[عبس : 1] عَبَسَ وَتَوَلَّى
1 - (عبس) النبي كلح وجهه (وتولى) أعرض لأجل
أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت أنزل عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الاخر فيقول له اترى بما اقول بأسا فيقول لا فنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى وأخرج أبو يعلي مثله عن أنس
يعني تعالى ذكره بقوله : " عبس " : قبض وجهه تكرهاً ، " وتولى " يقول : وأعرض " أن جاءه الأعمى " يقول : لأن جاءه الأعمى ، وقد ذكر عن بعض القراء أنه كان اطول الألف ويمدها من " أن جاءه " فيقول : ( آن جاءه ) ، وكأن معنى الكلام كان عنده : أأ، جاءه الأعمى عبس وتولى ؟ كما قرأ من قرأ " أن كان ذا مال وبنين " [ القلم : 14 ] بمد الألف من ( أن ) وقصرها .
وذكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية ، هو ابن أم مكتوم ، عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بسببه .
ذكر الأخبار الواردة بذلك :
"حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، مما عرضه عليه عروة ، عن عائشة قالت : أنزلت " عبس وتولى " في ابن أم مكتون ، قالت : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول ارشدني ! قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين ، قالت : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ، ويقول : أترى بم أقوله بأساً ؟ فيقول : لا ، ففي هذا أنزلت " عبس وتولى "" .
"حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدى لهم كثيراً ، ويحرص عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى ، يقال له عبد الله بن أم مكتوم ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه وتولى ، وكره كلامه ، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خفق برأسه ، ثم أنزل الله " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى " ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، وقال له : ما حاجتك ، هل تريد من شيء ؟ وإذا ذهب من عنده قال له : هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله " أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك أن لا يزكى "" .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : نزلت في ابن أم مكتوم " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " أن جاءه الأعمى " قال : رجل من بني فهر ، يقال له ابن أم مكتوم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " : عبد الله بن زائدة ، وهو ابن أم مكتوم ، وجاءه يستقرئه ، وهو يناجي أمية بن خلف ، رجل من علية قريش ، فأعرض عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " إلى قوله " فأنت عنه تلهى " ( ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرتين على المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء ، وعليه درع له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فانزل الله عليه " عبس وتولى " فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ، قال : أنس : فرأيته يوم القادسية عليه درع ، ومعه راية سوداء .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول في قوله " عبس وتولى " تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال ، ورجا أن يؤمن ، وجاء رجل من الأنصار أعمى ، يقال له عبد الله ابن أم مكتوم ، فجعل يسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فكرهه نبي الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه ، وأقبل على الغني ، فوعظ الله نبيه ، فأكرمه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلفه على المدينة مرتين ، في غزوتين غزاهما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله عز وجل : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى "قال : " جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يبصر ، وهو لا يبصر ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يكف ، وابن أم مكتوم يدفعه ولا يبصر ، قال : حتى عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك ، فقال : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى " ... إلى قوله " فأنت عنه تلهى " قال ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئاً ، كتم هذا عن نفسه قال : وكان يتصدى لهذا الشريف في جاهليته ، رجاء أن يسلم ، وكان عن هذا يتلهى " .
مكية في قول الجميع ، وهي إحدى وأربعون آية
فيه ست مسائل :
قوله تعالى:" عبس " أي كلح بوجهه، يقال: عبس وبسر. وقد تقدم. " وتولى" أي أعرض بوجهه.
تفسير سورة عبس
بسم الله الرحمـن الرحيم
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه, فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديماً, فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه, وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعاً ورغبة في هدايته. وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الاخر فأنزل الله تعالى: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى " أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه "أو يذكر فتنفعه الذكرى" أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم " أما من استغنى * فأنت له تصدى " أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي " وما عليك أن لا يزكى " أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة "وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى" أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له: "فأنت عنه تلهى" أي تتشاغل, ومن ههنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالإنذار أحداً, بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار, ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. قال الحافظ أيو يعلى في مسنده : حدثنا محمد بن مهدي , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: "عبس وتولى" جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه, فأنزل الله عز وجل "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
قال قتادة : أخبرني أنس بن مالك قال: رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم , وقال أبو يعلى وابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت "عبس وتولى" في ابن أم مكتوم الأعمى, " أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني, قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين, قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الاخر ويقول: أترى بما أقول بأساً ؟ فيقول: لا! ففي هذا أنزلت "عبس وتولى" " وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله, ثم قال: وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة . "قلت" كذلك هو في الموطأ.
ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس قوله: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب, وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم, فجعل عبد الله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن, وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله, فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه, وأقبل على الاخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى: "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى " " .
فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ ـ وإذا ذهب من عنده قال ـ هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله تعالى: " أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك أن لا يزكى " " فيه غربة ونكارة, وقد تكلم في إسناده, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي , حدثنا عبد الله بن صالح , حدثنا الليث , حدثني يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" وكان يؤذن مع بلال, قال سالم : وكان رجلاً ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن. وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم , والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو, والله أعلم.
وقوله تعالى: "كلا إنها تذكرة" أي هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم وقال قتادة والسدي "كلا إنها تذكرة" يعني القرآن "فمن شاء ذكره" أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: "في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة" أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن في صحف مكرمة أي معظمة موقرة "مرفوعة" أي عالية القدر "مطهرة" أي من الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى: "بأيدي سفرة" قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد : هي الملائكة. وقال وهب بن منبه : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , وقال قتادة : هم القراء. وقال ابن جريج عن ابن عباس : السفرة بالنبطية القراء, وقال ابن جرير : والصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه ومنه يقال السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قوم يوما أمشي بغش إن مشيت
وقال البخاري : سفرة: الملائكة, سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم. وقوله تعالى: "كرام بررة" أي خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة ومن ههنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد. قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة, والذي يقرؤه وهو عليه شاق, له أجران" أخرجه الجماعة من طريق قتادة به.
وتسمى سورة السفرة، وهي إحدى وأربعون، أو اثنان وأربعون آية
وهي مكية في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة عبس بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
قوله: 1- "عبس وتولى" أي كلح وجهه وأعرض. وقرئ عبس بالتشديد.
1- "عبس"، كلح، "وتولى"، أعرض بوجهه.
1-" عبس وتولى " .
Surah 80. Abasa
1. He frowned and turned away
SURA 80: 'ABASA
1 - (The Prophet) frowned and turned away,