[الانشقاق : 17] وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ
17 - (والليل وما وسق) جمع ما دخل عليه من الدواب وغيرها
وقوله : " والليل وما وسق " يقول : والليل وما جمع ، مما سكن وهذا فيه من ذي روح كان يطير ، أو يدب نهاراً ، يقال منه : وسقته أسقه وسقاً ، ومنه : طعام موسوق ، وهو المجموع في غرائر أو وعاء ، ومنه الوسق ، وهو الطعام المجتمع الكثير مما يكال أو يوزن ، يقال : هو ستون صاعاً ، وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وما وسق " يقول : وما جمع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في هذه الآية " والليل وما وسق " قال : وما جمع ، وقال ابن عباس :
مستوسقات لو يجدن سائقا
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن عن قوله " والليل وما وسق " قال : وما جمع .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " والليل وما وسق " قال : وما جمع يقول : ما آوى فيه من دابة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " والليل وما وسق " : وما لف .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " والليل وما وسق " قال : وما أظلم عليه ، وما أدخل فيه ، وقال ابن عباس :
مستوسقات لو يجدن حاديا
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " والليل وما وسق " يقول : وما جمع من نجم أو دابة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وما وسق " قال : وما جمع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " والليل وما وسق " قال : وما جمع ، مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله ، التي تأوي إليه ، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار ، ما جمع مما فيه ما يأوي إليه ، فهو مما جمع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد " والليل وما وسق " يقول : ما لف عليه .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " والليل وما وسق " قال : وما دخل فيه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير " والليل وما وسق " : وما جمع .
قال : ثنا وكيع ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس " وما وسق " : وما جمع ، ألم تسمع قول الشاعر :
مستوسقات لم يجدن سائقا
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله " والليل وما وسق " قال : ما حاز إذا جاء الليل .
وقال آخرون : معنى ذلك : وما وساق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي ، قال : ثنا علي بن الحسن ، قال : ثنا حسين ، قال : سمعت عكرمة وسئل " والليل وما وسق " قال : ما ساق من ظلمة ، فإذا كان الليل ، ذهب كل شيء إلى مأواه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسن ، عن عكرمة " والليل وما وسق " يقول : ما ساق من ظلمة ، إذا جاء الليل ساق كل شيء إلى مأواه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله " والليل وما وسق " قال : ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " والليل وما وسق " يعني : وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم ، ويقال : والليل وما جمع .
قوله تعالى:" والليل وما وسق" أي جمع وضم ولف،أصله من سورة السلطان وغضبه، فلولا أنه خرج إلى العباد من باب الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه، ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها، فسكن الخلق إليه ثم ابذعروا والتقوا وانقبضوا، ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا، وهو قوله تعالى:" ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه" [ القصص:73] أي بالليل " ولتبتغوا من فضله" [ القصص: 73] أي بالنهار على ما تقدم. فالليل يجمع ويضم ما كان منتشراً بالنهار في تصرفه. هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم، قال ضابئ بن الحارق البرجمي:
فإني وإياكم وشوقاً أليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
يقول : ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء، فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له، فقد وسقها. والوسق: ضمك الشيء بعضه إلى بعض، تقول : وسقته أسفه وسقاً. ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع: وسق، وهو ستون صاعاً. وطعام موسق: أي مجموع، وإبل مستوسقة أي مجتمعة، قال الزاجر:
إن لنا قلائصاً حقائقاً مستوسقات لو يجدن سائقاً
وقال عكرمة: ((وما وسق)) أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي، فالوسق بمعنى الطرد، ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر: وسيقه، قال الشاعر:
كما قاف آثار الوسيقة قائف
وعن ابن عباس: ((وما وسق)) أي وما جن وستر. وعنه أيضاً: وما حمل، وكل شيء حملته فقد وسقته، والعرب تقول: لا أفعله ما وسقت عيني الماء، أي حملته. ووسقت الناقة تسق وسقاً: أي حملت وأغلقت رحمها على الماء، فهي ناقة واسق، ونوق وساق مثل نائم ونيام، وصاحب وصحاب، قال بشر بن أبي خازم:
ألظ بهن يحدوهن حتى تبينت الحيال من الوساق
ومواسيق أيضاً. وأوسقت البعير: حملته حمله، وأوسقت النخلة: كثر حملها. وقال يمان والضحاك ومقاتل بن سليمان: حمل من الظلمة. قال مقاتل: أو حمل من الكواكب. القشيري: ومعنى حمل: ضم وجمع، والليل يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها. ويكون هذا القسم قسماً بجميع المخلوقات، لاشتمال الليل عليها، كقوله تعالى:" فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون" وقال ابن جبير :((وما وسق)) أي وما عمل فيه، يعني التهجد والاستغفار بالأسحار، قال الشاعر:
ويوماً ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب
أي كالعامل.
روي عن علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحمد بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبد الله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون أنهم قالوا: الشفق الحمرة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن ابن لبيبة عن أبي هريرة قال: الشفق البياض, فالشفق هو حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس كما قاله مجاهد وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة قال الخليل بن أحمد الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الاخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق وقال الجوهري : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة, وكذا قال عكرمة الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق" ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل . ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الاية: "فلا أقسم بالشفق" هو النهار كله وفي رواية عنه أيضاً أنه قال الشفق الشمس رواهما ابن أبي حاتم , وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى: "والليل وما وسق" أي جمع كأنه أقسم بالضياء والظلام وقال ابن جرير : أقسم الله بالنهار مدبراً وبالليل مقبلاً. وقال ابن جرير : وقال آخرون: الشفق اسم للحمرة والبياض وقالوا هو من الأضداد. قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة : "وما وسق" وما جمع, قال قتادة : وما جمع من نجم ودابة, واستشهد ابن عباس بقول الشاعر:
* مستوسقات لو يجدن سائقاً *
وقد قال عكرمة : "والليل وما وسق" يقول ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه, وقوله تعالى: "والقمر إذا اتسق" قال ابن عباس : إذا اجتمع واستوى, وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ومسروق وأبو صالح والضحاك وابن زيد "والقمر إذا اتسق" إذا استوى. وقال الحسن : إذا اجتمع إذا امتلأ, وقال قتادة إذا استدار ومعنى كلامهم أنه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلاً لليل وما وسق, وقوله تعالى: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال البخاري : أخبرنا سعيد بن النضر أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد قال: قال ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم, هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ. وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعاً على الفاعلية من قال, وهو الأظهر, والله أعلم كما قال أنس : لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول حالاً بعد حال, وهذا لفظه, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال. وكذا قال عكرمة ومرة الطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ويحتمل أن يكون المراد "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال, قال هذا يعني المراد بهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً على أن هذا, ونبيكم يكونان مبتدأ وخبراً والله أعلم, ولعل هذا قد يكون هو المتبادر إلى كثير من الرواة كما قال أبو داود الطيالسي وغندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى قراءة عمر وابن مسعود وابن عباس وعامة أهل مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن الشعبي "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء. وهكذا روي عن ابن مسعود ومسروق وأبي العالية "طبقاً عن طبق" سماء بعد سماء (قلت): يعنون ليلة الإسراء. وقال أبو إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس "طبقاً عن طبق" منزلاً على منزل, وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد ويقال أمراً بعد أمر وحالاً بعد حال, وقال السدي نفسه "لتركبن طبقاً عن طبق" أعمال من قبلكم منزلاً بعد منزل (قلت): كأنه أراد معنى الحديث الصحيح "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى قال فمن ؟ " وهذا محتمل.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا ابن جابر أنه سمع مكحولاً يقول في قول الله "لتركبن طبقاً عن طبق" قال في كل عشرين سنة تحدثون أمراً لم تكونوا عليه, وقال الأعمش حدثنا إبراهيم قال: قال عبد الله : "لتركبن طبقاً عن طبق". قال السماء تتشقق ثم تحمر ثم تكون لوناً بعد لون وقال الثوري عن قيس بن وهب عن مرة عن ابن مسعود : "لتركبن طبقاً عن طبق" قال السماء مرة كالدهان ومرة تنشق, وروى البزار من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود "لتركبن طبقاً عن طبق" يا محمد يعني حالاً بعد حال, ثم قال ورواه جابر عن مجاهد عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير "لتركبن طبقاً عن طبق" قال قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الاخرة, وآخرون كانوا أشرافاً في الدنيا فاتضعوا في الاخرة. وقال عكرمة "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال فطيماً بعد ما كان رضيعاً, وشيخاً بعد ما كان شاباً, وقال الحسن البصري "طبقاً عن طبق" يقول حالاً بعد حال, رخاء بعد شدة, وشدة بعد رخاء, وغنى بعد فقر, وفقراً بعد غنى, وصحة بعد سقم, وسقماً بعد صحة.
وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الله بن زاهر حدثني أبي عن عمرو بن شمر عن جابر هو الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابن آدم لفي غفلة مما خلق له إن الله تعالى إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه اكتب أجله اكتب أثره. اكتب شقياً أو سعيداً. ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله إليه ملكاً آخر فيحفظه حتى يدرك, ثم يرتفع ذلك الملك ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته, فإذا حضره الموت ارتفع ذانك الملكان وجاءه ملك الموت فقبض روحه, فإذا دخل قبره رد الروح في جسده ثم ارتفع ملك الموت وجاء ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان, فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتاباً معقوداً في عنقه ثم حضرا معه واحداً سائقاً وآخر شهيداً, ثم قال الله تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: "حالاً بعد حال" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن قدامكم لأمراً عظيماً لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم" هذا حديث منكر وإسناده فيه ضعفاء ولكن معناه صحيح, والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال ابن جرير بعد ما حكى أقوال الناس في هذه الاية من القراء والمفسرين: والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت يا محمد حالاً بعد حال وأمراً بعد أمر من الشدائد, والمراد بذلك وإن كان الخطاب موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأحواله أهوالاً, وقوله تعالى: " فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الاخر ومالهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاماً وإكراماً واحتراماً ؟ وقوله تعالى: "بل الذين كفروا يكذبون" أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق "والله أعلم بما يوعون" قال مجاهد وقتادة : يكتمون في صدورهم "فبشرهم بعذاب أليم" أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عز وجل قد أعد لهم عذاباً أليماً.
وقوله تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا أي بقلوبهم وعملوا الصالحات أي بجوارحهم "لهم أجر" أي في الدار الاخرة "غير ممنون" قال ابن عباس غير منقوص, وقال مجاهد والضحاك غير محسوب وحاصل قولهما أنه غير مقطوع كما قال تعالى: "عطاء غير مجذوذ" وقال السدي قال بعضهم غير ممنون غير منقوص, وقال بعضهم غير ممنون عليهم, وهذا القول الأخير عن بعضهم قد أنكره غير واحد, فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة, وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم فله عليهم المنة دائماً سرمداً والحمد لله وحده أبداً, ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس, وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. آخر تفسير سورة الانشقاق. و لله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
وقال مجاهد: الشفق النهار كله ألا تراه قال: 17- "والليل وما وسق" وقال عكرمة: هو ما بقي من النهار، وإنما قالا هذا لقوله بعده "والليل وما وسق" فكأنه تعالى أقسم [بالضياء] والظلام، ولا وجه لهذا، على أنه قد روي عن عكرمة أنه قال: الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء، وروي عن أسد بن عمر الرجوع "والليل وما وسق" الوسق عند أهل اللغة: ضم الشيء بعضه إلى بعض، يقال استوسقت الإبل: إذا اجتمعت وانضمت، والراعي يسقها: أي يجمعها. قال الواحدي: المفسرون يقولون: وما جمع وضم وحى ولف، والمعنى: أنه جمع وضم ما كان منتشراً بالنهار في تصرفه، وذلك أن الليل إذا أقبل آوى كل شيء إلى مأواه، ومنه قول ضابئ بن الحرث البرجمي:
فإني وإياكم وسوقاً إليكم كقابض شيئاً لم تنله أنامله
وقال عكرمة "وما وسق" أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي، فجعله من السوق لا من الجمع، وقيل "وما وسق" أي وما جن وستر، وقيل: وما وسق أي وما حمل، وكل شيء حملته فقد وسقته، والعرب تقول: لا أحمله ما وسقت عيني الماء: أي حملته، ووسقت الناقة تسق وسقاً: أي حملت. قال قتادة والضحاك ومقاتل بن سليمان: وما وسق وما حمل من الظلمة، أو حمل من الكواكب. قال القشيري: ومعنى حمل ضم وجمع، والليل يحمل بظلمته كل شيء. وقال سعيد بن جبير: وما وسق: أي وما عمل فيه من التهجد والاستغفار بالأسحار، والأول أولى.
17- "والليل وما وسق"، أي جمع وضم، يقال: وسقته أسقه وسقاً، أي: جمعته، واستوسقت الإبل: إذا اجتمعت وانضمت. والمعنى: والليل وما جمع وضم ما كان بالنهار منتشراً من الدواب، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه. روى منصور عن مجاهد قال: ما لف وأظلم عليه. وقال مقاتل بن حيان: أقبل من ظلمة أو كوكب. وقال سعيد بن جبير. وما عمل فيه.
17-" والليل وما وسق " وما جمعه وستره من الدواب وغيرها يقال : وسقه فاتسق واستوسق ، قال :
مستوسقات لو يجدن سائقا
أو طرده إلى أماكنه من الوسيقة .
17. And by the night and all that it enshroudeth,
17 - The Night and its Homing;