[التوبة : 128] لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
128 - (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أي منكم : محمد صلى الله عليه وسلم (عزيز) شديد (عليه ما عنتم) أي عنتكم أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه (حريص عليكم) أن تهتدوا (بالمؤمنين رؤوف) شديد الرحمة (رحيم) يريد لهم الخير
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للعرب: لقد جاءكم، أيها القوم، رسول الله إليكم، " من أنفسكم "، تعرفونه، لا من غيركم فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم، " عزيز عليه ما عنتم "، أي: عزيز عليه عنتكم، وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى، " حريص عليكم "، يقول: حريص على هدى ضلالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق، " بالمؤمنين رؤوف "، أي: رفيق، " رحيم ".
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه في قوله: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم "، قال: لم يصبه شيء من شرك في ولادته.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن جعفر بن محمد في قوله: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم "، قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح ".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد، عن أبيه، بنحوه.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم "، قال: جعله الله من أنفسهم، فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة.
وأما قوله: " عزيز عليه ما عنتم "، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: ما ضللتم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا طلق بن غنام قال، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي ، عن ابن عباس في قوله: " عزيز عليه ما عنتم "، قال: ما ضللتم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيز عليه عنت مؤمنكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " عزيز عليه ما عنتم "، عزيز عليه عنت مؤمنهم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول ابن عباس. وذلك أن الله عم بالخبر عن نبي الله أنه عزيز عليه ما عنت قومه، ولم يخصص أهل الإيمان به. فكان صلى الله عليه وسلم كما جاء الخبر من الله به، عزيز عليه عنت جميعهم.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزاً عليه عنت جميعهم، وهو يقتل كفارهم، ويسيء ذراريهم، ويسلبهم أموالهم؟.
قيل: إن إسلامهم، لو كانوا أسلموا، كان أحب إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه، حتى يستحقوا ذلك من الله. وإنما وصفه الله جل ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم، لأنه كان عزيزاً عليه أن يأتوا ما يعنتهم، وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي.
وأما " ما " التي في قوله: " ما عنتم "، فإنه رفع بقوله: " عزيز عليه "، لأن معنى الكلام ما ذكرت: عزيز عليه عنتكم.
وأما قوله: " حريص عليكم "، فإن معناه ما قد بينت، وهو قول أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " حريص عليكم "، حريص على ضالهم أن يهديه الله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: " حريص عليكم "، قال: حريص على من لم يسلم أن يسلم.
هاتان الآيتان في قول أبي أقرب القرآن بالسماء عهداً. وفي قول سعيد بن جبير: آخر ما نزل من القرآن "واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله" [البقرة:281] على ما تقدم. فيحتمل أن يكون قول أبي: أقرب القرآن بالسماء عهداً بعد قوله: "واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله". والله أعلم. والخطاب للعرب في قول الجمهور، وهذا على جهة تعديد النعمة عليهم في ذلك، إذ جاء بلسانهم وبما يفهمونه، وشرفوا به غابر الأيام. وقال الزجاج: هي مخاطبة لجميع العالم، والمعنى: لقد جاءكم رسول من البشر، والأول أصوب. قال ابن عباس: ما من قبيلة من العرب إلا ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: يا معشر العرب، لقد جاءكم رسول من بني إسماعيل. والقول الثاني أوكد للحجة، أي هو بشر مثلكم لتفهموا عنه وتأتموا به.
قوله تعالى: "من أنفسكم" يقتضي مدحاً لنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من صميم العرب وخالصها. وفي صحيح مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش من بني هاشم واصطفاني من بني هاشم". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إني من نكاح ولست من سفاح". معناه أن نسبه صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام لم يكن النسل فيه إلا من نكاح، ولم يكن فيه زنى. وقرأ عبد الله بن قسيط المكي من أنفسكم بفتح الفاء من النفاسة، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة رضي الله عنها، أي جاءكم رسول من أشرفكم وأفضلكم، من قولك: شيء نفيس إذا كان مرغوباً فيه. وقيل: من أنفسكم، أي أكثركم طاعة.
قوله تعالى: "عزيز عليه ما عنتم" أي يعز عليه مشقتكم. والعنت: المشقة، من قولهم: أكمة عنوت إذا كان شاقة مهلكة. وقال ابن الأنباري: أصل التعنت التشديد، فإذا قالت العرب: فلان يتعنت فلاناً ويعنته فمرادهم يشدد عليه ويلزمه. بما يصعب عليه أداؤه. وقد تقدم في البقرة. وما في ما عنتم مصدرية، وهي ابتداء وعزيز خبر مقدم. ويجوز أن يكون ما عنتم فاعلاً بعزيز، وعزيز صفة للرسول، وهو أصوب وكذا حريص عليكم وكذا رؤوف رحيم رفع على الصفة. قال الفراء: ولو قرئ عزيزاً عليه ما عنتم حريصاً رؤوفاً رحيماً، نصباً على الحال جاز. قال أبو جعفر النحاس: وأحسن ما قيل في معناه مما يوافق كلام العرب ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: حدثنا عبد الله بن محمد الخزاعي قال: سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول في قوله عز وجل: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم" قال: أن تدخلوا النار، "حريص عليكم" قال: أن تدخلوا الجنة. وقيل: حريص عليكم أن تؤمنوا. وقال الفراء: شحيح بأن تدخلوا النار. والحرص على الشيء: الشح عليه أن يضيع ويتلف. "بالمؤمنين رؤوف رحيم" الرؤوف: المبالغ في الرأفة والشفقة. وقد تقدم في البقرة معنى رؤوف رحيم مستوفى. وقال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: "بالمؤمنين رؤوف رحيم" وقال: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" [البقرة:143]. وقال عبد العزيز بن يحيى: نظم الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم، عزيز عليه ما عنتم لا يهمه إلا شأنكم، وهو القائم بالشفاعة لكم فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته، فإنه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة.
يقول تعالى ممتناً على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم عليه السلام: "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم" وقال تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " وقال تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" أي منكم وبلغتكم كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إن الله بعث فينا رسولاً منا نعرف نسبه وصفته ومدخله ومخرجه وصدقه وأمانته وذكر الحديث وقال سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية وقال صلى الله عليه وسلم "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح" وقد وصل هذا من وجه آخر كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي: حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد حدثنا ابن أبي عمر حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: أشهد على أبي لحدثني عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني من سفاح الجاهلية شيء" وقوله تعالى: "عزيز عليه ما عنتم" أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال: "بعثت بالحنيفية السمحة" وفي الصحيح "إن هذا الدين يسر وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه" "حريص عليكم" أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم, وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن فطن عن أبي الطفيل عن أبي ذر قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم" وقال الإمام أحمد: حدثنا فطن حدثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبدة الهذلي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار كتهافت الفراش أو الذباب".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان فيما يرى النائم فقعد أحدهما عند رجليه والاخر عند رأسه. فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة ولم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء تتبعوني ؟ فقالوا: نعم قال: فانطلق بهم فأوردهم رياضاً معشبة وحياضاً رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا بلى فقال: فإن بين أيديكم رياضاً هي أعشب من هذه وحياضاً هي أروى من هذه فاتبعوني فقالت طائفة صدق والله لنتبعه, وقالت طائفة قد رضينا بهذا نقيم عليه, وقال البزار: حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قالا حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا أبي عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء قال عكرمة: أراه قال في دم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال: "أحسنت إليك" قال الأعرابي لا ولا أجملت فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفوا فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال: "إنك إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت" فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وقال: "أحسنت إليك ؟" فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت. وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم" فقال: نعم فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن صاحبكم كان جاء فسألنا فأعطيناه فقال ما قال, وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي, كذلك يا أعرابي ؟" فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً. فقال لهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار" رواه البزار ثم قال لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه (قلت) وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان والله أعلم, وقوله: " بالمؤمنين رؤوف رحيم " كقوله "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم" وهكذا أمره تعالى في هذه الاية الكريمة وهي قوله تعالى "فإن تولوا" أي تولوا عما جئتم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة "فقل حسبي الله لا إله إلا هو" أي الله كافي لا إله إلا هو عليه توكلت كما قال تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" "وهو رب العرش العظيم" أي هو مالك كل شيء وخالقه, لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى, وعلمه محيط بكل شيء وقدره نافذ في كل شيء وهو على كل شيء وكيل, قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت من القرآن هذه الاية "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة, وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا روح بن عبد المؤمن حدثنا عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنهم أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا إلى هذه الاية من سورة براءة "ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم" الاية فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة قال هذا آخر ما نزل من القرآن فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وهذا غريب أيضاً.
وقال أحمد حدثنا علي بن بحر حدثنا علي بن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الايتين من آخر براءة "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى عمر بن الخطاب فقال: من معك على هذا ؟ قال: لا أدري والله إني لأشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها, فوضعوها في آخر براءة, وقد تقدم الكلام أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن فأمر زيد بن ثابت فجمعه وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك, وفي الصحيح أن زيداً قال: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة, وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها والله أعلم, وقد روى أبو داود عن يزيد بن محمد عن عبد الرزاق بن عمر ـ وقال كان من ثقات المسلمين من المتعبدين عن مدرك بن سعد قال يزيد شيخ ثقة عن يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. سبع مرات إلا كفاه الله ما أهمه, وقد رواه ابن عساكر في ترجمة عبد الرزاق عن عمر, هذا من رواية أبي زرعة الدمشقي عنه عن أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري عن يونس بن ميسرة بن حليس عن أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول: ما من عبد يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات صادقاً كان بها أو كاذباً إلا كفاه الله ما أهمه. وهذه زيادة غريبة, ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق عن جده عبد الرزاق بن عمر بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة وهذا منكر, والله أعلم.
ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهون عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة، فقال: 128- "لقد جاءكم" يا معشر العرب "رسول" أرسله الله إليكم له شأن عظيم "من أنفسكم" من جنسكم في كونه عربياً وإلى كون هذه الآية خطاباً للعرب ذهب جمهور المفسرين. وقال الزجاج: هي خطاب لجميع العالم. والمعنى "لقد جاءكم رسول من" جنسكم في البشرية "عزيز عليه ما عنتم" ما مصدرية. والمعنى: شاق عليه عنتكم لكونه من جنسكم ومبعوثاً لهدايتكم، والعنت: التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه، أو بعذاب الآخرة بالنار، أو بمجموعهما "حريص عليكم" أي شحيح عليكم بأن تدخلوا النار، أو حريص على إيمانكم. والأول أولى، وبه قال الفراء: والرؤوف: الرحيم، قد تقدم بيان معناهما: أي هذا الرسول "بالمؤمنين" منكم أيها العرب أو الناس "رؤوف رحيم".
128-قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" تعرفون نسبه وحسبه، قال السدي: من العرب، من بني إسماعيل. قال ابن عباس: ليس من العرب قبيل إلا ولدت النبي صلى الله عليه وسلم، ولهم فيهم نسب.
وقال جعفر بن محمد الصادق : لم يصبه شيء من ولاد الجاهلية من زمان آدم عليه السلام.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، حدثنا حامد بن محمد، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن أبي نعيم، حدثنا هشيم، حدثني المدني-يعني: أبا معشر- عن أبي الحويرث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام".
وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن "من أنفسكم" بفتح الفاء، أي: من أشرفكم وأفضلكم.
"عزيز عليه"، شديد عليه، "ما عنتم"، قيل "ما" صلة أي: عنتكم، وهو دخول المشقة والمضرة عليكم. وقال القتيبي: ما أعنتكم وضركم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ضللتم.
وقال الضحاك والكلبي: ما أتممتم.
"حريص عليكم"، أي: على إيمانكم وصلاحكم. وقال قتادة: حريص عليكم أي: على ضالكم أن يهديه الله، " بالمؤمنين رؤوف رحيم "، قيل: رؤوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين،
128."لقد جاءكم رسول من أنفسكم"من جنسكم عربي مثلكم .وقرئ من (أنفسكم ( أي من أشرفكم ." عزيز عليه"شديد شاق."ما عنتم"عنتكم ولقاءكم المكروه."حريص عليكم"أي على إيمانكم وصلاح شأنكم." بالمؤمنين"منكم ومن غيركم ."رؤوف رحيم"قدم الأبلغ منهما وهو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة محافظة على الفواصل.
128. There hath come unto you a messenger, (one) of yourselves, unto whom aught that ye are overburdened is grievous, full of concern for you, for the believers full of pity, merciful.
128 - Now hath come unto you an Apostle from amongst yourselves: it grieves him that ye should perish: ardently anxious is he over you: to the believers is he most kind and merciful.