[العلق : 16] نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ
16 - (ناصية) بدل نكرة من معرفة (كاذبة خاطئة) وصفها بذلك مجاز والمراد صاحبها
وقوله : " ناصية كاذبة خاطئة " فخفض ناصية رداً على الناصية الأولى بالتكرير ، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة ، والمعنى لصاحبها .
ثم قال على البدل:" ناصية كاذبة خاطئة" أي ناصية أبي جهل كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها. والخاطئ معاقب مأخوذ. والمخطئ غير مأخوذ. ووصف الناصية بالكاذبة الخاطئة، كوصف الوجوه بالنظر في قوله تعالى:
" إلى ربها" [القيامة:23] وقيل: أي صاحبها كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم، أي هو صائم في نهاره، ثم قائم في ليله.
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله, ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: "إن إلى ربك الرجعى" أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته. قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ , حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو عميس عن عون قال: قال عبد الله : منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان, فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان قال ثم قرأ عبد الله "إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى" وقال للاخر "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا".
ثم قال تعالى: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " نزلت في أبي جهل لعنه الله, توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً فقال: "أرأيت إن كان على الهدى" أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله أو أمر بالتقوى وأنت تزجره وتتوعده على صلاته, ولهذا قال: " ألم يعلم بأن الله يرى " أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه. وسيجازيه على فعله أتم الجزاء. ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: "كلا لئن لم ينته" أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد " لنسفعا بالناصية " أي لنسمنها سواداً يوم القيامة ثم قال: "ناصية كاذبة خاطئة" يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها "فليدع ناديه" أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم "سندع الزبانية" وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه ؟.
قال البخاري : حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لئن فعل لأخذته الملائكة" ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني ابن عمرو عن عبد الكريم. وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به. وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به, وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام, فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره, فقال يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً فأنزل الله "فليدع ناديه * سندع الزبانية" وقال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد , حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لاتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً, ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار, ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً" وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه, فأنزل الله عز وجل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" حتى بلغ هذه الاية " لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى, فقيل: ما يمنعك ؟ قال: قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب, قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا المعتمر عن أبيه , حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا: نعم, قال: فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته, ولأعفرن وجهه في التراب, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته, قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه, قال فقيل له: مالك ؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار, وهولاً وأجنحة قال: فقال رسول الله: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا "كلا إن الإنسان ليطغى" إلى آخر السورة, وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به.
وقوله تعالى: "كلا لا تطعه" يعني يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها, وصل حيث شئت, ولا تباله فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس "واسجد واقترب" كما ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية , عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" وتقدم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في "إذا السماء انشقت" و "اقرأ باسم ربك الذي خلق" آخر تفسير سورة اقرأ, ولله الحمد والمنة, وبه التوفيق والعصمة.
وقوله: 16- "ناصية" بدل من الناصية، وإنما أبدل النكرة من المعرفة لوصفها بقوله: "كاذبة خاطئة" وهذا على مذهب الكوفيين فإنهم لا يجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا بشرط وصفها. وأما على مذهب البصرين، فيجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا شرط، وأنشدوا:
فلا وأبيك خير منك إني ليؤذيني التحمحم والصهيل
قرأ الجمهور بجر "ناصية كاذبة خاطئة" والوجه ما ذكرنا. وقرأ الكسائي في رواية عنه برفعها على إضمار مبتدأ أي هي ناصية، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي بنصبها على الذم. قال مقاتل: أخبر عنه بأنه فاجر خاطئ، فقال ناصية كاذبة خاطئة، تأويلها: صاحبها كاذب خاطئ.
ثم قال على البدل: 16- "ناصية كاذبة خاطئة"، أي صاحبها كاذب خاطئ، قال ابن عباس: "لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل أتنهرني يا محمد لقد علمت ما بها أكثر نادياً مني؟ ثم قال: فوالله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً ورجالاً مرداً".
16-" ناصية كاذبة خاطئة " بدل من الناصية وإنما جاز لوصفها ،وقرئت بالرفع على هي ناصية والنصب على الذم ووصفها بالكذب والخطأ ، وهما لصاحبها على الإسناد المجازي للمبالغة .
16. The lying, sinful forelock
16 - A lying, sinful forelock!