[التوبة : 55] فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
55 - (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) أي لا تستحسن نعمنا عليهم فهي استدراج (إنما يريد الله ليعذبهم) أي أن يعذبهم (بها في الحياة الدنيا) بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب (وتزهق) تخرج (أنفسهم وهم كافرون) فيعذبهم في الآخرة أشد العذاب
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: فلا تعجبك، يا محمد، أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وقال: معنى ذلك التقديم، وهو مؤخر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم "، قال: هذه من تقاديم الكلام، يقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، بما ألزمهم فيها من فرائضه.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن المسيب بن شريك، عن سلمان الأنصري، عن الحسن : " إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا "، قال: بأخذ الزكاة، والنفقة في سبيل الله.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا "، بالمصائب فيها، هي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا، التأويل الذي ذكرنا عن الحسن . لأن ذلك هو الظاهر من التنزيل، فصرف تأويله إلى ما دل عليه ظاهره، أولى من صرفه إلى باطن لا دلالة على صحته.
وإنما وجه من وجه ذلك إلى التقديم وهو مؤخر، لأنه لم يعرف لتعذيب الله المنافقين بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا، وجهاً يوجهه إليه، وقال: كيف يعذبهم بذلك في الذنيا وهي لهم فيها سرور؟ وذهب عنه توجيهه إلى أنه من عظيم العذاب عليه، إلزامه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه، إذ كان يلزمه ويؤخذ منه وهو غير طيب النفس، ولا راج من الله جزاءً، ولا من الأخذ منه حمداً ولا شكراً، على ضجر منه وكره.
وأما قوله: " وتزهق أنفسهم وهم كافرون "، فإنه يعني وتخرج أنفسهم، فيموتوا على كفرهم بالله، وجحودهم نبوة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.
يقال منه: ((زهقت نفس فلان، وزهقت))، فمن قال: ((زهقت)) قال: ((تزهق))، ومن قال: ((زهقت))، قال: ((تزهق))، ((زهوقاً))، ومنه قيل: ((زهق فلان بين أيدي القوم يزهق زهوقاً)) إذا سبقهم فتقدمهم. ويقال: ((زهق الباطل))، إذا ذهب ودرس.
أي لا تستحسن ما أعطيناهم ولا تمل إليه فإنه استدراج. "إنما يريد الله ليعذبهم بها" قال الحسن: المعنى بإخراج الزكاة والإنفاق في سبيل الله. وهذا اختيار الطبري. وقال ابن عباس وقتادة: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وهذا قول أكثر أهل العربية، ذكره النحاس. وقيل: يعذبهم بالتعب في الجمع. وعلى هذا التأويل وقول الحسن لا تقديم فيه ولا تأخير، وهو حسن. وقيل: المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا لأنهم منافقون، فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون. "وتزهق أنفسهم وهم كافرون" نص في أن الله يريد أن يموتوا كافرين، سبق بذلك القضاء.
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم" كما قال تعالى: "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى" وقال " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وقوله "إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا" قال الحسن البصري بزكاتها والنفقة منها في سبيل الله, وقال قتادة: هذا من المقدم والمؤخر تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الاخرة. واختار ابن جرير قول الحسن, وهو القول القوي الحسن, وقوله "وتزهق أنفسهم وهم كافرون" أي ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم. عياذاً بالله من ذلك وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه.
قوله: 55- "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم" الإعجاب بالشيء: أن يسر به سروراً راض، متعجب من حسنه، قيل مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه، والمعنى: لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد "إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا" بما يحصل معهم من الغم والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسراً من أيديهم مع كونها زينة حياتهم وقرة أعينهم، وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذي أعطاهم ذلك، وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها، والتصدق بما يحق التصدق به وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم منافقون، فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون. قوله: "وتزهق أنفسهم وهم كافرون" الزهوق: الخروج بصعوبة، والمعنى: أن الله يريد أن تزهق أنفسهم وتخرج أرواحهم حال كفرهم لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء وأرسلت به الرسل، وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة.
55-"فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم"، والإعجاب هو السرور بما يتعجب منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد لأن العبد إذا كان من الله في استدراج كثر الله ماله وولده، "إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا"، فإن قيل: أي تعذيب في المال والولد وهم يتنعمون بها في الحياة الدنيا؟.
قيل: قال مجاهد و قتادة: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
وقيل: التعذيب بالمصائب الواقعة في المال والولد.
وقال الحسن: يعذبهم بها في الدنيا بأخذ الزكاة منها والنفقة في سبيل الله، وقيل: يعذبهم بالتعب في جمعه، والوجل في حفظه، والكره في إنفاقه، والحسرة على تخليفه عند من لا يحمده، ثم يقدم على ملك لا يعذره. "وتزهق أنفسهم"، أي: تخرج، "وهم كافرون"، أي: يموتون على الكفر.
55."فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم " فإن ذلك استدراج ووبال لهم كما قال ." إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا " بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب . " وتزهق أنفسهم وهم كافرون " فيموتوا كافرين مستغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجاً لهم . وأصل الزهوق الخروج بصعوبة .
55. So let not their riches nor their children please thee (O Muhammad). Allah thereby intendeth but to punish them in the life of the world and that their souls shall pass away while they are disbelievers
55 - Let not their wealth nor their (following in) sons dazzle thee: in reality God's plan is to punish them with these things in this life, and that their souls may perish in their (very) denial of God.