[الضحي : 3] مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
3 - (ما ودعك) تركك يا محمد (ربك وما قلى) أبغضك نزل هذا لما قال الكفار عند تأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما إن ربه ودعه وقلاه
وقوله : " ما ودعك ربك وما قلى " وهذا جواب القسم ، ومعناه : ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك ز وقيل : " وما قلى " ومعناه : وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ، إذ كان قد تقدم ذلك قوله : " ما ودعك " فعرف بذلك أن المخاطب به نبي الله صلى الله عليه وسلم .
بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " ما ودعك ربك وما قلى " يقول : ما تركك ربك ، وما أبغضك .
حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله " ما ودعك ربك وما قلى " قال : ما قلاك ربك وما أبغضك ، قال : والقالي : المبغض .
وذكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيباً من الله قريشاً في قيلهم لرسول الله ، لما أبطأ عليه الوحي : قد ودع محمداً ربه وقلاه .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني علي بن عبد الله الدهان ، قال : ثنا مفضل بن صالح ، عن الأسود بن قيس العبدي ، عن ابن عبد الله ، قال : " لما أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت أمرأة من أهله ، أو م نقومه : ودع الشيطان محمداً ، فأنزل الله عليه : " والضحى " ..إلى قوله " ما ودعك ربك وما قلى " ".
قال أبو جعفر : ابن عبد الله ،جندب بن عبد الله البجلي .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، و حمد بن هارون القطان ، قالا : ثنا سفيان عن الأسود بن قيس سمع جندباً البجلي يقول " أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون : ودع محمداً ربه ، فأنزل الله " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى"".
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الأسود بن قيس ، أنه سمع جندباً البجلي قال : " قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك ، فنزلت هذه الآية : " ما ودعك ربك وما قلى " ".
حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران عن سفيان عن الأسود بن قيس قال : "سمعت جندب بن عبد الله يقول : إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى شيطانك ألا وقد تركك ، فنزلت " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى"".
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال :ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا سليمان الشيباني ، عن عبد الله بن شداد " أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى "".
حدثنا بشر ، قال ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " " ما ودعك ربك وما قلى " قال إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي ، فقال ناس من الناس ، وهم يومئذ بمكة: ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودعك ، فأنزل الله ما تسمع : " ما ودعك ربك وما قلى " " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " ما ودعك ربك وما قلى " قال : أبطأ عليه جبريل ، فقال المشركون : قد قلاه ربه وودعه ، فأنزل الله : " ما ودعك ربك وما قلى " .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ما ودعك ربك وما قلى " مكث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : قد ودعه ربه وقلاه ، فانزل الله هذه الآية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " ما ودعك ربك وما قلى" قال : لما نزل عليه القرآن، أبطأن عنه جبريل أياماً ، فعير بذلك فقال الشركون : ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله " ما ودعك ربك وما قلى " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجزع جزعاً شديداً ، وقالت خديجة : أرى ربك قد قلاك ، مما نرى من جزعك . قال : فنزلت" والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " إلى آخرها .
فأنزل الله تبارك وتعالى: " ما ودعك ربك وما قلى" هذا حديث حسن صحيح.لم يذكر الترمذي: (فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً)أسقطه الترمذي وذكر البخاري وهو أصح ما قيل في ذلك. والله أعلم. وقد ذكره الثعلبي أيضاً "عن جندب بن سفيان البجلي، قال: رمي النبي صلى الله عليه وسلم في إصبعه بحجر، فدميت، فقال:(هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت) فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم الليل. فقالت له أم جميل امرأة أبي لهب: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فنزلت " والضحى" " وروى عن أبي عمران الجوني، قال :" أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حتى شق عليه، فجاء وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو، فنكت بين كتفيه، وأنزل عليه :
" ما ودعك ربك وما قلى" " .
"وقالت خولة - وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم -: إن جرواً دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي الله صلى الله عليه وسلم أياماً لاينزل عليه الوحي. فقال: (يا خولة، ما حدث في بيتي.؟ ما لجبريل لا يأتيني)! قالت خولة فقلت: لوهيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبي الله ترعد لحياه- وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال: (يا خولة دثريني) فأنزل الله هذه السورة.ولما نزل جبريل سأله النبي صلىالله عليه وسلم عن التأخر فقال:(أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة)." قيل: لما سألته اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف قال: (سأخبركم غداً) ولم يقل إن شاء الله. فاحتبس عنه الوحي، إلى أن نزل جبريل عليه بقوله:" ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله" [الكهف:23-24] فأخبره بما سئل عنه. وفي هذه القصة نزلت" ما ودعك ربك وما قلى" و" قيل: إن المسلمين قالوا: يا رسول الله، ما لك لا ينزل عليك الوحي؟ فقال :(وكيف ينزل علي وأنتم لاتنقون رواجبكم-وفي رواية براجمكم - ولاتقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم)فنزل جبريل بهذه السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما جئت حتى اشتقت إليك) فقال جبريل: (وأنا كنت أشد إليك شوقاً، ولكني عبد مأمور) ثم أنزل عليه" وما نتنزل إلا بأمر ربك" " [مريم:64]. (ودعك) بالتشديد: قراءة العامة. من التوديع، وذلك كتوديع المفارق.وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرأاه(ودعك) بالتخفيف، ومعناه: تركك. قال:
ثم ودعنا آلا عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر
واستعماله قليل. يقال: هو يدع كذا، أي يتركه. قال المبرد محمد بن يزيد: لا يكادون يقولون ودع ولاوذر، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنها بترك.
قوله تعالى:" وما قلى" أي ما أبغضك ربك منذ أحبك. وترك الكاف، لأنه رأس آية. والقلى: البغض، فإن فتحت القاف مددت، تقول، قلاه يقليه قلى وقلاء. كما تقوله، قريت الضيف أقريه قرى وقراء. ويقلاه، لغة طيء. وأنشد ثعلب:
أيام أم الغمر لا نقلاها
أي لانبغضها. ونقلي أي نبغض. قال:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
وقال امرؤ القيس:
ولست بمقلي الخلال ولا قال
وتأيل الآية: ما ودعك ربك وما قلاك. فترك الكاف لأنه رأس آية، كما قال عز وجل" والذاكرين الله كثيرا والذاكرات" [الأحزاب:35] أي والذاكرات الله.
قوله تعالى:" وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى "
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم , حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندباً يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين, فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك, فأنزل الله عز وجل: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير من طرق عن الأسود بن قيس عن جندب , هو ابن عبد الله البجلي , ثم العلقي به وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون ودع محمداً ربه, فأنزل الله تعالى: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي قالا حدثنا أبو أسامة حدثني سفيان , حدثني الأسود بن قيس أنه سمع جندباً يقول رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال: "هل أنت إلا أصبع دميت, وفي سبيل الله ما لقيت ؟".
قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم, فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " والسياق لأبي سعيد , قيل: إن هذه المرأة هي أم جميل امرأة أبي لهب, وذكر أن أصبعه عليه السلام دميت, وقوله هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون ثابت في الصحيحين ولكن الغريب ههنا جعله سبباً لتركه القيام ونزول هذه السورة. فأما ما رواه ابن جرير حدثنا ابن أبي الشوارب , حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلا قد قلاك, فأنزل الله " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعاً شديداً فقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك, قال فنزلت " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " إلى آخرها فإنه حديث مرسل من هذين الوجهين ولعل ذكر خديجة ليس محفوظاً أو قالته على وجه التأسف والحزن, والله أعلم.
وقد ذكر بعض السلف منهم ابن إسحاق أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها, ودنا إليه وتدلى منهبطاً عليه وهو بالأبطح "فأوحى إلى عبده ما أوحى" قال: قال له هذه السورة " والضحى * والليل إذا سجى " قال العوفي عن ابن عباس : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياماً فتغير بذلك, فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه فأنزل الله "ما ودعك ربك وما قلى" وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء "والليل إذا سجى" أي سكن فأظلم وادلهم ؟ قاله مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وغيرهم, وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا كما قال تعالى: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم" وقوله تعالى: "ما ودعك ربك" أي ما تركك "وما قلى" أي وما أبغضك.
" وللآخرة خير لك من الأولى " أي وللدار الاخرة خير لك من هذه الدار, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً كما هو معلوم بالضرورة من سيرته, ولما خير عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله عز وجل, اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية, قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه, فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المسعودي به وقال الترمذي حسن صحيح.
وقوله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" أي في الدار الاخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته, وفيما أعده له من الكرامة, ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي, وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزاً كنزاً فسر بذلك, فأنزل الله "ولسوف يعطيك ربك فترضى" فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم, رواه ابن جرير من طريقه, وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف, وقال السدي عن ابن عباس من رضاء محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال الحسن : يعني بذلك الشفاعة, وهكذا قال أبو جعفر الباقر وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى".
ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: "ألم يجدك يتيماً فآوى" وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه, وقيل بعد أن ولد عليه السلام ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين, ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين, فكفله عمه أبو طالب, ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره, هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان, وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل, فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج, كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم الأكمل, فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضي الله عنهم أجمعين, وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.
وقوله تعالى: "ووجدك ضالاً فهدى" كقوله: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا" الاية. ومنهم من قال إن المراد بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صغير ثم رجع, وقيل إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام, وكان راكباً ناقة في الليل, فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق, فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة, ثم عدل بالراحلة إلى الطريق حكاهما البغوي , وقوله تعالى: "ووجدك عائلاً فأغنى" أي كنت فقيراً ذا عيال فأغناك الله عمن سواه فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر صلوات الله وسلامه عليه. وقال قتادة في قوله: " ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى " قال: كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وفي الصحيحين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".
ثم قال تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر" أي كما كنت يتيماً فآواك الله فلا تقهر اليتيم أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به, قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم "وأما السائل فلا تنهر" أي وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد قال ابن إسحاق : "وأما السائل فلا تنهر" أي وكما كنت ضالاً فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد. قال ابن إسحاق "وأما السائل فلا تنهر" أي فلا تكن جباراً ولا متكبراً ولا فحاشاً ولافظاً على الضعفاء من عباد الله, وقال قتادة يعني رد المسكين برحمة ولين "وأما بنعمة ربك فحدث" أي وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله فحدث بنعمة الله عليك كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: "واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا" وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا منصور بن أبي مزاحم , حدثنا الجراح بن مليح عن أبي عبد الرحمن عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير, ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله, والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر, والجماعة رحمة والفرقة عذاب" وإسناده ضعيف وفي الصحيحين عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله, قال: "لاما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". وقال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم , حدثنا الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد عن ابن المبارك عن الربيع بن مسلم وقال صحيح.
وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن الجراح , حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أبلى بلاء فذكره فقد شكره, ومن كتمه فقد كفره" تفرد به أبو داود . وقال أبو داود : حدثنا مسدد , حدثنا بشر , حدثنا عمارة بن غزية , حدثني رجل من قومي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعطي عطاء فوجد فليجز به, فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره" قال أبو داود : ورواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر كرهوه فلم يسموه, تفرد به أبو داود , وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك وفي رواية عنه القرآن, وقال ليث عن رجل عن الحسن بن علي "وأما بنعمة ربك فحدث" قال: ما عملت من خير فحدث إخوانك, وقال محمد بن إسحاق , ما جاءك من الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدث بها واذكرها وادع إليها, قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم به عليه من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله, وافترضت عليه الصلاة فصلى.
3- "ما ودعك ربك" هذا جواب القسم: أي ما قطعك قطع المودع: قرأ الجمهور "ما ودعك" بتشديد الدال من التوديع، وهو توديع المفارق، وقرأ ابن عباس وعروة بن الزبير وابن هاشم وابن أبي عبلة وأبو حيوة بتخفيفها، من قولهم ودعه: أي تركه، ومنه قول الشاعر:
سل أميري ما الذي غيره عن وصالي اليوم حتى ودعه
والتوديع أبلغ في الودع، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك. قال المبرد: لا يكادون يقولون ودع ولا وذر لضعف الواو إذا قدمت واستغنوا عنها بترك. قال أبو عبيدة: ودعك من التوديع كما يودع المفارق. وقال الزجاج: لم يقطع الوحي، وقد قدمنا سبب نزول هذه الآية في فاتحة هذه السورة "وما قلى" القلى البغض، يقال قلاه يقليه قلاء. قال الزجاج: وما أبغضك، وقال: وما قلى ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الآي، والمعنى. وما أبغضك، ومنه قول امرئ القيس:
ولست بمقلي الخلال ولا قالي
قوله تعالى: 3- "ما ودعك ربك وما قلى"، هذا جواب القسم، أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك.
3-" ما ودعك ربك " ما قطعك قطع المودع ، وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك وهو جواب القسم . " وما قلى " وما أبغضك ، وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل ومراعاة للفواصل . روي أن الوحي تاخر عنه أياماً لتركه الاستثناء كما مر في سورة الكهف ،أو لزجره سائلاً ملحاً ، أو لأن جرواً ميتاً كان تحت سريره أو لغيره فقال المشركون : إن محمداً ودعه ربه وقلاه فنزلت رداً عليهم .
3. Thy Lord hath not forsaken thee nor doth He hate thee,
3 - Thy Guardian Lord hath not forsaken thee, nor is He displeased.