[المطففين : 11] الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ
11 - (الذين يكذبون بيوم الدين) الجزاء بدل أو بيان للمكذبين
قوله تعالى : " الذين يكذبون بيوم الدين " ، يقول : الذين يكذبون بيوم الحساب والمجازاة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " الذين يكذبون بيوم الدين " قال أهل الشرك يكذبون بالدين ، وقرأ " وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم " [ سبأ : 7 ] ... إلى آخر الآية .
ثم بين تعالى أمرهم فقال:" الذين يكذبون بيوم الدين" أي بيوم الحساب والجزاء والفصل بين العباد.
يقول تعالى حقاً "إن كتاب الفجار لفي سجين" أي أن مصيرهم ومأواهم لفي سجين فعيل من السجن وهو الضيق, كما يقال: فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك, ولهذا عظم أمره فقال تعالى: " وما أدراك ما سجين " أي هو أمر عظيم وسجن مقيم وعذاب أليم, ثم قد قال قائلون: هي تحت الأرض السابعة, وقد تقدم في حديث البراء بن عازب في حديثه الطويل: يقول الله عز وجل في روح الكافر اكتبوا كتابه في سجين. وسجين هي تحت الأرض السابعة, وقيل: صخرة تحت الأرض السابعة خضراء, وقيل بئر في جهنم, وقد ورى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً منكراً لا يصح فقال: حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي , حدثنا مسعود بن موسى بن مسكان الواسطي , حدثنا نصر بن خزيمة الواسطي عن شعيب بن صفوان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفلق جب في جهنم مغطى وأما سجين فمفتوح" والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق, فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع, فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه, وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة, ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى: "ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقال ههنا: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين " وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى: "وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً".
وقوله تعالى: "كتاب مرقوم" ليس تفسيراً لقوله "وما أدراك ما سجين" وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين أي مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي ثم قال تعالى: "ويل يومئذ للمكذبين" أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين, وقد تقدم الكلام على قوله ويل بما أغنى عن إعادته وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال: ويل لفلان, وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له" ثم قال تعالى مفسراً للمكذبين الفجار الكفرة: "الذين يكذبون بيوم الدين" أي لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره, قال الله تعالى: "وما يكذب به إلا كل معتد أثيم" أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله إن حدث كذب, وإن وعد أخلف, وإن خاصم فجر.
وقوله تعالى: "إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين" أي إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به ظن السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل, كما قال تعالى: "وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ؟ قالوا أساطير الأولين" وقال تعالى: "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً" قال الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين, بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم, وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا, ولهذا قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
والرين يعتري قلوب الكافرين, والغيم للأبرار والغين للمقربين, وقد روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه, فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت, فذلك قول الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" " وقال الترمذي : حسن صحيح, ولفظ النسائي "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء, فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه, فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي قال الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " " .
وقال أحمد : حدثنا صفوان بن عيسى , أخبرنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه, فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه, وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"". وقال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت, وكذا قال مجاهد بن جبير وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" أي لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم, قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : وفي هذه الاية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الاية.
كما دل عليه منطوق قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الاخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنات الفاخرة. وقد قال ابن جرير : حدثنا أبو معمر المقري , حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية أو كلاماً هذا معناه, وقوله تعالى: "ثم إنهم لصالوا الجحيم" أي ثم هم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن من أهل النيران "ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون" أي يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتصغير والتحقير.
ثم بين سبحانه هؤلاء المكذبين فقال: 11- "الذين يكذبون بيوم الدين" والموصول صفة للمكذبين، أو بدل منه.
11- "الذين يكذبون بيوم الدين".
11-" الذين يكذبون بيوم الدين " صفة مخصصة أو موضحة أو ذامة .
11. Those who deny the Day of Judgment
11 - Those that deny the Day of Judgment.