[التوبة : 48] لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
48 - (لقد ابتغوا) لك (الفتنة من قبل) أول ما قدمت المدينة (وقلَّبوا لك الأمور) أي أجالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك (حتى جاء الحق) النصر (وظهر) عن (أمر الله) دينه (وهم كارهون) له فدخلوا فيه ظاهراً
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لق التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لأصحابك، يا محمد، التمسوا صدهم عن دينهم، وحرصوا على ردهم إلى الكفر بالتخذيل عنه، كفعل عبد الله بن أبي بك وبأصحابك يوم أحد، حين النصرف عنك بمن تبعه من قومه، وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتنة من قبل. ويعني بقوله: " من قبل "، من قبل هذا، " وقلبوا لك الأمور "، يقول: وأجالوا فيك وفي إبطان لادين الذي بعثك به الله الرأي بالتخذيل عنك، وإنكار ما تأتيهم به ورده عليك، " حتى جاء الحق "، يقول: حتى جاء نصر الله، " وظهر أمر الله "، يقول: وظهر دين الله الذي أمر به وافترضه على خلقه، وهو الإسلام، " وهم كارهون "، يقول والمنافقون بظهور أمر الله ونصره إياك كارهون. وكذلك الآن، يظهرك الله ويظهر دينه على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر به، وهم كارهون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " وقلبوا لك الأمور "، أي: ليخذلوا عنك أصحابك، ويردوا عليك أمرك، " حتى جاء الحق وظهر أمر الله ".
وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر مسمين بأعيانهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن عمرو، عن الحسن قوله: " وقلبوا لك الأمور "، قال: منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وعبد الله بن نبتل أخو بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن رافع، وزيد بن التابوت القينقاعي.
وكان تخذيل عبد الله بن أبي أصحابه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة، كالذي:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم، كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، وكل قد اجتمع حديثه في هذا الحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طاب الثمار، وأحبت الظلال، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها، على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي صمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأمر الناس بالجهاد، وأخبرهم أنه يريد الروم. فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه، مع ما عظموا من ذكر الروم وغزوهم ".
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره، فأمر الناس بالجهاز والانكماش، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله.
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي ابن أبي سلول عسكره على حدة أسفل منه بحذاء ((ذباب)) - جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع - وكان فيما يزعمون، ليس بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم. تخلف عنه عبد الله بن أبي بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وكان عبد الله بن أبي، أخا بني عوف بن الخزرج، وعبد الله بن نبتل، أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد للإسلام وأهله.
وقال: وفيهم - فيما حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري - أنزل الله: " لقد ابتغوا الفتنة من قبل "، الآية.
قوله تعالى: "لقد ابتغوا الفتنة من قبل" أي لقد طلبوا الإفساد والخبال من قبل أن يظهر أمرهم، وينزل الوحي بما أسروا وبما سيفعلونه. وقال ابن جريج: أراد اثني عشر رجلاً من المنافقين، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. "وقلبوا لك الأمور" أي صرفوها وأجالوا الرأي في إبطال ما جئت له. "حتى جاء الحق وظهر أمر الله" أي دينه "وهم كارهون".
يقول تعالى محرضاً لنبيه عليه السلام على المنافقين: "لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور" أي لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإخماده مدة طويلة, وذلك أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس واحدة, وحاربته يهود المدينة ومنافقوها, فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته قال عبد الله بن أبي وأصحابه: هذا أمر قد توجه فدخلوا في الإسلام ظاهراً ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ولهذا قال تعالى: "حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون".
قوله: 48- "لقد ابتغوا الفتنة من قبل" أي لقد طلبوا الإفساد والخبال وتفريق كلمة المؤمنين وتشتيت شملهم من قبل هذه الغزوة التي تخلفوا عنك فيها. كما وقع من عبد الله بن أبي وغيره "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". قوله: "وقلبوا لك الأمور" أي صرفوها من أمر إلى أمر، ودبروا لك الحيل والمكائد، ومنه قول العرب حول قلب إذا كان دائراً حول المكائد والحيل يدير الرأي فيها ويتدبره. وقرئ وقلبوا بالتخفيف "حتى جاء الحق" أي إلى غاية هي مجيء الحق، وهو النصر لك والتأييد "وظهر أمر الله" بإعزاز دينه وإعلام شرعه وقهر أعدائه، وقيل: الحق القرآن "وهم كارهون" أي والحال أنهم كارهون لمجيء الحق وظهور أمر الله، ولكن كان ذلك على رغم منهم.
48-"لقد ابتغوا الفتنة من قبل"، أي: طلبوا صد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين أنصرف عنك بأصحابه. "وقلبوا لك الأمور" وأجالوا فيك وفى إبطال دينك الرأي، بالتخذيل عنك وتشتيت أمرك، "حتى جاء الحق"، النصر والظفر، "وظهر أمر الله"، دين اله، "وهم كارهون".
48."لقد ابتغوا الفتنة " تشتيت أمرك وتفريق أصحابك . " من قبل " يعنى يوم أحد فإن ابن أبي وأصحابه كما تخلفوا عن تبوك بعدما خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع انصرفوا يوم أحد . " وقلبوا لك الأمور" ودبروا لك المكايد والحيل ودوروا الآراء في إبطال أمرك . " حتى جاء الحق " بالنصر والتأييد الإلهي . " وظهر أمر الله " وعلا دينه ." وهم كارهون " أي على رغم منهم ، والآيتان لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على تخلفهم وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم تداركاً لما فوت الرسول صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الأذن ولذلك عوتب عليه
48. Aforetime they sought to cause sedition and raised difficulties for thee till the Truth came and the decree of Allah was made manifest, though they were loth.
48 - indeed they had platted sedition before, and upset matters for thee, until the truth arrived, and the decree of God became manifest, much to their disgust.