[التوبة : 57] لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
57 - (لو يجدون ملجأ) يلجأون إليه (أو مغارات) سراديب (أو مدخلاً) موضعاً يدخلونه (لولوا إليه وهم يجمحون) يسرعون في دخوله والانصراف عنكم إسراعاً لا يرده شيء كالفرس الجموع
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لو يجد هؤلاء المنافقون " ملجأ "، يقول: عصراً يعتصرون به من حصن، ومعقلاً يعتقلون فيه منكم، " أو مغارات ".
وهي الغيران في الجبال، واحدتها: ((مغارة))، وهي ((مفعلة))، من: ((غار الرجل في الشيء، يغور فيه))، إذا دخل، ومنه قيل، ((غارت العين)) إذا دخلت في الحدقة.
" أو مدخلا " يقول: سرباً في الأرض يدخلون فيه.
وقال، " أو مدخلا "، لأنه من ((ادخل يدخل)).
وقوله: " لولوا إليه "، يقول: لأدبروا إليه، هرباً منكم، " وهم يجمحون " يقول: وهم يسرعون في مشيتهم.
وقيل: إن ((الجماح)) مشي بين المشيين، ومنه قول مهلهل:
لقد جمحت جماحاً في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا
وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة، لأنهم إنما قاموا بين أظهر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم ولما هم عليه من الإيمان بالله وبرسوله، لأنهم كانوا في قومهم وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم فلم يقدروا على ترك ذلك وفراقه، فصانعوا القوم بالنفاق، ودافعوا عن انفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر ودعوى الإيمان، وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به والعداوة لهم. فقال الله، واصفهم بما في ضمائرهم: " لو يجدون ملجأ أو مغارات " الآية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية عن علي، عن ابن عباس قوله: " لو يجدون ملجأ "، ((الملجأ))، الحرز في الجبال، ((والمغارات)) الغيران في الجبال. وقوله: " أو مدخلا "، و((المدخل))، السرب.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون "، " ملجأ"، يقول: حرزاً، " أو مغارات "، يعني الغيران، " أو مدخلا "، يقول: ذهاباً في الأرض، وهو النفق في الأرض، وهو السرب.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا "، قال: حرزاً له يفرون إليه منكم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: " لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا "، قال: محرزاً لهم، لفروا إليه منكم، وقال ابن عباس قوله: " لو يجدون ملجأ"، حرزاً، " أو مغارات "، قال: الغيران، " أو مدخلا "، قال: نفقاً في الأرض.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة ، " لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا "، يقول: " لو يجدون ملجأ "، حصوناً، " أو مغارات "، غيراناً، " أو مدخلا "، أسراباً، " لولوا إليه وهم يجمحون ".
قوله تعالى: " لو يجدون ملجأ " كذا الوقف عليه. وفي الخط بألفين: الأولى همزة، والثانية عوض من التنوين، وكذا رأيت جزءاً. والملجأ الحصن، عن قتادة وغيره. ابن عباس: الحرز، وهما سواء. يقال: لجأت إليه لجأ (بالتحريك) وملجأ والتجأت إليه بمعنى. والموضع أيضاً لجأ وملجأ. والتلجئة الإكراه. وألجأته إلى الشيء اضطررته إليه. وألجأت أمري إلى الله أسندته. وعمرو بن لجأ التميمي الشاعر، عن الجوهري. "أو مغارات" جمع مغارة، من غار يغير. قال الأخفش: ويجوز أن يكون من أغار يغير، كما قال الشاعر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا
قال ابن عباس: المغارات الغيران والسراديب، وهي المواضع التي يستتر فيها، ومنه غار الماء وغارت العين. "أو مدخلا" مفتعل من الدخول، أي مسلكاً نختفي بالدخول فيه، وأعاده لاختلاف اللفظ. قال النحاس: الأصل فيه مدتخل. قلبت التاء دالاً، لأن الدال مهجورة والتاء مهموسة وهما من مخرج واحد. وقيل: الأصل فيه متدخل على متفعل، كما في قراءة أبي: أو متدخلاً ومعناه دخول بعد دخول، أي قوماً يدخلون معهم. المهدوي: متدخلاً من تدخل مثل تفعل إذا تكلف الدخول. وعن أبي أيضاً: مندخلاً من اندخل، وهو شاذ، لأن ثلاثيه غير معتد عند سيبويه وأصحابه. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن: أو مدخلاً بفتح الميم وإسكان الدال. قال الزجاج: ويقرأ أو مدخلاً بضم الميم وإسكان الدال. الأول من دخل يدخل. والثاني من أدخل يدخل. كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه:
مغار ابن همام على حي خثعما
وروي عن قتادة وعيسى والأعمش أو مدخلاً بتشديد الدال والخاء. والجمهور بتشديد الدال وحدها، أي مكاناً يدخلون فيه أنفسهم. فهذه ست قراءات. "لولوا إليه" أي لرجعوا إليه. "وهم يجمحون" أي يسرعون، لا يرد وجوههم شيء. من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام. قال الشاعر:
سبوحاً جموحاً وإحضارها كمعمعة السعف الموقد
والمعنى: لو وجدوا شيئاً من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هرباً من المسلمين.
يخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم "يحلفون بالله إنهم لمنكم" يميناً مؤكدة "وما هم منكم" أي في نفس الأمر "ولكنهم قوم يفرقون" أي فهو الذي حملهم على الحلف " لو يجدون ملجأ " أي حصناً يتحصنون به وحرزاً يتحرزون به "أو مغارات" وهي التي في الجبال "أو مدخلاً" وهو السرب في الأرض والنفق قال ذلك في الثلاثة ابن عباس ومجاهد وقتادة "لولوا إليه وهم يجمحون" أي يسرعون في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرهاً لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام ولهذا لا يزالون في هم وحزن وغم لأن الإسلام وأهله لا يزال في عز ونصر ورفعة, فلهذا كلما سر المسلمون ساءهم ذلك فهم يودون أن لا يخالطوا المؤمنين ولهذا قال " لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ".
57- " لو يجدون ملجأ " يلتجئون إليه ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو غيره "أو مغارات" جمع مغارة، من غار يغير. قال الأخفش: ويجوز أن يكون من أغار يغير، والمغارات: الغيران والسراديب، وهي المواضع التي يستتر فيها، ومنه غار الماء وغارت العين، والمعنى: لو وجدوا أمكنة يغيبون فيا أشخاصهم هرباً منكم "أو مدخلاً" من الدخول: أي مكاناً يدخلون فيه من الأمكنة التي ليست مغارات. قال النحاس: الأصل فيه متدخل قلبت التاء دالاً، وقيل أصله مدتخل. وقرأ أبي متدخلاً وروي عنه أنه قرأ مندخلاً بالنون. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن أو مدخلاً بفتح الميم وإسكان الدال. قال الزجاج: ويقرأ أو مدخلاً بضم الميم وإسكان الدال. وقرأ الباقون بتشديد الدال مع ضم الميم "لولوا إليه" أي لالتجئوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه "و" الحال أنـ " وهم يجمحون " أي يسرعون إسراعاً لا يردهم شيء، من جمح الفرس: إذا لم يرده اللجام، ومنه قول الشاعر:
سبوح جموح وإحضــارها كمعمعة السعف الموقد
والمعنى: لو وجدوا شيئاً من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هرباً من المسلمين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا، فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فساءهم ذلك فأنزل الله: "إن تصبك حسنة تسؤهم" الآية. وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن عباس "إن تصبك حسنة تسؤهم" يقول: إن يصبك في سفرك هذه الغزوة تبوك حسنة تسؤهم قال: الجد وأصحابه، يعني الجد بن قيس. وأخرج أبو الشيخ عن السدي "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" قال: إلا ما قضى الله لنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين" قال: فتح أو شهادة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "أو بأيدينا" قال: القتل بالسيوف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قال الجد بن قيس إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي، قال: ففيه نزلت: "قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً" الآية. وأخرج وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "فلا تعجبك أموالهم" قال: هذه من تقاديم الكلام، يقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "وتزهق أنفسهم وهم كافرون" قال: تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا "وهم كافرون" قال: هذه آية فيها تقديم وتأخير. وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله: "فلا تعجبك" يقول: لا يغررك "وتزهق" قال: تخرج أنفسهم، قال في الدنيا وهم كافرون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: " لو يجدون ملجأ " الآية قال: الملجأ الحرز في الجبال، والمغارات: الغيران، والمدخل: السرب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي "وهم يجمحون" قال: يسرعون.
57-" لو يجدون ملجأ "، حرزا وحصنا ومعقلا. وقال عطاء: مهربا. وقيل: قوما يأمنون فيهم. "أو مغارات"، غيرانا في الجبال، جمع مغارة وهو الموضع الذي يغور فيه، أي يستتر. وقال عطاء: سراديب. "أو مدخلا"، موضع دخول فيه، وأصله: مدتخل مفتعل، من أدخل يدخل. قال مجاهد: محرزا. وقال قتادة: سربا. وقال الكلبي: نفقا في الأرض كنفق اليربوع. وقال الحسن: وجها يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: "مدخلا" بفتح الميم وتخفيف الدال، وكذلك قرأ يعقوب، "لولوا إليه "، لأدبروا إليه هربا منكم، "وهم يجمحون"، يسرعون في إباء ونفور لا يرد وجوههم شيء. ومعنى الآية: أنهم لو يجدون مخلصا منكم ومهربا لفارقوكم.
57." لو يجدون ملجأ " حصناً يلجؤون إليه " أو مغارات " غيراناً ." أو مدخلاً " نفقاً ينجحرون فيه مفتعل من الدخول وقرأ يعقوب " مدخلاً" من مدخل . وقرئ " مدخلاً" أي مكاناً يدخلون فيه أنفسهم و(مندخلاً ) من تدخل و اندخل " لولوا إليه " لأقبلوا نحوه . "وهم يجمحون " يسرعون إسراعاً لا يردهم شيء كالفرس الجموح . وقرئ (يجمزون ) ومنه الجمازة .
57. Had they but found a refuge, or caverns, or a place to enter, they surely had resorted thither swift as runaways.
57 - If they could find a place to flee to, or caves, or a place of concealment, they would turn straightway thereto, with an obstinate rush.