[التوبة : 20] الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
20 - (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة) رتبة (عند الله) من غيرهم (وأولئك هم الفائزون) الظافرون بالخير
قال أبو جعفر:وهذا قضاء من الله بين فرق المفتخرين الذين افتخر أحدهم بالسقاية، والآخر بالسدانة. والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: " الذين آمنوا " بالله، وصدقوا بتوحيده من المشركين، " وهاجروا " دور قومهم، " وجاهدوا " المشركين في دين الله، " بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله "، وأرفع منزلة عنده، من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام، وهم بالله مشركون، " وأولئك "، يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم، أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا، " هم الفائزون "، بالجنة، الناجون من النار.
قوله تعالى: "الذين آمنوا" في موضع رفع بالابتداء. وخبره "أعظم درجة عند الله". ودرجة نصب على البيان، أي من الذين افتخروا بالسقي والعمارة. وليس للكافرين درجة عند الله حتى يقال: المؤمن أعظم درجة. والمراد أنهم قدروا لأنفسهم الدرجة بالعمارة والسقي، فخاطبهم على ما قدروه في أنفسهم وإن كان التقدير خطأ، كقوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خيرً مستقراً" (الفرقان: 24). وقيل: أعظم درجة من كل ذي درجة، أي لهم المزية والمرتبة العلية. "وأولئك هم الفائزون" بذلك.
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد, وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره, فذكر الله استكبارهم وإعراضهم, فقال لأهل الحرم من المشركين "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامراً تهجرون" يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال "به سامراً" كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به, وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.
وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي ونفك العاني, قال الله عز وجل: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك, وقال الضحاك بن مزاحم: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك, فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج, فأنزل الله "أجعلتم سقاية الحاج" الاية.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي: قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد, فقال علي رضي الله عنه: ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد, فأنزل الله عز وجل "أجعلتم سقاية الحاج ؟" الاية كلها, وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك, فقال العباس: ما أراني إلا أني تارك سقايتنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً" ورواه محمد بن ثور: عن معمر عن الحسن فذكر نحوه, وقد ورد في تفسير هذه الاية حديث مرفوع فلا بد من ذكره هنا, قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلاً قال: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة, ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون ".
(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه, وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
ثم صرح بالفريق الفاضل فقال: 20- "الذين آمنوا" إلى آخره: أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس "أعظم درجة عند الله" وأحق بما لديه من الخير من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحيطة الباطلة، وفي قوله: "عند الله" تشريف عظيم للمؤمنين، والإشارة بقوله: "أولئك" إلى المتصفين بالصفات المذكورة "هم الفائزون" أي المختصون بالفوز عند الله.
20-قوله تعالى: "الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة" فضيلة، "عند الله"، من الذين افتخروا بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. "وأولئك هم الفائزون"، الناجون من النار.
20."الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله " أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم تستجمع فيه هذه الصفات أو من أهل السقاية والعمارة عندكم . " وأولئك هم الفائزون " بالثواب ونيل الحسنى عند الله دونكم .
20. Those who believe, and have left their homes and striven with their wealth and their lives in Allah's way are of much greater worth in Allah's sight. These are they who are triumphant.
20 - those who believe, and suffer exile and strive with might and main, in God's cause, with their goods and their persons, have the highest rank in the sight of God: they are the people who will achieve (salvation).