[التوبة : 22] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
22 - (خالدين) حال مقدرة (فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، " خالدين فيها "، ماكثين فيها، يعني في الجنات، " أبدا "، لا نهاية لذلك ولا حد، " إن الله عنده أجر عظيم "، يقول: إن الله عنده لهؤلاء المؤمنين الذين نعتهم جل ثناؤه النعت الذي ذكره في هذه الآية، " أجر "، ثواب على طاعتهم لربهم، وأدائهم ما كلفهم من الأعمال، " عظيم "، وذلك النعيم الذي وعدهم أن يعطيهم في الآخرة.
قوله تعالى: "خالدين" نصب على الحال. والخلود الإقامة. "إن الله عنده أجر عظيم" أي أعد لهم في دار كرامته ذلك الثواب.
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد, وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره, فذكر الله استكبارهم وإعراضهم, فقال لأهل الحرم من المشركين "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامراً تهجرون" يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال "به سامراً" كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به, وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.
وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي ونفك العاني, قال الله عز وجل: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك, وقال الضحاك بن مزاحم: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك, فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج, فأنزل الله "أجعلتم سقاية الحاج" الاية.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي: قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد, فقال علي رضي الله عنه: ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد, فأنزل الله عز وجل "أجعلتم سقاية الحاج ؟" الاية كلها, وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك, فقال العباس: ما أراني إلا أني تارك سقايتنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً" ورواه محمد بن ثور: عن معمر عن الحسن فذكر نحوه, وقد ورد في تفسير هذه الاية حديث مرفوع فلا بد من ذكره هنا, قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلاً قال: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة, ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون ".
(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه, وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
وذكر الأبد بعد الخلود تأكيد له، وجملة 22- "إن الله عنده أجر عظيم" مؤكدة لما قبلها مع تضمنها للتعليل: أي أعطاهم الله سبحانه هذه الأجور العظيمة لكون الأجر الذي عنده عظيم يهب منه ما يشاء لمن يشاء، وهو ذو الفضل العظيم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله" وقال: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" فنفى المشركين من المسجد "من آمن بالله" يقول: من وحد الله وآمن بما أنزل الله: "وأقام الصلاة" يعني الصلوات الخمس "ولم يخش إلا الله" يقول: لم يعبد إلا الله "فعسى أولئك" يقول: أولئك هم المهتدون كقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" يقول: إن ربك سيبعثك مقاماً محموداً، وهي الشفاعة، وكل عسى في القرآن فهي واجبة. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". قال الله تعالى: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر". وقد وردت أحاديث كثيرة في استحباب ملازمة المساجد وعمارتها والتردد إليها للطاعات. وأخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير قال:" كنت عند
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر: بل جهاد في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيه فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله: "أجعلتم سقاية الحاج" إلى قوله: "لا يهدي القوم الظالمين"". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "أجعلتم سقاية الحاج" الآية. وذلك أن المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد، فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره، فذكر الله سبحانه استكبارهم وإعراضهم، فقال لأهل الحرم من المشركين: " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون " يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم، وقال به سامراً: كانوا به يسمرون ويهجرون بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن لينفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه قال الله: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً، وفي إسناده العوفي وهو ضعيف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال العباس حين أسر يوم بدر: إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله: "أجعلتم سقاية الحاج" الآية: يعني أن ذلك كان في الشرك فلا أقبل ما كان في الشرك. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب والعباس. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال: تفاخر علي والعباس وشيبة في السقاية والحجابة فأنزل الله: "أجعلتم سقاية الحاج" الآية، وقد روي معنى هذا من طرق.
22-"خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم".
22. " خالدين فيها أبداً " أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يستعمل للمكث الطويل . " إن الله عنده أجر عظيم " يستحقر دونه ما استوجبوه لأجله أو نعيم الدنيا.
22. There they will abide for ever. Lo! with Allah there is immense reward.
22 - They will dwell therein for ever. verily in God's presence is a reward, the greatest (of all).