[البروج : 13] إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ
13 - (إنه هو يبديء) الخلق (ويعيد) فلا يعجزه ما يريد
اختلف أهل التأويل في معنى قوله " إنه هو يبدئ ويعيد " فقال بعضهم : معنى ذلك : إن الله أبدى خلقه ، فهو يبتدئ ، بمعنى : يحدث خلقه ابتداءً ثم يميتهم ، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم ، كهيئتهم قبل مماتهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يبدئ ويعيد " يعني : الخلق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يبدئ ويعيد " قال : يبدئ الخلق حين خلقه ، ويعيده يوم القيامة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه هو يبدئ العذاب ويعيده .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " إنه هو يبدئ ويعيد " قال : يبدئ العذاب ويعيده .
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، وأشبههما بظاهر ما دل عليه التنزيل : القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، وهو أنه يبدئ العذاب لأهل الكفر به ويعيد ، كما قال جل ثناؤه " فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " [ البروج : 10 ] في الدنيا ، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا ، وهو يعيده لهم في الآخرة .
وإنما قلت : هذا أولى التأويلين بالصواب ، لأن الله أتبع ذلك قوله " إن بطش ربك لشديد " فكان للبيان عن معنى شدة بطشه الذي قد ذكره قبله ، أشبه به بالبيان عما لم يجر له ذكر ، ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحاً ، قوله " وهو الغفور الودود " فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكره خبره عن عذابه وشدة عقابه .
قوله تعالى:" إنه هو يبدئ ويعيد" يعني الخلق- عن أكثر العلماء- يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم عند البعث. وروى عكرمة قال: عجب الكفار من أحياء الله جل ثناؤه الأموات، وقال ابن عباس: يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة. وهذا اختيار الطبري:
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أن "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم, ولهذا قال: "ذلك الفوز الكبير" ثم قال تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إن بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره لشديد عظيم قوي, فإنه تعالى ذو القوة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب, ولهذا قال تعالى: " إنه هو يبدئ ويعيد " أي من قوته وقدرته التامة يبدىء الخلق ويعيده كما بدأه بلا ممانع ولا مدافع "وهو الغفور الودود" أي يغفر ذنب من تاب إليه وخضع لديه ولو كان الذنب من أي شيء كان, والودود قال ابن عباس وغيره: هو الحبيب "ذو العرش" أي صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق, والمجيد فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل, والجر على أنه صفة للعرش وكلاهما معنى صحيح "فعال لما يريد" أي مهما أراد فعله لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله كما روينا عن أبي بكر الصديق أنه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إليك الطبيب ؟ قال: نعم. قالوا فما قال لك ؟ قال: قال لي إني فعال لما أريد.
وقوله تعالى: "هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود" أي هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس وأنزل عليهم من النقمة التي لم يردها عنهم أحد ؟ وهذا تقرير لقوله تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إذا أخذ الظالم أخذه أخذاً أليماً شديداً أخذ عزيز مقتدر قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ "هل أتاك حديث الجنود" فقام يستمع فقال: "نعم قد جاءني" وقوله تعالى: "بل الذين كفروا في تكذيب" أي هم في شك وريب وكفر وعناد "والله من ورائهم محيط" أي هو قادر عليهم قاهر لا يفوتونه ولا يعجزونه "بل هو قرآن مجيد" أي عظيم كريم "في لوح محفوظ" أي هو في الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل.
قال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي , حدثنا قرة بن سليمان , حدثنا حرب بن سريج , حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك في قوله تعالى: " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله "بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ" في جبهة إسرافيل. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو صالح , حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الأعبس هو عبد الرحمن بن سلمان قال: ما من شيء قضى الله: القرآن, فما قبله وما بعده إلا وهو في اللوح المحفوظ, واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل لا يؤذن له بالنظر فيه, وقال الحسن البصري : إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه, وقد روى البغوي من طريق إسحاق بن بشر : أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن في صدر اللوح لا إله إلا الله و حده, دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله, فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة, قال: واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض, وعرضه ما بين المشرق والمغرب, وحافتاه من الدر والياقوت, ودفتاه ياقوتة حمراء, وقلمه نور, وكلامه معقود بالعرش, وأصله في حجر ملك.
وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش, وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , حدثنا منجاب بن الحارث , حدثنا إبراهيم بن يوسف , حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء, قلمه نور وكتابه نور, لله فيه في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة, يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء" آخر تفسير سورة البروج, ولله الحمد والمنة.
13- "إنه هو يبدئ ويعيد" أي يخلق أولا في الدنيا ويعيدهم أحياء بعد الموت. كذا قال الجمهور، وقيل يبدئ للكفار عذاب الحريق في الدنيا ثم يعيده لهم في الآخرة، واختار هذا ابن جرير، والأول أول.
13- "إنه هو يبدئ ويعيد"، أي يخلقهم أولاً في الدنيا ثم يعيدهم أحياءً بعد الموت.
13-" إنه هو يبدئ ويعيد " " يبدئ " الخلق ويعيده ، أو " يبدئ " البطش بالكفرة في الدنيا ويعيده في الآخرة .
13. Lo! He it is Who produceth, then reproduceth,
13 - It is He Who creates form the very beginning, and He can restore (life).