[الأنفال : 28] وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
28 - (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) لكم صادَّة عن أمور الآخرة (وأن الله عنده أجر عظيم) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم ونزل في توبته
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واعلموا، أيها المؤمنون، أنما أموالكم التي خولكموها الله، وأولادكم التي وهبها الله لكم، اختبار وبلاء، أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم فيها، والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها، " وأن الله عنده أجر عظيم "، يقول: واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم، على طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم، في أموالكم وأولادكم التي اختبركم بها في الدنيا. وأطيعوا الله فيما كلفكم فيها، تنالوا به الجزيل من ثوابه في معادكم.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المسعودي، عن القاسم، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود في قوله: " أنما أموالكم وأولادكم فتنة "، قال: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله بالله من مضلات الفتن.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة "، قال " فتنة "، الاختبار، اختبارهم. وقرأ: " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " [الأنبياء: 35].
قوله تعالى: "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة" كان لأبي لبابة أموال وأولاد في بني قريظة، وهو الذي حمله على ملاينتهم، فهذا إشارة إلى ذلك. "فتنة" أي اختبار، امتحنهم بها. "وأن الله عنده أجر عظيم" فآثروا حقه على حقكم.
قال عبد الرزاق بن أبي قتادة والزهري: أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه, أي إنه الذبح, ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خان الله ورسوله, فحلف لا يذوق ذواقاً حتى يموت أو يتوب الله عليه, وانطلق إلى مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه, فمكث كذلك تسعة أيام حتى كان يخر مغشياً عليه من الجهد حتى أنزل الله توبته على رسوله, فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه, وأرادوا أن يحلوه من السارية, فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, فحله, فقال: يا رسول الله: إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة, فقال "يجزيك الثلث أن تصدق به". وقال ابن جرير: حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا يونس بن الحارث الطائفي حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الاية في قتل عثمان, رضي الله عنه "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" الاية.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا القاسم بن بشر بن معروف حدثنا شبابة بن سوار حدثنا محمد بن المحرم قال لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال: حدثني جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أبا سفيان في موضع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا" فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله عز وجل "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" الاية, هذا حديث غريب جداً, وفي سنده وسياقه نظر, وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح, فأطلع الله رسوله على ذلك, فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه واستحضر حاطباً فأقر بما صنع, وفيها فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله: ألا أضرب عنقه, فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ؟ فقال: "دعه فإنه قد شهد بدراً, وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". قلت: والصحيح أن الاية عامة, وإن صح أنها وردت على سبب خاص, فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء. والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وتخونوا أماناتكم" الأمانة, الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد, يعني الفريضة. يقول: "لا تخونوا" لا تنقضوها. وقال في رواية: "لا تخونوا الله والرسول", يقول بترك سنته وارتكاب معصيته.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في هذه الاية, أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم, ثم تخالفوه في السر إلى غيره, فإن ذلك هلاك لأماناتكم, وخيانة لأنفسكم. وقال السدي: إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم, وقال أيضاً: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين, وقال عبد الرحمن بن زيد: نهاكم أن تخونوا الله والرسول كما صنع المنافقون, وقوله "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة", أي اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها أو تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" وقال "ونبلوكم بالشر والخير فتنة". وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ". وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم" الاية, وقوله "وأن الله عنده أجر عظيم" أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد, فإنه قد يوجد منهم عدو, وأكثرهم لا يغني عنك شيئاً, والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والاخرة ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة. وفي الأثر يقول الله تعالى: يا ابن آدم, اطلبني تجدني, فإن وجدتني وجدت كل شيء, وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء, وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثلاث من كن فيه, وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله, ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه", بل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على الأولاد والأموال والنفوس, كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين".
ثم قال: "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة" لأنهم سبب الوقوع في كثير من الذنوب، فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده، وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا كما في الآية الأخرى: "وأن الله عنده أجر عظيم" فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "واذكروا إذ أنتم قليل" قال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً، وأعراه جلوداً، وأبينه ضلالة، من عاش عاش شقياً، ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون لا والله ما نعلم قبيلاً من حاضري الأرض يومئذ كان أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "يتخطفكم الناس" قال: في الجاهلية بمكة "فآواكم" إلى الإسلام. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابي حاتم وأبو الشيخ عن وهب في قوله: "يتخطفكم الناس" قال: الناس إذ ذاك فارس والروم. وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس" قيل: يا رسول الله ومن الناس؟ قال:أهل فارس". وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "فآواكم" قال: إلى الأنصار بالمدينة "وأيدكم بنصره" قال: يوم بدر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله "أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فأخرجوا إليه واكتموافكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" الآية". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن أبي قتادة قال: نزلت هذه الآية "لا تخونوا الله والرسول" في أبي لبابة بن عبد المنذر سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت. قال أبو لبابة: ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله. وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفاً لهم، فأومأ بيده أنه الذبح فنزلت. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في هذه الآية أنها نزلت في أبي لبابة ونسختها الآية التي في براءة "وآخرون اعترفوا بذنوبهم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا تخونوا الله" قال: بترك فرائضه "والرسول" بترك سننه وارتكاب معصيته "وتخونوا أماناتكم" يقول: لا تنقصوها، والأمانة: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد. وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان، ولعل مراده أن من جملة ما يدخل تحت عمومها قتل عثمان. وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب في الآية قال: هو الإخلال بالسلاح في المغازي، ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة، لأن الله يقول: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن. وأخرج هؤلاء عن ابن زيد في الآية قال: فتنة الاختبار اختبرهم، وقرأ "ونبلوكم بالشر والخير فتنة".
28 - " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة " ، قيل : هذا أيضا في أبي لبابة ، وذلك أن أمواله وأولاده كانوا في بني قريظة ، فقال ما قال خوفاً عليهم .
وقيل : هذا في جميع الناس . أخبرنا أحمد بن عبد الله المليحي - إملاءً - وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ، قالا : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني أنا محمد بن محمد بن [ رزمويه ] حدثنا يحيى بن محمد بن غالب ، حدثنا يحيى بن يحيى ،حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فقبله وقال : أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان الله عز وجل " .
" وأن الله عنده أجر عظيم " ، لمن نصح لله ولرسوله وأدى أمانته .

28. " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة " لأنهم سبب الوقوع في الإثم أو العقاب أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة . " وأن الله عنده أجر عظيم " لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم ، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه .
28. And know that your possessions and your children are a test, and that with Allah is immense reward.
28 - And know ye that your possessions and your progeny are but a trial; and that it is God with whom lies your highest reward.