[الطارق : 9] يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
9 - (يوم تبلى) تختبر وتكشف (السرائر) ضمائر القلوب في العقائد والنيات
وعني بقوله : " يوم تبلى السرائر " يوم تختبر سرائر العباد ، فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً عن أعين العباد ، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها ، وكلفه العمل بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، في قوله " يوم تبلى السرائر " قال : ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة ، وهو السرائر ، ولو شاء أن يقول قد صممت وليس بصائم ، وقد صليت ولم يصل ، وقد اغتسلت ولم يغتسل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " يوم تبلى السرائر " إن هذه السرائر مختبرة ، فأسروا خيراً وأعلنوه إن استطعتم ، ولا قوة إلا بالله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " يوم تبلى السرائر " قال : تختبر .
قوله تعالى:" يوم تبلى السرائر". قال الماوردي: ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة، لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرجعة.
قوله تعالى:" يوم تبلى السرائر"
فيه مسألتان:
الأولى: العامل في ((يوم)) - في قول من جعل المعنى إنه على بعث الإنسان - قوله: ((لقادر))، ولا يعمل فيه((رجعة))لما فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر ((إن)) وعلى الأقوال الأخر التي في ((إنه على رجعه لقادر))، يكون العامل في ((يوم)) فعل مضمر، ولا يعمل فيه((لقادر))، لأن المراد في الدنيا. " تبلى " أي تمتحن وتختبر، وقال أبو الغول الطهوي:
ولا تبلى بسالتهم وإن هم صلوا بالحرب حيناً بعد حين
ويروى ((تبلى بسالتهم)). فمن رواه ((تبلى)) - بضم التاء-جعله من الاختبار ،وتكون البساله علىهذه الروايه الكراهة ،كانه قال:لايعرف لهم فيها كراهة . و((تبلى))تعرف .قال الراجز:
قد كنت قبل اليوم تزدريني فاليوم أبلوك وتتليني
أي أعرفك وتعرفني. ومن رواه ((تبلى))- بفتح التاء- فالمعنى: أنهم لا يضعفون عن الحرب وإن تكررت عليهم زماناً بعد زمان. وذلك أن الأمور الشداد إذا تكررت على الإنسان هدته وأضعفته. وقيل: ((تبلى السرائر)): أي تخرج مخبآتها وتظهر، وهو كل ما كان استسره الإنسان من خير أو شر، وأضمره من إيمان أو كفر، كما قال الأحوص:
ستبلى لها في مضمر القلب والحشا سريرة ود يوم تبلى السرائر
الثانية: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((ائتمن الله تعالى خلقه على أربع: علىالصلاة، والصوم، والزكاة والغسل، وهي السرائر التي يختبرها الله عز وجل يوم القيامة)). ذكره المهدوي. وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((ثلاث من حافظ عليها فهو ولي الله حقاً، ومن اختانهن فهو عدو الله حقاً: الصلاة، والصوم، والغسل من الجنابة)) ذكره الثعلبي. وذكر الماوردي عن زيد بن أسلم:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأمانة ثلاث: الصلاة، والصوم، والجنابة. استأمن الله عز وجل ابن آدم على الصلاة، فإن شاء قال صليت ولم يصل. استأمن الله عز وجل ابن آدم على الصوم، فإن شاء قال صمت ولم يصم. استأمن الله عز وجل ابن آدم على الجنابة، فإن شاء قال اغتسلت ولم يغتسل، اقرؤوا إن شئتم " يوم تبلى السرائر " " وذكره الثعلبي عن عطاء . وقال مالك في رواية أشهب عنه، وسألته عن قوله تعالى: " يوم تبلى السرائر": أبلغك أن الوضوء من السرائر؟ قال: قد بلغني ذلك فيما يقول الناس، فأما حديث أحدث به فلا. والصلاة من السرائر، والصيام من السرائر، إن شاء قال صليت ولم يصل. ومن السرائر ما في القلوب، يجزي الله به العباد. قال ابن العربي : ((قال ابن مسعود: يغفر للشهيد إلا الأمانة، والوضوء من الأمانة، والصلاة والزكاة من الأمانة، والوديعة من الأمانة، وأشد ذلك الوديعة، تمثل له على هيئتها يوم أخذها، فيرمى بها في قعر جهنم، فيقال له: أخرجها، فيتعبها فيجعلها في عنقه، فإذا رجا أن يخرج بها زلت منه، فيتبعها، فهو كذلك دهر الداهرين. وقال أبي بن كعب: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها. قال أشهب: قال لي سفيان: في الحيضة والحمل، إن قالت لم أحض وأنا حامل صدقت، ما لم تأت بما يعرف فيه أنها كاذبة. وفي الحديث: ((غسل الجنابة من الأمانة)). وقال ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سر خفي، فيكون زيناً في الوجوه، وشيئاً في الوجوه. والله عالم بكل شيء، ولكن يظهر علامات الملائكة والمؤمنين.
يقسم تبارك وتعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ولهذا قال تعالى: " والسماء والطارق " ثم قال: "وما أدراك ما الطارق" ثم فسره بقوله: "النجم الثاقب" قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار, ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً أي يأتيهم فجأة بالليل, وفي الحديث الاخر المشتمل على الدعاء "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن". وقوله تعالى: "الثاقب" قال ابن عباس : المضيء وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها, وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان.
وقوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" أي كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الافات كما قال تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله". وقوله تعالى: " فلينظر الإنسان مم خلق " تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد, لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وقوله تعالى: "خلق من ماء دافق" يعني المني يخرج دفقاً من الرجل والمرأة, فيتولد منهما الولد, بإذن الله عز وجل, ولهذا قال: "يخرج من بين الصلب والترائب" يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب " صلب الرجل وترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن مسعر , سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هذه الترائب, ووضع يده على صدره.
وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس : تريبة المرأة موضع القلاده, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الترائب بين ثدييها, وعن مجاهد : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر, وعنه أيضاً: الترائب أسفل من التراقي, وقال سفيان الثوري : فوق الثديين, وعن سعيد بن جبير : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل وعن الضحاك : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين, وقال الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة المدني أنه بلغه في قول الله عز وجل: "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هو عصارة القلب من هناك يكون الولد, وعن قتادة "يخرج من بين الصلب والترائب" من بين صلبه ونحره.
وقوله تعالى: "إنه على رجعه لقادر" فيه قولان (أحدهما) على رجع هذا الماء الدافق, إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. (والقول الثاني) إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الاخرة لقادر لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير ولهذا قال تعالى: "يوم تبلى السرائر" أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً, وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال هذه غدرة فلان بن فلان" وقوله تعالى: "فما له" أي الإنسان يوم القيامة "من قوة" أي في نفسه "ولا ناصر" أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك.
9- "يوم تبلى السرائر" العامل في الظرف على التفسير الأول، هو رجعه، وقيل لقادر. واعترض عليه بأنه يلزم تخصيص القدرة بهذا اليوم، وقيل العامل فيه مقدر: أي يرجعه يوم تبلى السرائر، وقيل العامل فيه مقدر، وهو اذكر، فيكون مفعولاً به، وأما على قول من قال: إن المراد رجع الماء، فالعامل في الظرف مقدر، وهو اذكر، ومعنى تبلى السرائر: تختبر وتعرف، ومنه قول الراجز:
قد كنت قبل اليوم تزدريني فاليوم أبلوك وتبتليني
أي أختبرك وتختبرني، وأمتحنك وتمتحنني، والسرائر: ما يسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها، والمراد هنا عرض الأعمال ونشر الصحف، فعند ذلك يتميز الحسن منها عن القبيح، والغث من السمين.
وهذا أولى الأقاويل لقوله:
9- "يوم تبلى السرائر" وذلك يوم القيامة تبلى السرائر، تظهر الخفايا قال قتادة ومقاتل: تختبر الأعمال، قال عطاء بن أبي رباح: السرائر فرائض الأعمال، كالصوم والصلاة والوضوء والاغتسال من الجنابة، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، فلو شاء العبد لقال: صمت / ولم يصم، وصليت ولم يصل، واغتسلت ولم يغتسل، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها.
قال ابن عمر: بيدي الله عز وجل يوم القيامة كل سر، فيكون زيناً في وجوه وشيناً في وجوه، يعني: من أداها كان وجهه مشرقاً، ومن ضيعها كان وجهه أغبر.
9-" يوم تبلى السرائر " تتعرف ويميز بين ما طاب من الضمائر وما خفي من الإعمال وما خبث منها، وهو ظرف لـ" رجعه " .
9. On the day when hidden thoughts shall be searched out.
9 - The Day that (all) things secret will be tested,