[الشرح : 1] أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
1 - (ألم نشرح) استفهام تقرير أي شرحنا (لك) يا محمد (صدرك) بالنبوة وغيرها
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكره آلاءه عنده ، وإحسانه إليه ، حاضاً له بذلك على شكره على ما أنهم عليه ، ليستوجب بذلك المزيد منه " ألم نشرح لك " يا محمد ، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحق " صدرك " فنلين لك قلبك ، ونجعله وعاء للحكمة .
مكية في قول الجميع وهي ثماني آيات
قوله تعالى:" ألم نشرح لك صدرك" شرح الصدر: فتحه، أي ألم نفتح صدرك للإسلام. و روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ألم نلين لك قلبك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال:
قالوا يا رسول الله ، أينشرح الصدر؟ قال:(نعم وينفسح). قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟ قال: (نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت، قبل نزول الموت). وقد مضى هذا المعنى في (الزمر) عند قوله تعالى: " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" [الزمر:22]. وروي عن الحسن قال: "ألم نشرح لك صدرك" قال: ملئ حكماً وعلماً. وفي الصحيح عن أنس بن مالك:
" عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة فأتيت بطست من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا) " قال قتادة قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، " قال:(فاستخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيماناً وحكمة) " . وفي الحديث قصة. "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(جاءني ملكان في صورة طائر، معهما ماء وثلج، فشرح أحدهما صدري، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله). " وفي الحديث آخر قال:
" جاءني ملك فشق عن قلبي، فاستخرج منه عذرة، وقال: قلبك وكيع، وعيناك بصيرتان، وأذناك سميعتان، أنت محمد رسول الله، لسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قثم، وأنت قيم) " . قال أهل اللغة: قوله:(وكيع أي يحفظ ما يوضع فيه. يقال: سقاء وكيع، أي قوي يحفظ ما يوضع فيه. واستوكعت معدته، أي قويت. وقوله(قثم )أي جامع. يقال: رجل قثوم للخير، أي جامع له. ومعنى (ألم نشرح)قد شرحنا، الدليل على ذلك قوله في النسق عليه: " ووضعنا عنك وزرك"، فهذا عطف على التأويل، لا على التنزيل، لأنه لو كان على التنزيل لقال: ونضع عنك وزرك. فدل هذا على أن معنى (ألم نشرح): قد شرحنا. و(لم )جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد، وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق، كقوله تعالى:" أليس الله بأحكم الحاكمين " [ الزمر:36]. ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
المعنى: أنتم كذا.
تفسير سورة الشرح
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى: "ألم نشرح لك صدرك" يعني أما شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق وقيل: المراد بقوله: "ألم نشرح لك صدرك" شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة , وقد أورده الترمذي ههنا, وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة , ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضاً, فالله أعلم.
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز , حدثنا يونس بن محمد , حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب , حدثني أبو محمد بن معاذ عن معاذ عن محمد عن أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئاً على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال: " يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال لقد سألت يا أبا هريرة , إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو ؟ قال نعم فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط وأرواح لم أجدها من خلق قط, وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مساً, فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر, فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع, فقال له: أخرج الغل والحسد, فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها, فقال له أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال: أغد واسلم, فرجعت بها أعدو رقة على الصغير ورحمة للكبير".
وقوله تعالى: "ووضعنا عنك وزرك" بمعنى "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" "الذي أنقض ظهرك" الإنقاض الصوت, وقال غير واحد من السلف في قوله: "الذي أنقض ظهرك" أي أثقلك حمله, وقوله تعالى: "ورفعنا لك ذكرك" قال مجاهد : لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والاخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وقال ابن جرير : حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرنا عمرو بن الحارث عن دراج , عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول كيف رفعت ذكرك ؟ قال: الله أعلم, قال: إذا ذكرت ذكرت معي" وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يونس عن عبد الأعلى به. ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة عن دراج . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا أبو عمر الحوضي , حدثنا حماد بن زيد , حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله, قلت قد كان قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى, قال: يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويتك ؟ قلت: بلى يا رب, قال: ألم أجدك ضالاً فهديتك ؟ قلت: بلى يا رب, قال: ألم أجدك عائلاً فأغنيتك ؟ قلت: بلى يا رب, قال ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت: بلى يا رب" وقال أبو نعيم في دلائل النبوة: حدثنا أبو أحمد الغطريفي , حدثنا موسى بن سهل الجويني , حدثنا أحمد بن القاسم بن بهزان الهيتي : حدثنا نصر بن حماد عن عثمان بن عطاء عن الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض قلت يا رب إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته جعلت إبراهيم خليلاً وموسى كليماً, وسخرت لداود الجبال, ولسليمان الريح والشياطين, وأحييت لعيسى الموتى فما جعلت لي ؟ قال أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله أني لا أذكر إلا ذكرت معي وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرؤون القرآن ظاهراً ولم أعطها أمة, وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان يعني ذكره فيه وأورد من شعر حسان بن ثابت :
أغر عليه للنبوة خاتم من الله من نور يلوح ويشهد
شهدوضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والاخرين ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به, وأن يأمروا أممهم بالإيمان به, ثم شهد ذكره في أمته فلا يذكر الله إلا ذكر معه, وما أحسن ما قال الصرصري رحمه الله:
‌لا يصح الأذان في الفرض إلا باسمه العذب في الفم المر
وقال أيضاً:
ألم تر أنا لا يصح أذاننا ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما
وقوله تعالى: "فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً" أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ثم أكد هذا الخبر. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا محمود بن غيلان , حدثنا حميد بن حماد بن أبي خوار أبو الجهم , حدثنا عائذ بن شريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول "كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله حجر, فقال: لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه" فأنزل الله عز وجل: "فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً" ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن معمر , عن حميد بن حماد ولفظه: " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه" ثم قال: "فإن مع العسر يسراً" ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح .
(قلت) وقد قال فيه أبو حاتم الرازي : في حديثه ضعف, ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن رجل عن عبد الله بن مسعود موقوفاً . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح , حدثنا أبو قطن , حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن الحسن , قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً وهو يضحك وهو يقول: لن يغلب عسر يسرين, لن يغلب عسر يسرين, فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً" وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد عن الحسن مرسلاً. وقال سعيد عن قتادة : ذكر لنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحبه بهذه الاية فقال: لن يغلب عسر يسرين" ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالتين فهو مفرد واليسر منكر, فتعدد ولهذا قال: "لن يغلب عسر يسرين" يعني قوله: "فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً" فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد. وقال الحسن بن سفيان : حدثنا يزيد بن صالح , حدثنا خارجة عن عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت المعونة من السماء على قدر المؤونة, ونزل الصبر على قدر المصيبة" ومما يروى عن الشافعي أنه قال:
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا
وقال ابن دريد : أنشدني أبو حاتم السجستاني :
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجها ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القريب
وقال آخر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
وقوله تعالى: "فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب" أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطاً فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة, ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء" قال مجاهد في هذه الاية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك, وفي رواية عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك, وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل, وعن ابن عياض نحوه, وفي رواية عن ابن مسعود : "فانصب * وإلى ربك فارغب" بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : فإذا فرغت فانصب, يعني في الدعاء, وقال زيد بن أسلم والضحاك : "فإذا فرغت" أي من الجهاد "فانصب" أي في العبادة "وإلى ربك فارغب" وقال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل. آخر تفسير سورة ألم نشرح, ولله الحمد والمنة.
هي ثمان آيات
وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت ألم نشرح - بمكة، وزاد: بعد الضحى. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت سورة ألم نشرح بمكة.
1- "ألم نشرح لك صدرك" معنى شرح الصدر: بإذهاب ما يصد عن الإدراك، والاستفهام إذا دخل على النفي قرره، فصار المعنى: قد شرحنا لك صدرك، وإنما خص الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات، والمراد الامتنان عليه صلى الله عليه وسلم بفتح صدره وتوسيعه حتى قام بما قال به من الدعوة، وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوة وحفظ الوحي، وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه".
1- "ألم نشرح لك صدرك"، ألم نفتح ونوسع / ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة.
1-" ألم نشرح لك صدرك " ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق فكان غائباً حاضراً ، أو ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل ، أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعدما كان يشق عليك ، وقيل إنه إشارة إلى ما روي " أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباه أو يوم الميثاق ، فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيماناً وعلماً " . ولعله إشارة إلى نحو ما سبق ومعنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته ولذلك عطف عليه .
Surah 94. Al-Sharh
1. Have We not caused thy bosom to dilate,
SURA 94: INSHIRAH
1 - Have We not expanded thee thy breast?