[البلد : 1] لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ
1 - (لا) زائدة (أقسم بهذا البلد) مكة
يقول تعالى ذكره : أقسم يا محمد بهذا البلد ، وهو مكة . وكذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " لا أقسم بهذا البلد " يعني : مكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، قال : عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " لا أقسم بهذا البلد " قال :مكة .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد " لا أقسم بهذا البلد " قال : الحرام .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور عن مجاهد " لا أقسم بهذا البلد " قال : مكة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لا أقسم بهذا البلد " قال : البلد مكة .
حدثنا سوار بن عبد الله ، قابل : ثنا يحيى بن سعد ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله " لا أقسم بهذا البلد " يعني : مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، في قوله الله " لا أقسم بهذا البلد " قال : مكة .
مكية باتفاق . وهي عشرون آية
قوله تعالى:" لا أقسم بهذا البلد" يجوز أن تكون (لا)زائدة، كما تقدم في " لا أقسم بيوم القيامة" [القيامة:1]، قاله الأخفش. أي أقسم، لأنه قال: "وهذا البلد" [التين:3] فكيف يجحد القسم به وقد أقسم به. قال الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لايتقطع
أي يتقطع، ودخل حرف(لا) صلة، ومنه قوله تعالى:" ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك "[الأعراف:12] بدليل قوله تعالى في(ص): " ما منعك أن تسجد" [ ص:75]. وقرأ الحسن والأعمش وابن كثير (لأقسم) من غير ألف بعد اللام إثباتاً. وأجاز الأخفش أيضاً أن تكون بمعنى(ألا). وقيل: ليست بنفي القسم، وإنما هو كقول العرب: لا والله لا فعلت كذا، بهذا البلد إذا لم تكن فيه، بعد خروجك منه. حكاه مكي. ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (لا) رد عليهم. وهذا اختيار ابن العربي، لأنه قال:(وأما من قال إنها رد، فهو قول ليس له رد، لأنه يصح به المعنى، ويتمكن اللفظ والمراد). فهو رد لكلام من أنكر البعث ثم ابتدأ القسم. وقال القشيري: قوله(لا): رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة، المغرور بالدنيا. أي ليس الأمر كما يحسبه، من أنه لن يقدر عليه أحد، ثم ابتدأ القسم. (البلد): هي مكة، أجمعوا عليه. أي أقسم بالبلد الحرام الذي أنت فيه، لكرامتك علي وحبي لك. وقال الواسطي أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حياً، وبركتك ميتاً، يعني المدينة. والأول أصح، لأن السورة نزلت بمكة باتفاق.
تفسير سورة البلد
بسم الله الرحمـن الرحيم
هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها, قال خصيف عن مجاهد "لا أقسم بهذا البلد" لا رد عليهم. أقسم بهذا البلد. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "لا أقسم بهذا البلد" يعني مكة "وأنت حل بهذا البلد" قال أنت با محمد يحل لك أن تقابل به, وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد , وقال مجاهد ما أصبت فيه فهو حلال لك, وقال قتادة : "وأنت حل بهذا البلد" قال: أنت به من غير حرج ولا إثم, وقال الحسن البصري أحلها الله له ساعة من نهار, وهذا المعنى الذي قالوه ورد به الحديث المتفق على صحته. "إن هذا البلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه, وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس, ألا فليبلغ الشاهد الغائب" وفي لفظ آخر: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
وقوله تعالى: "ووالد وما ولد" قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا ابن عطية عن شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "ووالد وما ولد" الوالد الذي يلد وما ولد العاقر الذي لا يولد له, ورواه ابن أبي حاتم من حديث شريك وهو ابن عبد الله القاضي به, وقال عكرمة الوالد العاقر وما ولد الذي يلد رواه ابن أبي حاتم . وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والضحاك وسفيان الثوري وسعيد بن حبير والسدي والحسن البصري وخصيف وشرحبيل بن سعد وغيرهم: يعني بالوالد آدم وما ولد ولده, وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي, لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي أم المساكن أقسم بعده بالساكن وهو آدم أبو البشر وولده, وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وذريته, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , واختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده وهو محتمل أيضاً.
وقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" روي عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصباً, زاد ابن عباس في رواية عنه منتصباً في بطن أمه, والكبد الاستواء والاستقامة, ومعنى هذا القول لقد خلقناه سوياً مستقيماً كقوله تعالى: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك " وكقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقال ابن ابي نجيح وجريج وعطاء عن ابن عباس : في كبد قال في شدة خلق ألم تر إليه وذكر مولده ونبات أسنانه, وقال مجاهد "في كبد" نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في الخلق, قال مجاهد : وهو كقوله تعالى: "حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً" وأرضعته كرهاً ومعيشته كره فهو يكابد ذلك, وقال سعيد بن جبير "لقد خلقنا الإنسان في كبد" في شدة وطلب معيشه, وقال عكرمة : في شدة وطول, وقال قتادة : في مشقة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد بن جعفر سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلاً من الأنصار عن قول الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: في قيامه واعتداله فلم ينكر عليه أبو جعفر , وروي من طريق أبي مودود سمعت الحسن قرأ هذه الاية "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الاخرة, وفي رواية: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الاخرة, وقال ابن زيد : "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: آدم خلق في السماء فسمي ذلك الكبد, واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها.
وقوله تعالى: "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الحسن البصري : يعني "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" يأخذ ماله. وقال قتادة "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال: ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه, وأين أنفقه, وقال السدي "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الله عز وجل, وقوله تعالى: "يقول أهلكت مالاً لبداً" أي يقول ابن آدم أنفقت مالاً لبداً أي كثيراً قاله مجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم "أيحسب أن لم يره أحد" قال مجاهد أي أيحسب أن لم يره الله عز وجل وكذا قال غيره من السلف: وقوله تعالى: "ألم نجعل له عينين" أي يبصر بهما "ولساناً" أي ينطق به فيعبر عما في ضميره "وشفتين" يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالاً لوجهه وفمه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعماً عظاماً لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها, وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء, فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك, وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما, وجعلت لك لساناً وجعلت له غلافاً فانطق بماأمرتك وأحللت لك, فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك. وجعلت لك فرجاً وجعلت لك ستراً, فأصب بفرجك ما أحللت لك, فإن عرض عليك ماحرمت عليك فأرخ عليك سترك, ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي". "وهديناه النجدين" الطريقين قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود "وهديناه النجدين" قال: الخير والشر, وكذا روي عن علي وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين,وقال عبد الله بن وهب : أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" تفرد به سنان بن سعد , ويقال سعد بن سنان , وقد وثقه ابن معين , وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني منكر الحديث,وقال أحمد : تركت حديثه لاضطرابه , وروى خمسة عشر حديثاً منكرة كلها ما أعرف منها حديثاً واحداً يشبه حديثه حديث الحسن ـ يعني البصري ـ لا يشبه حديث أنس . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول "وهديناه النجدين" قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا أيها الناس إنهما النجدان نجد الخير ونجد الشر, فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" وكذا رواه حبيب بن الشهيد ومعمر ويونس بن عبيد وأبو وهب عن الحسن مرسلاً, وهكذا أرسله قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عيسى بن عفان عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: "وهديناه النجدين" قال الثديين, وروي عن الربيع بن خثيم وقتادة وأبي حازم مثل ذلك, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن عيسى بن عقال به ثم قال: والصواب القول الأول, ونظير هذه الاية قوله تعالى: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً".
ويقال سورة لا أقسم، هي عشرون آية
وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة لا أقسم بهذا البلد بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
قوله: 1- "لا أقسم" لا زائدة، والمعنى أقسم "بهذا البلد" وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير "لا أقسم بيوم القيامة" ومن زيادة لا في الكلام في غير القسم قول الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتصدع
أي يتصدع، ومن ذلك قوله: " ما منعك أن لا تسجد " أي أن تسجد. قال الواحدي: أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة. قرأ الجمهور "لا أقسم" وقرأ الحسن والأعمش لأقسم من غير ألف، وقيل هو نفي للقسم، والمعنى: لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه. وقال مجاهد: إن لا رد على من أنكر البعث، ثم ابتدأ فقال أقسم، والمعنى: ليس الأمر كما تحسبون، والأول أولى. والمعنى: أقسم بالبلد الحرام الذي أنت حل فيه. وقال الواسطي: إن المراد بالبلد المدينة، وهو مع كونه خلاف إجماع المفسرين هو أيضاً مدفوع لكون السورة مكية لا مدنية.
1- "لا أقسم"، يعني أقسم، "بهذا البلد"، يعني مكة.
1-" لا أقسم بهذا البلد " .
Surah 90. Al-Balad
1. Nay, I swear by this city
SURA 90: BALAD
1 - I do call to witness this City;