[التوبة : 93] إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
93 - (إنما السبيل على الذين يستأذنونك) في التخلف (وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) تقدم مثله
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما السبيل بالعقوبة على أهل العذر، يا محمد، ولكنها على الذين يستأذنوك في التخلف خلافك، وترك الجهاد معك، وهم أهل غنى وقوة وطاقة للجهاد والغزو، نفاقاً وشكاً في وعد الله ووعيده، " رضوا بأن يكونوا مع الخوالف "، يقول: رضوا بأن يجلسوا بعدك مع النساء، وهن " الخوالف "، خلف الرجال في البيوت، ويتركوا الغزو معك، " وطبع الله على قلوبهم "، يقول: وختم الله على قلوبهم بما كسبوا من الذنوب، " فهم لا يعلمون "، سوء عاقبتهم، بتخلفهم عنك، وتركهم الجهاد معك، وما عليهم من قبيح الثناء في الدنيا، وعظيم البلاء في الآخرة.
قوله تعالى: "إنما السبيل" أي العقوبة والمأثم. "على الذين يستأذنونك وهم أغنياء" والمراد المنافقون. كرر ذكرهم للتأكيد في التحذير من سوء أفعالهم.
ثم بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال, فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد, ومنه العمى والعرج ونحوهما, ولهذا بدأ به ومنه ما هو عارض بسبب مرض عن له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله أو بسبب فقره لا يقدر على التجهيز للحرب, فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم وهم محسنون في حالهم هذا, ولهذا قال: "ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" وقال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة رضي الله عنه قال: قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن الناصح لله ؟ قال الذي يؤثر حق الله على حق الناس, وإذا حدث له أمران أو بدا له أمر الدنيا وأمر الاخرة, بدأ بالذي للاخرة ثم تفرغ للذي للدنيا.
وقال الأوزاعي: خرج الناس إلى الاستسقاء فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال, يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا اللهم نعم, فقال اللهم إنا نسمعك تقول: "ما على المحسنين من سبيل" اللهم وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقنا, ورفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا, وقال قتادة نزلت هذه الاية في عائذ بن عمرو المزني, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي, حدثنا ابن جابر عن ابن فروة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أكتب براءة, فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه, إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ؟ فنزلت "ليس على الضعفاء" الاية, وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية, وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه, فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل بن مقرن المزني فقالوا: يارسول الله احملنا فقال لهم: "والله لا أجد ما أحملكم عليه" فتولوا وهم يبكون وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملاً. فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه فقال "ليس على الضعفاء" إلى قوله "فهم لا يعلمون" وقال مجاهد في قوله: "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" نزلت في بني مقرن من مزينة, وقال محمد بن كعب: كانوا سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير, ومن بني واقف حرمي بن عمرو, ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب ويكنى أبا ليلى, ومن بني المعلى سلمان بن صخر, ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني, وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم, من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير وعلية بن زيد أخو بني حارثة, وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار, وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله بن المغفل المزني, وبعض الناس يقول بل هو عبد الله بن عمرو المزني, وحرمي بن عبد الله أخو بني واقف وعياض بن سارية الفزاري, فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة فقال " لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن الأودي, حدثنا وكيع عن الربيع عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد خلفتم بالمدينة أقواماً ما أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً ولا نلتم من عدو نيلاً إلا وقد شركوكم في الأجر" ثم قرأ "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه" الاية, وأصل الحديث في الصحيحين من حديث أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بالمدينة أقواماً ما قطعتم وادياً ولا سرتم سيراً إلا وهم معكم" قالوا وهم بالمدينة ؟ قال: "نعم حبسهم العذر", وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادياً ولا سلكتم طريقاً إلا شركوكم في الأجر, حبسهم المرض" ورواه مسلم وابن ماجه من طرق عن الأعمش به ثم رد تعالى الملامة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء, وأنبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرحال "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون".
ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال: 93- "إنما السبيل" أي طريق العقوبة المؤاخذة "على الذين يستأذنونك" في التخلف عن الغزو، "و" الحال أنـ " وهم أغنياء " أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به، وجملة "رضوا بأن يكونوا مع الخوالف" مستأنفة كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء. وقد تقدم تفسير الخوالف قريباً. وجملة "وطبع الله على قلوبهم" معطوفة على "رضوا" أي سبب الاستئذان مع الغنى أمران: أحدهما: الرضا بالصفقة الخاسرة، وهي أن يكونوا مع الخوالف، والثاني: الطبع من الله على قلوبهم "فهم" بسبب هذا الطبع "لا يعلمون" ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت براءة، فكنت أكتب ما أنزل عليه، فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت: "ليس على الضعفاء" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: أنزلت هذه الآية في عابد بن عمر المزني. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزل من عند قوله: "عفا الله عنك" إلى قوله: "ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" في المنافقين. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: "ما على المحسنين من سبيل" قال: ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد، فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين، ألم تسمع أن الله يقول: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" فجعل الله للذين عذر من الضعفاء، وأولي الضرر، والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ما على المحسنين من سبيل "قال "والله" لأهل الإساءة "غفور رحيم" وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "ولا على الذين إذا ما أتوك" الآية، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبعثوا غازين معه، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني، فقالوا: يا رسول الله احملنا، فقال: والله ما أجد ما أحملكم عليه، فتولوا ولهم بكاء وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملاً، فأنزل الله عذرهم "ولا على الذين إذا ما أتوك" الآية. وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال: إني لا أجد الرهط الذين ذكر الله "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" الآية. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال: هم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير، ومن بني واقف حرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى سلمان بن صخر، ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني. وقد اتفق الرواة على بعض هؤلاء السبعة. واختلفوا في البعض ولا يأتي التطويل في ذلك بكثير فائدة. وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم أن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، ثم ذكروا أسماءهم، وفيه فاستحملوا رسول الله، وكانوا أهل حاجة. قال: "لا أجد ما أحملكم عليه". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن قال: كان معقل بن يسار من البكائين الذين قال الله: "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله: "لا أجد ما أحملكم عليه" قال: الماء والزاد. وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالوا: أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان، فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه في قوله: "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" قال: ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح في الآية قال: استحملوه النعال. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "إنما السبيل على الذين يستأذنونك" قال: هي وما بعدها إلى قوله: "إن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين" في المنافقين.
93-"إنما السبيل"، بالعقوبه، "على الذين يستأذنونك"، في التخلف "وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف" مع النساء والصبيان، "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون".
93."إنما السبيل"بالمعاتبة." على الذين يستأذنونك وهم أغنياء "واجدون الأهبة."رضوا بأن يكونوا مع الخوالف"استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف إيثاراً للدعة"وطبع الله على قلوبهم"حتى غفلوا عن وخامة العاقبة."فهم لا يعلمون"مغبته.
93. The road (of blame) is only against those who ask for leave of thee (to stay at home) when they are rich. They are content to be with the useless. Allah hath sealed their hearts so that they know not.
93 - The ground (of complaint) is against such as claim exemption while they are rich. they prefer to stay with the (women) who remain behind: God hath sealed their hearts; so they know not (what they miss).