[الأنفال : 51] ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
51 - (ذلك) التعذيب (بما قدمت أيديكم) عبر بها دون غيرها لأن أكثر الأفعال تزاول بها (وأن الله ليس بظلام) أي بذي ظلم (للعبيد) فيعذبهم بغير ذنب
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر، أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: ((ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم))، هذا العذاب لكم، " بما قدمت أيديكم "، أي: بما كسبت أيديكم من الآثام والأوزار، واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم، فذوقوا اليوم العذاب، وفي معادكم عذاب الحريق، وذلك لكم بأن الله " ليس بظلام للعبيد "، لا يعاقب أحداً من خلقه إلا بجرم اجترمه، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه، لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه.
وفي فتح ((أن)) من قوله: " وأن الله "، وجهان من الإعراب:
أحدهما: النصب، وهو للعطف على ((ما)) التي في قوله: " بما قدمت "، بمعنى: " ذلك بما قدمت أيديكم "، وبأن الله ليس بظلام للعبيد، في قول بعضهم، والخفض، في قول بعض.
والآخر: الرفع، على " ذلك بما قدمت "، وذلك أن الله.
"ذلك" في موضع رفع، أي الأمر ذلك. أو ذلكجزاؤكم. "بما قدمت أيديكم" أي اكتسبتم من الآثام. "وأن الله ليس بظلام للعبيد" إذ قد أوضح السبيل وبعث الرسل، فلم خالفتم؟. وأن في موضع خفض عطف على ما وإن شئت نصبت، بمعنى وبأن، وحذفت الباء، أو بمعنى: وذلك أن الله. ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقاً على ذلك.
يقول تعالى: ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار, لرأيت أمراً عظيماً هائلاً فظيعاً منكراً, إذ "يضربون وجوههم وأدبارهم" ويقولون لهم "وذوقوا عذاب الحريق", قال ابن جريج: عن مجاهد "أدبارهم" أستاههم, قال يوم بدر. قال ابن جريج: قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين, ضربوا وجوههم بالسيوف, وإذا ولوا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم. وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد, في قوله "إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" يوم بدر, وقال وكيع: عن سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير عن مجاهد, وعن شعبة عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, يضربون وجوههم وأدبارهم قال وأستاههم, ولكن الله يكنى, وكذا قال عمر مولى عفرة. وعن الحسن البصري قال: قال رجل يا رسول الله: إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك, قال "ذاك ضرب الملائكة" رواه ابن جرير وهو مرسل, وهذا السياق وإن كان سببه وقعة بدر, ولكنه عام في حق كل كافر, ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر, بل قال تعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" وفي سورة القتال مثلها, وتقدم في سورة الأنعام قوله تعالى: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم " أي باسطو أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم, إذ استصعبت أنفسهم, وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهراً, وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله, كما في حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة, يقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم, فتتفرق في بدنه فيستخرجونها من جسده, كما يخرج السفود من الصوف المبلول, فتخرج معها العروق والعصب, ولهذا أخبر تعالى: أن الملائكة تقول لهم ذوقوا عذاب الحريق, وقوله تعالى: "ذلك بما قدمت أيديكم" أي هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة في حياتكم الدنيا, جازاكم الله بها هذا الجزاء "وأن الله ليس بظلام للعبيد" أي لا يظلم أحداً من خلقه, بل هو الحكم العدل الذي لا يجور تبارك وتعالى, وتقدس وتنزه الغني الحميد, ولهذا جاء في الحديث الصحيح, عند مسلم رحمه الله, من رواية أبي ذر رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, إن الله تعالى يقول "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا, يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" ولهذا قال تعالى .
والإشارة بقوله: 51- "ذلك" إلى ما تقدم من الضرب والعذاب والباء في "بما قدمت أيديكم" سببية: أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من المعاصي واقترفتم من الذنوب، وجملة "وأن الله ليس بظلام للعبيد" في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي والأمر أنه لا يظلمهم، ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة الواقعة خبراً لقوله: "ذلك" وهي "بما قدمت أيديكم" أي ذلك العذاب بسبب المعاصي، وبسبب "أن الله ليس بظلام للعبيد" لأنه سبحانه قد أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأوضح لهم السبيل، وهداهم النجدين كما قال سبحانه: "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".
51 - " ذلك " ، أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم ،" بما قدمت أيديكم " ، أي : بما كسبت أيديكم ،" وأن الله ليس بظلام للعبيد " .
51. " ذلك " الضرب والعذاب " بما قدمت أيديكم " بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي وهو خبر لذلك . " وأن الله ليس بظلام للعبيد " عطف على ما ) للدلالة على أن سببيته بانضمامه إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم . فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعاً ولا عقلاً حتى ينتهض نفي الظلم سبباً للتعذيب وظلام التكثير لأجل العبيد.
51. This is for that which your own hands have sent before (to the Judgment), and (know) that Allah is not a tyrant to His slaves.
51 - Because of (the deeds) which your (own) hands sent forth: for God is never unjust to his servants: