[عبس : 2] أَن جَاءهُ الْأَعْمَى
2 - (أن جاءه الأعمى) عبد الله بن أم مكتوم فقطعه عما هو مشغول به ممن يرجو إسلامه من اشراف قريش الذين هو حريص على إسلامهم ولم يدر الأعمى أنه مشغول بذلك فناداه علمني مما علمك الله فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته فعوتب في ذلك بما نزل في هذه السورة فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه
قوله تعالى : " أن جاءه الأعمى " .
قوله تعالى:" أن جاءه" ((أن)) في موضع نصب لأنه مفعول له، المعنى لأن جاءه الأعمى، أي الذي لا يبصر بعينيه. فروى أهل التفسير أجمع أن قول قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عبد الله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية. "قال مالك: إن هشام بن عروة حدثه عن عروة، أنه قال: نزلت ((عبس وتولى)) في ابن أم مكتوم، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا محمد استدنني، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول:(( يا فلان، هل ترى بما أقول بأساً)) فيقول : لا والدمى ما أرى بما تقول بأساً، فأنزل الله ((عبس وتولى)) " . وتولى الترمذي مسنداً قال :" حدثنا سعيد بن يحي بن سعيد الأموي، حدثني أبي، قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت:
نزلت ((عبس وتولى)) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلىالله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر، ويقول: ((أترى بما أقول بأساً)) فيقول : لا ففي هذا نزلت "، قال : هذا حديث غريب.
الثانية - الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم. ويقال: عمرو بن أم مكتوم، واسم أم مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم، وعمرو هذا: هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها. وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين، يقال كان الوليد بن المغيرة. ابن العربي: قاله المالكية من عمائنا، وهو يكنى أبا عبد شمس. وقال قتادة: هو أمية بن خلف وعنه: أبي بن خلف. وقال مجاهد: كانوا ثلاثة عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبي بن خلف. كان عنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبدالمطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم. قال ابن العربي: أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه امية بن خلف والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين، ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة، ما حضر معهما ولا حضرا معه، وكان موتهما كافرين، أحدهما قبل الهجرة، والآخر ببدر، ولم يقصد قط أمية المدينة، ولاحضر عنده مفرداً، ولا مع أحد.
الثالثة - أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى، وقد قوي طعمه في إسلامهم، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم، فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وجعل يناديه ويكثر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بغيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء: إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد، فعبس وأعرض عنه، فنزلت الآية. قال الثوري: فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول:((مرحبا بمن عاتبني فيه ربي)). ويقول : ((هل من حاجة))؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما. قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع ومعه راية سوداء.
الرابعة - قال علماؤنا: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة، أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيراً أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعاً في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضاً نوعاً من المصلحة، وعلى هذا يخرج قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى" [ الأنفال:67] الآية. على ما تقدم . وقيل: إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل، ثقة بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان، كما قال: ((إني لأصل الرجل وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه)).
الخامسة - قال ابن زيد: إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وأعرض عنه، لأنه أشار إلى الذي يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أم مكتوم، وأبي إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه، فكان في هذا نوع جفاء منه.
ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم : (( عبس وتولى)) بلفظ الإخبار عن الغائب، تعظيماً له ولم يقل: عبست وتوليت.
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه, فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديماً, فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه, وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعاً ورغبة في هدايته. وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الاخر فأنزل الله تعالى: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى " أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه "أو يذكر فتنفعه الذكرى" أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم " أما من استغنى * فأنت له تصدى " أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي " وما عليك أن لا يزكى " أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة "وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى" أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له: "فأنت عنه تلهى" أي تتشاغل, ومن ههنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالإنذار أحداً, بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار, ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. قال الحافظ أيو يعلى في مسنده : حدثنا محمد بن مهدي , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: "عبس وتولى" جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه, فأنزل الله عز وجل "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
قال قتادة : أخبرني أنس بن مالك قال: رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم , وقال أبو يعلى وابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت "عبس وتولى" في ابن أم مكتوم الأعمى, " أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني, قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين, قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الاخر ويقول: أترى بما أقول بأساً ؟ فيقول: لا! ففي هذا أنزلت "عبس وتولى" " وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله, ثم قال: وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة . "قلت" كذلك هو في الموطأ.
ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس قوله: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب, وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم, فجعل عبد الله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن, وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله, فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه, وأقبل على الاخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى: "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى " " .
فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ ـ وإذا ذهب من عنده قال ـ هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله تعالى: " أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك أن لا يزكى " " فيه غربة ونكارة, وقد تكلم في إسناده, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي , حدثنا عبد الله بن صالح , حدثنا الليث , حدثني يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" وكان يؤذن مع بلال, قال سالم : وكان رجلاً ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن. وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم , والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو, والله أعلم.
وقوله تعالى: "كلا إنها تذكرة" أي هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم وقال قتادة والسدي "كلا إنها تذكرة" يعني القرآن "فمن شاء ذكره" أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: "في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة" أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن في صحف مكرمة أي معظمة موقرة "مرفوعة" أي عالية القدر "مطهرة" أي من الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى: "بأيدي سفرة" قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد : هي الملائكة. وقال وهب بن منبه : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , وقال قتادة : هم القراء. وقال ابن جريج عن ابن عباس : السفرة بالنبطية القراء, وقال ابن جرير : والصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه ومنه يقال السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قوم يوما أمشي بغش إن مشيت
وقال البخاري : سفرة: الملائكة, سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم. وقوله تعالى: "كرام بررة" أي خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة ومن ههنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد. قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة, والذي يقرؤه وهو عليه شاق, له أجران" أخرجه الجماعة من طريق قتادة به.
2- "أن جاءه الأعمى" مفعول لأجله: أي لأن جاءه الأعمى، والعامل فيه إما عبس أو تولى على الاختلاف بين البصريين والكوفيين في التنازع هل المختار إعمال الأول أو الثاني؟.
وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية: أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت، وسيأتي في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله.
2- "أن جاءه الأعمى"، أي: لأن جاءه الأعمى، وهو ابن أم مكتوم، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي، وذلك أنه "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأبي بن خلف، وأخاه أمية، يدعوهم إلى الله، يرجو إسلامهم، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء، ولا يدرى أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد: إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة، فعبس وجهه وأعرض عنه، وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فأنزل الله هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما، قال أنس بن مالك: فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء".
2-" أن جاءه الأعمى " روي : أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام ،فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت . فكان رسول الله صلى الله عليه وسم يكرمه ويقول إذا رآه : مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ، واستخلفه على المدينة مرتين . وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة و " أن جاءه " علة لـ" تولى " ، أو " عبس " على اختلاف المذهبين ، وقرئ آأن بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك ، وذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوم والدلالة على أنه حق بالرأفة والرفق ، أو لزيادة الإنكار كأنه قال : تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله :
2. Because the blind man came unto him.
2 - Because there came to him the blind man (interrupting).