[الأنفال : 59] وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ
59 - ونزل فيمن أفلت يوم بدر (ولا تحسبن) يا محمد (الذين كفروا سبقوا) الله أي فاتوه (إنهم لا يعجزون) لا يفوتونه ، وفي قراءة بالتحتانية فالمفعول الأول محذوف أي أنفسهم وفي أخرى بفتح إن على تقدير اللام
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: ((ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم))، بكسر الألف من ((أنهم))، وبالتاء في ((تحسبن))، بمعنى: ولا تحسبن، يا محمد، الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدىء الخبر عن قدرة الله عليهم فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربهم، إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم، بأنفسهم فيفوتوه بها.
وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة والكوفة: " ولا يحسبن الذين كفروا "، بالياء في " يحسبن " وكسر الألف من " إنهم ".
وهي قراءة غير حميدة، لمعنيين، أحدهما خروجها من قراءة القرأة وشذوذها عنها، والآخر: بعدها من فصيح كلام العرب. وذلك أن ((يحسب)) يطلب في كلام العرب منصوباً وخبره، كقوله:((عبد الله يحسب أخاك قائماً)) و((يقوم)) و((قام)). فقارىء هذه القراءة أصحب ((يحسب)) خبراً لغير مخبر عنه مذكور. وإنما كان مراده، ظني: ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزوننا، فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك، ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك، الاعتبار بقراءة عبد الله. وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله: ((ولا يحسبن الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون))، وهذا فصيح صحيح، إذا أدخلت ((أنهم)) في الكلام، لأن ((يحسبن)) عاملة في ((أنهم))، وإذا لم يكن في الكلام ((أنهم)) كانت خالية من اسم تعمل فيه.
وللذي قرأ ذلك من القرأة وجهان في كلام العرب، وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم:
أحدهما: أن يكون أريد به: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، أو أنهم سبقوا، ثم حذف ((أن)) و((أنهم))، كما قال جل ثناؤه: " ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا "، [الروم: 24]، بمعنى: أن يريكم، وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة:
أظن ابن طرثوث عتيبة ذاهباً بعاديتي تكذابه وجعائله
بمعنى: أظن ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابه وجعائله؟وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجه " سبقوا "، إلى ((سابقين))، على هذا المعنى.
والوجه الثاني على أنه أراد منصوب بـ((يحسب))، كأنه قال: ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقول، ثم حذف ((أنهم)) وأضمر.
وقد وجه بعضهم معنى قوله: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، [آل عمران: 175]: إنما ذلكم الشيطان يخوف المؤمن من أوليائه، وأن ذكر ((المؤمن)) مضمر في قوله: ((يخوف))، إذ كان الشيطان عنده لا يخوف أولياءه.
وقرأ ذلك بعض أهل الشأم: ((ولا تحسبن الذين كفروا)) بالتاء من ((تحسبن))، ((سبقوا أنهم لا يعجزون))، بفتح الألف من ((أنهم))، بمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون.
قال أبو جعفر: ولا وجه لهذه القراءة يعقل، إلا أن يكون أراد القارىء بـ " لا " التي في " يعجزون "، ((لا)) التي تدخل في الكلام حشواً وصلة، فيكون معنى الكلام حينئذ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون، ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى التطويل، بغير حجة يجب التسليم لها، وله في الصحة مخرج.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ: ((ولا تحسبن))، بالتاء ((الذين كفروا سبقوا إنهم))، بكسر الألف من ((إنهم))، ((لا يعجزون))، بمعنى: ولا تحسبن أنت، يا محمد، الذين جحدوا حجج الله وكذبوا بها، سبقونا بأنفسهم ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا، أي: يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منا، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون "، يقول: لا يفوتون.
قوله تعالى: "ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا" أي من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة. ثم استأنف فقال: "إنهم لا يعجزون" أي في الدنيا حتى يظفرك الله بهم. وقيل: يعني في الآخرة. وهو قول الحسن. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة يحسبن بالياء والباقون بالتاء، على أن يكون في الفعل ضمير الفاعل. والذين كفروا مفعول أول. وسبقوا مفعول ثان. وأما قراءة الياء فزعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن هذا لحن لا تحل القراءة به، ولا تسع لمن عرف الإعراب أو عرفه. قال أبو حاتم: لأنه لم يأت لـ يحسبن بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين. قال النحاس: وهذا تحامل شديد، والقراءة تجوز ويكون المعنى: ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا، فيكون الضمير يعود على ما تقدم، إلا أن القراءة بالتاء أبين. المهدوي: ومن قرأ بالياء احتمل أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون "الذين كفروا سبقوا" المفعولين. ويجوز أن يكون الذين كفروا فاعلاً، والمفعول الأول محذوف، المعنى: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا. مكي: ويجوز أن يضمر مع سبقوا أن، فيسد مسد المفعولين والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فهو مثل "أحسب الناس أن يتركوا" [العنكبوت:2] في سد أن مسد المفعولين. وقرأ ابن عامر أنهم لا يعجزون بفتح الهمزة. واستبعد هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد. قال أبو عبيد: وإنما يجوز على أن يكون المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون. قال النحاس: الذي ذكره أبو عبيد لا يجوز عند النحويين البصريين، لا يجوز حسبت زيداً أنه خارج، إلا بكسر الألف، وإنما لم يجز لأنه في موضع المبتدأ، كما تقول: حسبت زيداً أبوه خارج، ولو فتحت لصار المعنى حسبت زيداً خروجه. وهذا محال، وفيه أيضاً من البعد أنه لا وجه لما قاله يصح به معنى، إلا أن يجعل لا زائدة، ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله عز وجل إلى التطول بغير حجة يجب التسليم لها. والقراءة جيدة على أن يكون المعنى: لأنهم لا يعجزون. مكي: فالمعنى لا يحسبن الكفار أنفسهم فاتوا لأنهم لا يعجزون، أي لا يفوتون. فـأن في موضع نصب بحذف اللام، أو في موضع خفض على إعمال اللام لكثرة حذفها مع أن، وهو يروى عن الخليل والكسائي. وقرأ الباقون بكسر إن على الاستئناف والقطع مما قبله، وهو الاختيار، لما فيه من معنى التأكيد، ولأن الجماعة عليه. وروي عن ابن محيصن أنه قرأ لا يعجزون بالتشديد وكسر النون. النحاس: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما- أن معنى عجزه ضعفه وضعف أمره. والآخر- أنه كان يجب أن يكون بنونين. ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولا تحسبن" يا محمد "الذين كفروا سبقوا" أي فاتونا, فلا نقدر عليهم بل هم تحت قهر قدرتنا, وفي قبضة مشيئتنا, فلا يعجزوننا, كقوله تعالى: "أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون" أي يظنون, وقوله تعالى: " لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير " وقوله تعالى: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " ثم أمر تعالى, بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة, فقال: "وأعدوا لهم ما استطعتم" أي مهما أمكنكم "من قوة ومن رباط الخيل" قال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, حدثنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث, عن أبي علي ثمامة بن شفي, أخي عقبة بن عامر, أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم, عن هارون بن معروف, وأبو داود عن سعيد بن منصور, وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى, ثلاثتهم عن عبد الله بن وهب به. ولهذا الحديث طرق أخر, عن عقبة بن عامر, منها ما رواه الترمذي من حديث صالح بن كيسان, عن رجل عنه, وروى الإمام أحمد وأهل السنن عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا".
وقال الإمام مالك عن زيد بن أسلم, عن أبي صالح السمان, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل لثلاثة, لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر, فأما الذي له أجر, فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة, فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة, كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها, فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له, ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به, كان ذلك حسنات له, فهي لذلك الرجل أجر, ورجل ربطها تغنياً وتعففاً, ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر, ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء, فهي على ذلك وزر" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر, فقال "ما أنزل الله علي فيها شيئاً إلا هذه الاية الجامعة الفاذة " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " رواه البخاري وهذا لفظه, ومسلم كلاهما من حديث مالك, وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, أخبرنا شريك, عن الركين بن الربيع, عن القاسم بن حسان, عن عبد الله بن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن, وفرس للشيطان, وفرس للإنسان, فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله, فعلفه وروثه وبوله ـ وذكر ما شاء الله ـ وأما فرس الشيطان, فالذي يقامر أو يراهن عليها, وأما فرس الإنسان, فالفرس يربطها الإنسان يلتمس بطنها, فهي له ستر من الفقر" وقد ذهب أكثر العلماء, إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل, وذهب الإمام مالك, إلى أن الركوب أفضل من الرمي, وقول الجمهور أقوى للحديث, والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج وهشام, قالا: حدثنا ليث, حدثني يزيد بن أبي حبيب, عن ابن شماسة, أن معاوية بن خديج, مر على أبي ذر وهو قائم عند فرس له, فسأله ما تعاني من فرسك هذا ؟ فقال: إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته, قال: وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال: والذي نفسي بيده, ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر, فيقول: اللهم أنت خولتني عبداً من عبادك, وجعلت رزقي بيده, فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده. قال: وحدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الحميد بن أبي جعفر, حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس, عن معاوية بن خديج عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر, يدعو بدعوتين: يقول: اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم, فاجعلني من أحب أهله وماله إليه ـ أو ـ أحب أهله وماله إليه", رواه النسائي, عن عمرو بن علي الفلاس, عن يحيى القطان به. وقال أبوالقاسم الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا يحيى بن حمزة, حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني, عن الحسن بن أبي الحسن, أنه قال لابن الحنظلية يعني سهلاً: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة, وأهلها معانون عليها, ومن ربط فرساً في سبيل الله, كانت النفقة عليه كالماد يده بالصدقة لا يقبضها", والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة. وفي صحيح البخاري, عن عروة بن أبي الجعد البارقي, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة, الأجر والمغنم" وقوله: "ترهبون" أي تخوفون "به عدو الله وعدوكم" أي من الكفار "وآخرين من دونهم" قال مجاهد يعني بني قريظة, وقال السدي: فارس, وقال سفيان الثوري: قال ابن يمان: هم الشياطين التي في الدور, وقد ورد حديث بمثل ذلك.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي, حدثنا أبو حيوة يعني شريح بن يزيد المقري, حدثنا سعيد بن سنان, عن ابن غريب, يعني يزيد بن عبد الله بن غريب, عن أبيه عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في قول الله تعالى: "وآخرين من دونهم لا تعلمونهم" قال هم الجن, ورواه الطبراني عن إبراهيم بن دحيم, عن أبيه عن محمد بن شعيب عن سنان بن سعيد بن سنان, عن يزيد بن عبد الله بن غريب به, وزاد, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخبل بيت فيه عتيق من الخيل", وهذا الحديث منكر لا يصح إسناده ولا متنه, وقال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المنافقون, وهذا أشبه الأقوال, ويشهد له قوله تعالى: "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" وقوله "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" أي مهما أنفقتم في الجهاد, فإنه يوفى إليكم على التمام والكمال, ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف, كما تقدم في قوله تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي, حدثنا أبي عن أبيه, حدثنا الأشعث بن إسحاق, عن جعفر عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه كان يأمر أن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام, حتى نزلت "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم" فأمر بالصدقة بعدها, على كل من سألك من كل دين, وهذا أيضاً غريب .
قوله: 59- "ولا تحسبن" قرأ ابن عامر ويزيد وحفص بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالمثناة من فوق. فعلى القراءة الأولى يكون الذين كفروا فاعل الحسبان، ويكون مفعوله الأول محذوفاً: أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم، ومفعوله الثاني سبقوا ومعناه: فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم. وعلى القراءة الثانية يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفعوله الأول الذين كفروا، والثاني سبقوا، وقرئ " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " وقرئ يحسبن بكسر الياء، وجملة "إنهم لا يعجزون" تعليل لما قبلها، أي إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم. وقرأ ابن عامر أنهم بفتح الهمزة، والباقون بكسرها، وكلا القراءتين مفيدة لكون الجملة تعليلية، وقيل: المراد بهذه الآية من أفلت من وقعة بدر من المشركين. والمعنى: أنهم وإن أفلتوا من هذه الوقعة ونجوا فإنهم لا يعجزون، بل هم واقعون في عذاب الله في الدنيا أو في الآخرة. وقد زعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن قراءة من قرأ يحسبن بالتحتية لحن، لا تحل القراءة بها لأنه لم يأت ليحسبن بمفعول، وهو يحتاج إلى مفعولين. قال النحاس: وهذا تحامل شديد، ومعنى هذه القراءة: ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا، فيكون الضمير يعود على ما قتدم إلا أن القراءة بالتاء أبين. وقال المهدوي: يجوز على هذه القراءة أن يكون الذين كفروا فاعلاً، والمفعول الأول محذوف. والمعنى: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا. قال مكي: ويجوز أن يضمر مع سبقوا أن فتسد مسد المفعولين، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فهو مثل "أحسب الناس أن يتركوا" في سد أن مسد المفعولين.
59 - قوله عز وجل : " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا " ، قرأ أبو جعفر و ابن عامر و حمزة و حفص ( يحسبن ) بالياء ، وقرأ آخرون بالتاء ، ( سبقوا ) أي : فاتوا ،نزلت في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين . فمن قرأ بالياء يقول ( لا يحسبن الذين كفروا ) أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ، قرأ ابن عامر : " إنهم لا يعجزون " . بفتح الألف ، أي : لأنهم لا يعجزون ، ولا يفوتونني . وقرأ الآخرون بكسر الألف على الابتداء .
59. " ولا تحسبن " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : " الذين كفروا سبقوا " مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو " من خلفهم " ، أو " الذين كفروا " والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار ، أو على تقدير أن " سبقوا " وهو ضعيف لأن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على إيقاع الفعل على " إنهم لا يعجزون " بالفتح على قراءة ابن عامر وأن " لا" صلة "سبقوا " حال بمعنى سابقين أي مفلتين ، والأظهر أنه تعليل للنهي أي : لا تحسبهم سبقوا ففلتوا لأنهم لا يفوتون الله ، او لا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم وكذا إن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ، ولعل الآية إزاحة لما يحذر بممن نبذ العهد وإيقاظ العدو ، وقيل نزلت فيمن أفلت من فل المشركين .
59. And let not those who disbelieve suppose that they can outstrip (Allah's purpose). Lo! they cannot escape.
59 - Let not the unbelievers think that they can get the better (of the godly): they will never frustrate (them).