد والمنة.
8- "و"كذلك "من يعمل" في الدنيا "مثقال ذرة شراً يره" يوم القيامة فيسوؤه، ومثل هذه الآية قوله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة". وقال بعض أهل اللغة: إن الذرة هو أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق من التراب فهو الذرة، وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء، والأول أولى، ومنه قول امرئ القيس:
من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الأتب منها لأثرا
ومن الأولى عبارة عن السعداء، ومن الثانية عبارة عن الأشقياء. وقال محمد بن كعب: فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا وفي نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا، وليس له عند الله خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا، وليس له عند الله شر، والأول أولى. قال مقاتل: نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيتقل أن يعطيه التمرة والكسرة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ويقول: إنما أوعد الله النار على الكافرين. قرأ الجمهور "يره و" في الموضعين بضم الهاء وصلاً وسكونها وقفاً، وقرأ هشام بسكونها وصلاً ووقفاً، ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر سكونها، وعن أبي عمرو ضمها مشبعة، وباقي السبعة بإشباع الأولى وسكون الثانية، وفي هذا النقل نظر، والصواب ما ذكرنا. وقرأ الجمهور "يره" مبنياً للفاعل في الموضعين. وقرأ ابن عباس وابن عمر والحسن والحسين ابنا علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية عنهما والجحدري والسلمي وعيسى على البناء للمفعول فيهما: أي يريه الله إياه. وقرأ عكرمة يراه على توهم أن من موصولة، أو على تقدير الجزم بحذف بحذف الحركة المقدرة في الفعل.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "إذا زلزلت الأرض زلزالها" قال: تحركت من أسفلها "وأخرجت الأرض أثقالها" قال: الموتى " وقال الإنسان ما لها " قال: الكافر يقول مالها "يومئذ تحدث أخبارها" قال: قال لها ربك قولي "بأن ربك أوحى لها" قال: أوحى لها "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" قال: من كل من ههنا وههنا. وأخرج ابن المنذر عنه "وأخرجت الأرض أثقالها" قال: الكنوز والموتى. وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً". وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "يومئذ تحدث أخبارها" قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا، فهذا أخبارها". وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الأرض لتجيء يوم القيامة بكل عمل عمل على ظهرها، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا زلزلت الأرض زلزالها" حتى بلغ "يومئذ تحدث أخبارها"". وأخرج الطبراني عن ربيعة الخرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم في تاريخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال: "بينما أبو بكر الصديق يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر، فقال: يا أبو بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة". وأخرج إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد والحاكم وابن مردويه عن أبي أسماء قال: "بينا أبو بكر يتغدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت هذه الآية " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " فأمسك أبو بكر وقال: يا رسول الله ما عملنا من شر رأيناه، فقال: ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون ويؤخر الخير لأهله في الآخرة". وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "أنزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها وأبو بكر الصديق قاعد فبكى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال: لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر لكم لخلق الله قوماً يخطئون ويذنبون فيغفر لهم". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر" الحديث، وقال: "وسئل عن الحمر فقال: ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "".
8- "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" قال ابن عباس: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته ويعذبه بسيئاته.
قال محمد بن كعب في الآية "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره": من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في رجلين، وذلك أنه لما نزل "ويطعمون الطعام على حبه" كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها، يقول: ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك، ويقول: إنما وعد الله النار على الكبائر، وليس في هذا إثم، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه، فإنه يوشك / أن يكثر، ويحذرهم اليسير من الذنب، فإنه يوشك أن يكثر، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة، وجميع محاسنه في عينه أقل من كل شيء.
قال ابن مسعود: أحكم آية في القرآن " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمر فقال: "ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "".
وتصدق عمر بن الخطاب، وعائشة بحبة عنب، وقالا: فيها مثاقيل كثيرة.
وقال الربيع بن خثيم: مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال: حسبي قد انتهت الموعظة.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا محمد بن القاسم، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا اليمان بن المغيرة، حدثنا عطاء عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زلزلت الأرض" تعدل نصف القرآن، "قل هو الله أحد"، تعدل ثلث القرآن، "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن".
8-" ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " تفصيل " ليروا " ولذلك قرئ يره بالضم ، وقرأ هشام بإسكان الهاء ولعل حسنة الكافر وسيئة المجتنب عن الكبائر تؤثران في نقص الثواب والعقاب . وقيل الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة ، أو من الأولى مخصوصة بالسعداء والثانية بالأشقياء لقوله " أشتاتاً " ، والـ" ذرة " النملة الصغيرة أو الهباء .
عن النبي صلى الله عليه وسلم" من قرأ سورة إذا زلزلت الأرض أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله " .
8. And whoso doeth ill an atom's weight will see it then.
8 - And anyone who has done an atom's weight of evil, shall see it.