[الأعلي : 3] وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى
3 - (والذي قدر) ما شاء (فهدى) إلى ما قدره من خير وشر
وقوله : " والذي قدر فهدى " يقول تعالى ذكره : والذي قدر خلقه فهدى .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عني بقوله " فهدى " ، فقال بعضهم : هدى الإنسان لسبيل الخير والشر ، والبهائم للمراتع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " قدر فهدى " قال : هدى الإنسان للشقوة والسعادة ، وهدى الأنعام لمراتعها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : هدى الذكور لمأتى الإناث ، وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله عم بقوله " فهدى " الخبر عن هدايته خلقه ، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى ، وقد هداهم لسبيل الخير والشر ، وهدى الذكور لمأتى الإناث ، فالخبر على عمومه ، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة ، دال على خصوصه ، واجتمعت قراء الأمصار على تشديد الدال من قدر ، غير الكسائي فإنه خففها .
والصواب في ذلك التشديد ، لإجماع الحجة عليه .
قوله تعالى:" والذي قدر فهدى" قرأ علي رضي الله عنه والسلمي والكسائي ((قدر))مخففة الدال، وشدد الباقون. وهما بمعنى واحد. أي قدر ووفق لكل شكل شكله. " فهدى" أي أرشد. قال مجاهد: قدر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة. وعنه قال: هدى الإنسان للسعادة والشقاوة، وهدى الأنعام لمراعيها. وقيل: قدر أقواتهم وأرزاقهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً. وروي عن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي في قوله ((فهدى))قالوا: عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى، كما قال في (طه): " أعطى كل شيء خلقه ثم هدى"[طه:50] أي الذكر للأنثى. وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها، وهداها له. وقيل: خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها؟ وقيل : ((قدر فهدى)): قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع به. يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى. وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه، وما لا يحصر من حوائجه، في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع، وشوط بطين، لا يحيط به وصف واصف، فسبحان ربي الأعلى. وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر، وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم. وقال الفراء: أي قدر، فهدى وأضل، فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله تعالى:" سرابيل تقيكم الحر" [ النحل :81] ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان، كقوله تعالى:" وإنك لتهدي إلى صراط" [الشورى:52] أي لتدعو، وقد دعا الكل إلى الإيمان. وقيل: ((فهدى)) أي دلهم بأفعاله على توحيده، وكونه عالماً قادراً. ولا خلا ف أن من شدد الدال من ((قدر)) أنه من التقدير، كقوله تعالى:[ الفرقان:52] ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى. ويحتمل أن يكون من القدرة والملك، أي ملك الأشياء، وهدى من يشاء.
قلت: وسمعت بعض أشياخي يقول: الذي خلق فسوى وقدر فهدى. هو تفسير العلو الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى يعني ابن أيوب الغافقي , حدثنا عمي إياس بن عامر سمعت عقبة بن عامر الجهني : لما نزلت "فسبح باسم ربك العظيم" قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "اجعلوها في سجودكم" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن موسى بن أيوب به. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "سبحان ربي الأعلى" وهكذا رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن وكيع به قال وخولف فيه وكيع رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفاً. وقال الثوري عن السدي عن عبد خير قال: سمعت علياً قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" فقال: سبحان ربي الأعلى.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق الهمداني أن ابن عباس كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" يقول: سبحان ربي الأعلى, وإذا قرأ "لا أقسم بيوم القيامة" فأتى على آخرها "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" يقول: سبحانك وبلى, وقال قتادة "سبح اسم ربك الأعلى" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى, وقوله تعالى: "الذي خلق فسوى" أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات. وقوله تعالى: "والذي قدر فهدى" قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لفرعون: "ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وقوله تعالى: "والذي أخرج المرعى" أي من جميع صنوف النباتات والزروع "فجعله غثاء أحوى" قال ابن عباس : هشيماً متغيراً, وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه.
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم, وأن معنى الكلام والذي أخرج المرعى, أحوى: أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك, ثم قال ابن جرير : وهذا وإن كان محتملاً إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل, وقوله تعالى: "سنقرئك" أي يا محمد "فلا تنسى" وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له. بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها "إلا ما شاء الله" وهذا اختيار ابن جرير . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله: وقيل: المراد بقوله: "فلا تنسى" طلب, وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى: "إنه يعلم الجهر وما يخفى" أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقوله تعالى: "ونيسرك لليسرى" أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: "فذكر إن نفعت الذكرى" أي ذكر حيث تنفع التذكرة, ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم, وقال: حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله, وقوله تعالى: "سيذكر من يخشى" أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه " ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا " أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه, لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال. قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان يعني التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم ـ أو قال ـ ينبتون ـ في نهر الحيا ـ أو قال الحياة ـ أو قال الحيوان ـ أو قال نهر الجنة ـ فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترون الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ قال: فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " .
وقال أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل , حدثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس ـ أو كما قال ـ تصيبهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة, فجيء بهم ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم, فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" قال: فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية, ورواه مسلم من حديث بشر بن المفضل وشعبة كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به مثله, ورواه أحمد أيضاً عن يزيد عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون, وإن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة حتى يصيروا فحماً, ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل". وقد قال الله تعالى إخباراً عن أهل النار: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" وقال تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" إلى غير ذلك من الايات في هذا المعنى.
3- "والذي قدر فهدى" صفة أخرى للرب، أو معطوف على الموصول الذي قبله. قرأ علي بن أبي طالب والكسائي والسلمي "قدر" مخففاً، وقرأ الباقون بالتشديد، قال الواحدي: قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها. وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة. وروي عنه أيضاً أنه قال في معنى الآية: قدر السعادة والشقاوة وهدى للرشد والضلالة، وهدى الأنعام لمراعيها. وقيل قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً. وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له. وقيل خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها. وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم. قال الفراء: أي قدر فهدي وأضل فاكتفي بأحدهما، وفي تفسير الآية أقوال غير ما ذكرنا. والأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه قدر وهدى إلا بدليل يدل عليه، ومع عدم الدليل يحمل على ما يصدق عليه معنى الفعلين، إما على البدل أو على الشمول، والمعنى: قدر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها وآجالها، فهدي كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له، ويسره لما خلق له، وألهمه إلى أمور دينه ودنياه.
3- "والذي قدر فهدى"، قرأ الكسائي: قدر بتخفيف الدال، وشددها الآخرون، وهما بمعنىً واحد.
قال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراتعها.
وقال مقاتل والكلبي: قدر لكل شيء مسلكه، فهدى: عرفها كيف يأتي الذكر والأنثى.
وقيل: قدر الأرزاق وهدى لاكتساب الأرزاق والمعاش.
وقيل: خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها.
وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج من الرحم.
قال الواسطي: قدر السعادة والشقاوة عليهم، ثم يسر لكل واحد من الطائفتين سلوك سبيل ما قدر عليه.
3-" والذي قدر " أي قدر أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها ." فهدى " فوجهه إلى أفعاله طبعاً واختياراً بخلق الميول والألهامات ونصب الدلائل وانزال الآيات .
3. Who measureth, then guideth;
3 - Who hath ordained laws. And granted guidance;