[الأنفال : 5] كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
5 - (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) متعلقٌ بأخرج (وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون) الخروج والجملة حالٌ من كافِ أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيراً لهم فكذلك أيضاً وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى
ك قوله تعالى كما أخرجك الآية أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فسرنا يوما أو يومين فقال ماترون فيهم فقلنا يا رسول الله ما لنا من طاقة بقتال القوم إنما أخرجنا للعير فقال المقداد لا تقولوا كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون فأنزل الله كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون واخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الجالب لهذه ((الكاف)) التي في قوله: " كما أخرجك "، وما الذي شبه بإخراج الله نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق.
فقال بعضهم: شبه به في الصلاح للمؤمنين، اتقاؤهم ربهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم الله ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول الله: وأصلحوا ذات بينكم، فإن ذلك خير لكم، كما أخرج الله محمداً صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق، فكان خيراً له.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "،" كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، الآية، أي: إن هذا خير لكم، كما كان إخراجك من بيتك بالحق خيراً لك.
وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربك، يا محمد، من بيتك بالحق على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم يكرهون القتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، قال: كذلك يجادلونك في الحق.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، كذلك يجادلونك في الحق، القتال.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، قال: كذلك أخرجك ربك.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أنزل الله في خروجه - يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، ومجادلتهم إياه فقال: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون "، لطلب المشركين، " يجادلونك في الحق بعد ما تبين "،
واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي الكوفيين: ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي لأمره في الغنائم، على كره من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون.
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفال مجادلةً، كما جادلوك يوم بدر فقالوا: ((أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له)).
وقال بعض نحويي البصرة: يجوز أن يكون هذا ((الكاف)) في " كما أخرجك "، على قوله: " أولئك هم المؤمنون حقا "، " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ". وقال: ((الكاف)) بمعنى ((على)).
وقال آخر منهم: هي بمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والذي أخرجك ربك.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال في ذلك بقول مجاهد ، وقال: معناه: كما أخرجك ربك بالحق على كره من فريق من المؤمنين، كذلك يجادلونك في الحق بعد ما تبين، لأن كلا الأمرين قد كان، أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارهاً، وجدالهم في لقاء العدو وعند دنو القوم بعضهم من بعض، فتشبيه بعض ذلك ببعض، مع قرب أحدهما من الآخر، أولى تشبيهه بما بعد عنه.
وقال مجاهد في ((الحق)) الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تبينوه: هو القتال.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " يجادلونك في الحق "، قال: القتال.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
وأما قوله: " من بيتك "، فإن بعضهم قال: معناه: من المدينة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن أبن أبي بزة: " كما أخرجك ربك من بيتك "، المدينة، إلى بدر.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر في قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، قال: من المدينة إلى بدر.
وأما قوله: " وإن فريقا من المؤمنين لكارهون "، فإن كراهتهم كانت، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس، قالوا: " لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشأم، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله أن ينفلكموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً ".
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السيد : " وإن فريقا من المؤمنين لكارهون "، لطلب المشركين.
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين ".
فقال بعضهم: عني بذلك أهل الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا معه حين توجه إلى بدر للقاء المشركين.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء القوم، وقال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر، أمر الناس فتعبوا للقتال، وأمرهم بالشوكة، وكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل الله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ".
حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال: ثم ذكر القوم - يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين عرف القوم أن قريشاً قد سارت إليهم، وأنهم إنما خرجوا يريدون العير طمعاً في الغنيمة، فقال: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، إلى قوله: " لكارهون "، أي كراهيةً للقاء القوم، وإنكاراً لمسير قريش حين ذكروا لهم.
قوله تعالى: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" قال الزجاج: الكاف في موضع نصب، أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. أي مثل إخراجك ربك من بيتك بالحق. والمعنى: امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا، لأن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئاً قال: يبقى أكثر الناس بغير شيء. فموضع الكاف في كما نصب كما ذكرنا. وقاله الفراء أيضاً. وقال أبو عبيدة: هو قسم، أي والذي أخرجك، فالكاف بمعنى الواو، وما بمعنى الذي. وقال سعيد بن مسعدة: المعنى أولئك هم المؤمنون حقاً كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. قال: وقال بعض العلماء كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم. وقال عكرمة: المعنى أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك. وقيل: كما أخرجك متعلق بقوله لهم درجات المعنى: لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. أي هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الواجب له، فأنجزك وعدك وأظفرك بعدوك وأوفى لك، لأنه قال عز وجل: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم". فكما أنجز هذا الوعد في الدنيا كذا ينجزكم ما وعدكم به في الآخرة. وهذا قول حسن ذكره النحاس واختاره. وقيل: الكاف في كما كاف التشبيه، ومخرجه على سبيل المجازاة، كقول القائل لعبده: كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مدداً فأمددتك وقويتك وأزحت علتك، فخذهم الآن فعاقبهم بكذا. وكما كسوتك وأجريت عليك الرزق فاعمل كذا وكذا. وكما أحسنت إليك فاشكرني عليه. فقال: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وغشاكم بالنعاس أمنةً منه -يعني به إياه ومن معه- وأنزل من السماء ماء ليطهرهم به، وأنزل عليكم من السماء ملائكة مردفين، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. كأنه يقول: قد أزحت عللكم، وأمددتكم بالملائكة فاضربوا منهم هذه المواضع، وهو المقتل، لتبلغوا مراد الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل. والله أعلم. "وإن فريقا من المؤمنين لكارهون" أي لكارهون ترك مكة وترك أموالهم وديارهم.
قال الإمام أبو جعفر الطبري: اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله "كما أخرجك ربك", فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم وإصلاحهم ذات بينهم وطاعتهم لله ورسوله, ثم روي عن عكرمة نحو هذا ومعنى هذا أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها الله منكم وجعلها إلى قسمه, وقسم رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمها على العدل والتسوية, فكان هذا هو المصلحة التامة لكم, وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة, وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم, فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد رشداً وهدى, ونصراً وفتحاً, كما قال تعالى: " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " قال ابن جرير وقال آخرون معنى ذلك "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق", على كره من فريق من المؤمنين كذلك هم كارهون للقتال فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم. ثم روي عن مجاهد نحوه أنه قال "كما أخرجك ربك" قال كذلك يجادلونك في الحق, وقال السدي: أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه, فقال "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" لطلب المشركين "يجادلونك في الحق بعد ما تبين" وقال بعضهم يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر فقالوا أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له. قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من خف منهم فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً, وطلب نحو الساحل من على طريق بدر, وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه, فبعث ضمضم بن عمرو نذيراً إلى أهل مكة, فنهضوا في قريب من ألف مقنع ما بين التسعمائة إلى الألف وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا وجاء النفير فوردوا ماء بدر, وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل كما سيأتي بيانه, والغرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه يعده إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير, ورغب كثير من المسلمين إلى العير لأنه كسب بلا قتال, كما قال تعالى: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين" قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا بكر بن سهل, حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران, حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة "إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله أن يغنمناها ؟ فقلنا نعم فخرج وخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين, قال لنا ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو ولكنا أردنا العير, ثم قال ما ترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " قال فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم, قال فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" " وذكر تمام الحديث ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن لهيعة بنحوه, وروى ابن مردويه أيضاً من حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي, عن أبيه عن جده قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال كيف ترون ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا, قال: ثم خطب الناس فقال كيف ترون ؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر, ثم خطب الناس فقال: كيف ترون ؟ فقال سعد بن معاذ يا رسول الله إيانا تريد ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم, ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك, ولا نكون كالذين قالوا لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له, فصل حبال من شئت, واقطع حبال من شئت, وعاد من شئت, وسالم من شئت, وخذ من أموالنا ما شئت, فنزل القرآن على قول سعد "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" "الايات وقال العوفي عن ابن عباس لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو, وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيئوا للقتال وأمرهم بالشوكة, فكره ذلك أهل الإيمان فأنزل الله " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " وقال مجاهد يجادلونك في الحق: في القتال, وقال محمد بن إسحاق "يجادلونك في الحق" أي كراهية للقاء المشركين, وإنكاراً لمسير قريش حين ذكروا لهم, وقال السدي: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " أي بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله به. قال ابن جرير وقال آخرون عنى بذلك المشركين, حدثنا يونس أنبأنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله تعالى: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " قال هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام وهم ينظرون. قال وليس هذا من صفة الاخرين, هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر. ثم قال ابن جرير: ولا معنى لما قاله, لأن الذي قبل قوله "يجادلونك في الحق" خبر عن أهل الإيمان والذي يتلوه خبر عنهم. والصواب قول ابن عباس وابن إسحاق: أنه خبر عن المؤمنين, وهذا الذي نصره ابن جرير هو الحق وهو الذي يدل عليه سياق الكلام, والله أعلم. وقال الإمام أحمد رحمه الله, حدثنا يحيى بن بكير وعبد الرزاق قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء, فناداه العباس بن عبد المطلب, قال عبد الرزاق وهو أسير في وثاقه إنه لا يصلح لك, قال ولم ؟ قال لأن الله عز وجل إنما وعدك إحدى الطائفتين, وقد أعطاك الله ما وعدك إسناد جيد ولم يخرجه, ومعنى قوله تعالى: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" أي يحبون أن الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير, "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته" أي هو يريد أي يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم, ويظهر دينه ويرفع كلمة الإسلام ويجعله غالباً على الأديان, وهو أعلم بعواقب الأمور, وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره, وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم كقوله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم" وقال محمد بن إسحاق رحمه الله: حدثني محمد بن مسلم الزهري, وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس, كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا "لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم, وقال هذه عير قريش فيها أموالهم, فاخرجوا إليها لعل الله أي ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم, وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً, وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار, ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس, حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك, فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه, فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة, وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه, حتى بلغ وادياً يقال له ذفران, فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم, فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش, فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال, فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه فقال, فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله به, فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ", ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد, يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار, وذلك أنهم كانوا عدد الناس, وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة, قالوا: يا رسول الله إنا برآء من زمامك حتى تصل إلى دارنا, فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه, وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم, فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال: أجل فقال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله لما أمرك الله فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك, ما يتخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً, إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء, ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسر بنا على بركة الله, فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم" وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا, وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف, اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق.
قوله: 5- "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق". قال الزجاج: الكاف في موضع نصب: أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق: أي مثل إخراج ربك، والمعنى: امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا، لأن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئاً قال: بقي أكثر الناس بغير شيء، فموضع الكاف نصب كما ذكرنا، وبه قال الفراء وقال أبو عبيدة: هو قسم: أي والذي أخرجك، فالكاف بمعنى الواو، وما بمعنى الذي. وقال الأخفش سعيد بن مسعدة: المعنى أولئك هم المؤمنون حقاً كما أخرجك ربك. وقال عكرمة المعنى: أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك، وقيل: كما أخرجك متعلق بقوله: "لهم درجات" أي هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" الواجب له، فأنجز وعدك وظفرك بعدوك وأوفى لك، ذكره النحاس واختاره، وقيل: الكاف في كما كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده: كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مدداً مدداً فأمددتك وقويتك وأزحت علتك فخذهم الآن فعاقبهم، وقيل: إن الكاف في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب، ذكره صاحب الكشاف وبالحق متعلق بمحذوف، والتقدير: إخراجاً متلبساً بالحق الذي لا شبهة فيه، وجملة "وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" في محل نصب على الحال: أي كما أخرجك في حال كراهتهم لذلك، لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين، إما العير أو النفير، رغبوا في العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه.
5 - قوله تعالى : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله " كما أخرجك ربك " قال المبرد : تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا ، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل : تقديره امض لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما مضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون .
وقال عكرمة : معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم ، كما أن إخراج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق خير لكم ، وإن كرهه فريق منكم .
وقال مجاهد : معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم ، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه .
وقيل : هو راجع إلى قوله : " لهم درجات عند ربه " ، تقديره : وعد { الله } الدرجات لهم حق ينجزه الله عز وجل كما أخرجك
من بيتك بالحق ، فأنجز الوعد بالنصر والظفر .
وقيل : الكاف بمعنى على ،تقديره : امض على الذي أخرجك ربك .
وقال أبو عبيده : هي بمعنى القسم مجازاً ، والذي أخرجك ، لأن (ما ) في موضع الذي ، وجوابه ( يجادلونك ) ، وعليه يقع القسم ، تقديره : يجادلونك والله الذي أخرجك ربك من بيتك بالحق .
وقيل : الكاف بمعنى ( إذ ) تقديره : واذكر إذ أخرجك ربك .
قيل : المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة . والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر ، أي : كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق قيل : بالوحي لطلب المشركين " وإن فريقا من المؤمنين " ، منهم ، " لكارهون " .
5. "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " خبر مبتدأ محذوف تقديره : "هذه الحال في كراهتم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتم له، وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة . أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله : " لله والرسول " أي الأنفال ثبتت لله والرسول صلى الله عليه وسلم مع كراهتهم ثباتاً مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك ، يعني المدينة لأنها مهاجره ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم" وإن فريقا من المؤمنين لكارهون" في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم ، وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام ، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال ، فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة ، فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول ، عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً ، وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منهم ، فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال : ما نرضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم ، فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوماً في السنة"،" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش ، فستشار فيه أصحابه فقال بعضهم : هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنما خرجنا للعير ،فردد عليهم وقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل ، فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا ،ثم قام سعد بن عبادة فقال : انظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ، ثم قال مقداد بن عمرو : امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت ، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (أشيروا علي أيها الناس ) وهو يريد الأنصار لأنهم كانوا ( عددهم ) وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم برآء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم ، فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال كلأنك تريدنا يا رسول الله فقال : أجل، قال : آمنا بك وصدعناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فووالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا ، وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى ، فنشطه قوله ثم قال : (سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم )" ." وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بجر قيل له : عليك بالعير فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال : لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك ، فكره بعضهم قوله. "
5. Even as thy Lord caused thee (Muhammad) to go forth from thy home with the Truth, and lo! a party of the believers were averse (to it),
5 - Just as thy Lord ordered thee out of thy house in truth, even though a party among the believers disliked it,