[الأنفال : 19] إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
19 - (إن تستفتحوا) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه (فقد جاءكم الفتح) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين (وإن تنتهوا) عن الكفر والحرب (فهو خير لكم وإن تعودوا) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم (نعد) لنصره عليكم (ولن تغني) تدفع (عنكم فئتكم) جماعاتكم (شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام
قوله تعالى أن تستفتحوا الآية روى الحاكم عن عبد الله بن ثعلبة ابن صغير قال كان المستفتح أبا جهل فإنه قال حين التقى القوم اللهم أينا كان أقطع لرحم وأتي بما لا يعرف فاحنه الغداة وكان ذلك استفتاحا فأنزل الله إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح إلى قوله وإن الله مع المؤمنين أخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال قال أبو جهل اللهم انصر اعز الفئتين وأكرم الفرقتين فنزلت
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، يعني: إن تستحكموا الله على أقطع الحزبين للرحم، وأظلم الفئتين، وتستنصروه عليه، فقد جاءكم حكم الله \، ونصره المظلوم على الظالم، والمحق على المبطل.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
... قال، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:" إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن ابن عباس قوله: " إن تستفتحوا "، قال: إن تستقضوا القضاء، وإنه كان يقول: "وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا "، قلت: للمشركين؟ قال: لا نعلمه إلا ذلك.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ! ففتح بينهم يوم بدر.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، نحوه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: استفتح أبو جهل فقال: ((اللهم)) - يعني محمداً ونفسه - ((أينا كان أفجر لك، اللهم وأقطع للرحم، فأحنه اليوم))! قال الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: استفتح أبو جهل بن هشام فقال: ((اللهم أينا كان أفجر لك وأقطع للرحم، فأحنه اليوم!)) يعني محمداً عليه الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عز وجل: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوذ، وأجهز عليه ابن مسعود.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث ، قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي، حليف بني زهرة: أن المستفتح يومئذ أبو جهل، وأنه قال حين التقى القوم: ((أينا أقطع للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة))! فكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله في ذلك: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، الآية.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، الآية، يقول: قد كانت بدر قضاءً وعبرةً لمن اعتبر.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: ((اللهم انصر أعز الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين))! فقال الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، يقول: نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " إلى قوله: " وأن الله مع المؤمنين "، وذلك حين خرج المشركون ينظرون عيرهم، وأن أهل العير، أبا سفيان وأصحابه، أرسلوا إلى المشركين بمكة يستنصرونهم، فقال أبو جهل: (( أينا كان خيراً عندك فانصره))! وهو قوله: " إن تستفتحوا "، يقول: تستنصروا.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، قال: إن تستفتحوا العذاب، فعذبوا يوم بدر. قال: وكان استفتاحهم بمكة، قالوا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم "، [الأنفال: 32]. قال: فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أحد: " وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية قال: قال أبو جهل يوم بدر: ((اللهم انصر أهدى الفئتين، وخير الفئتين وأفضل)) فنزلت: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ".
... قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري : أن أبا جهل هو الذي استفتح يوم بدر وقال: ((اللهم أينا كان أفجر وأقطع لرحمه، فأحنه اليوم))! فأنزل الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ".
... قال، حدثنا يزيد بن هرون، عن ابن إسحق ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: أن أبا جهل قال يوم بدر: ((اللهم أقطعنا لرحمه، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة))!. وكان ذلك استفتاحاً منه، فنزلت: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، الآية.
... قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبا جهل، قال: ((اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة!))، فأنزل الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، حليف بني زهرة قال: لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: ((اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة!))، فكان هو المستفتح على نفسه، قال ابن إسحق : فقال الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، لقول أبي جهل: ((اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة!))، قال: ((الاستفتاح))، الإنصاف في الدعاء.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا معشر، عن يزيد بن رومان وغيره قال أبو جهل يوم بدر: ((اللهم انصر أحب الدينين إليك، ديننا العتيق، أم دينهم الحديث))! فأنزل الله: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح "، إلى قوله: " وأن الله مع المؤمنين ".
وأما قوله: " وإن تنتهوا فهو خير لكم "، فإنه يقول: " وإن تنتهوا "، يا معشر قريش، وجماعة الكفار، عن الكفر بالله ورسوله، وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، " فهو خير لكم "، في دنياكم وآخرتكم، " وإن تعودوا نعد "، يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال أتباعه المؤمنين، " نعد "، أي: بمثل الوقعتة التي أوقعت بكم يوم بدر.
وقوله: " ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت "، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودتي لقتلكم بأيديهم وسبيكم وهزمكم، " فئتكم شيئا ولو كثرت "، يعني: جندهم وجماعتهم من المشركين، كما لم يغنوا عنهم يوم بدر، مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين، شيئاً " وأن الله مع المؤمنين "، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق في قوله: " وإن تنتهوا فهو خير لكم "، قال: يقول لقريش: " وإن تعودوا نعد "، لمثل الوقعة التي أصابتكم يوم بدر، " ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين "، أي: وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئاً. وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم.
وقد قيل: إن معنى قوله: " وإن تعودوا نعد "، وإن تعودوا للاستفتاح، نعد لفتح محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول لا معنى له، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه السلام حين أذن له في حرب أعدائه، إظهار دينه وإعلاء كلمته، من قبل أن يستفتح أبو جهل وحزبه، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك: ((إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد))، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "، [الحج: 39]، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وإن تعودوا نعد "، إن تستفتحوا الثانية، نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم، " ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين "، محمد وأصحابه.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " وأن الله مع المؤمنين ".
ففتحها عامة قرأة أهل المدينة بمعنى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله لمع المؤمنين، فعطف بـ ((أن)) على موضع " ولو كثرت "، كأنه قال: لكثرتها، ولأن الله مع المؤمنين، ويكون موضع ((أن)) حينئذ نصباً على هذا القول.
وكان بعض أهل العربية يزعم أن فتحها إذا فتحت، على: " وأن الله موهن كيد الكافرين "، " وأن الله مع المؤمنين "، عطفاً بالأخرى على الأولى.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: ((وإن الله))، بكسر الألف، على الابتداء، واعتلوا بأنها في قراءة عبد الله: ((وإن الله لمع المؤمنين)).
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من كسر ((إن)) للابتداء، لتقضي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله: " وأن الله مع المؤمنين ".
قوله تعالى: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" شرط وجوابه. وفيه ثلاثة أقوال: يكون خطاباً للكفار، لأنهم استفتحوا فقالوا: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصره عليه. قاله الحسن ومجاهد وغيرهما. وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنصرة العير. وقيل: قاله أبو جهل وقت القتال. وقال النضر بن الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وهو ممن قتل ببدر. والاستفتاح: طب النصر، أي قد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم. أي فقد جاءكم ما بان من الأمر، وانكشف لكم الحق. "وإن تنتهوا" أي عن الكفر "فهو خير لكم". "وإن تعودوا" أي إلى هذا القول وقتال محمد. "نعد" إلى نصر المؤمنين. "ولن تغني عنكم فئتكم" أي عن جماعتكم "شيئا". "ولو كثرت" أي في العدد.
الثاني: يكون خطاباً للمؤمنين، أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وإن "تنتهوا" أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن، "فهو خير لكم". "وإن تعودوا" أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم. كما قال: "لولا كتاب من الله سبق" [الأنفال: 68] الآية.
والقول الثالث: أن يكون "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" خطاباً للمؤمنين، وما بعده للكفار. أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر. القشيري: والصحيح أنه خطاب للكفار، فإنهم لما نفروا إلى نصرة العير تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أهدى الطائفتين، وأفضل الدينين. المهدوي: وروي أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها، أي يستنصرون.
قلت: ولا تعارض لاحتمال أن يكونوا فعلوا الحالتين. "وأن الله مع المؤمنين" بكسر الألف على الاستئناف، وبفتحها عطف على قوله: "وأن الله موهن كيد الكافرين". أو على قوله: "أني معكم". والمعنى: ولأن الله، والتقدير لكثرتها وأن الله. أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت.
يقول تعالى للكفار: "إن تستفتحوا" أي تستنصروا وتستقضوا الله وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم ما سألتم كما قال محمد بن إسحاق وغيره عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة. وكان ذلك استفتاحاً منه فنزلت "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" إلى آخر الاية. وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد يعني ابن هارون أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة. فكان المستفتح, وأخرجه النسائي في التفسير من حديث صالح بن كيسان عن الزهري به, وكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق الزهري به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, وروي نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة ويزيد بن رومان وغير واحد, وقال السدي كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين فقال الله: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" يقول قد نصرت ما قلتم وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو قوله تعالى إخباراً عنهم "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الاية, وقوله "وإن تنتهوا" أي عما أنتم فيه من الكفر بالله والتكذيب لرسوله "فهو خير لكم" أي في الدنيا والاخرة, وقوله تعالى: "وإن تعودوا نعد" كقوله "وإن عدتم عدنا" معناه وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة نعد لكم بمثل هذه الواقعة. وقال السدي "وإن تعودوا" أي إلى الاستفتاح "نعد" أي إلى الفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم والنصر له وتظفيره على أعدائه والأول أقوى "ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت" أي ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا, فإن من كان الله معه فلا غالب له "وأن الله مع المؤمنين" وهم الحزب النبوي والجناب المصطفوي .
الاستفتاح: طلب النصر، وقد اختلف في المخاطبين بالآية من هم؟ فقيل: إنها خطاب للكفار تهكماً بهم، والمعنى: إن تستنصروا الله على محمد فقد جاءكم النصر، وقد كانوا عند خروجهم من مكة سألوا الله أن ينصر أحق الطائفتين بالنصر فتهكم الله بهم، وسمى ما حل بهم من الهلاك نصراً، ومعنى بقية الآية على هذا القول "وإن تنتهوا" عما كنتم عليه من الكفر والعداوة لرسول الله "فهو" أي الانتهاء "خير لكم وإن تعودوا" إلى ما كنتم عليه من الكفر والعداوة "نعد" بتسليط المؤمنين عليكم ونصرهم كما سلطناهم ونصرناهم في يوم بدر "ولن تغني عنكم فئتكم" أي جماعتكم "شيئاً ولو كثرت" أي لا تغني عنكم في حال من الأحوال ولو في حال كثرتها، ثم قال: "وأن الله مع المؤمنين" ومن كان الله معه فهو المنصور ومن كان الله عليه فهو المخذول. قرئ بكسر إن وفتحها فالكسر على الاستئناف، والفتح على تقدير: ولأن الله مع المؤمنين فعل ذلك. وقيل: إن الآية خطاب للمؤمنين، والمعنى إن تستنصروا الله فقد جاءكم النصر في يوم بدر، وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم وفداء الأسرى قبل الإذن لكم بذلك فهو خير لكم، وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما في قوله: "لولا كتاب من الله سبق" الآية، ولا يخفى أنه يأبى هذا القول معنى "ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً" ويأباه أيضاً "وأن الله مع المؤمنين" وتوجيه ذلك لا يمكن إلا بتكلف وتعسف وقيل: إن الخطاب في "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" للمؤمنين وما بعده للكافرين، ولا يخفى ما في هذا من تفكيك النظم وعود الضمائر الجارية في الكلام على نمط واحد إلى طائفتين مختلفتين.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن أبا جهل قال حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة، فكان ذلك استفتاحاً منه فنزلت "إن تستفتحوا" الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية قال: قال أبو جهل يوم بدر: اللهم انصر أهدى الفئتين، وأفضل الفئتين، وخير الفئتين، فنزلت الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه، ففتح بينهم يوم بدر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله: "إن تستفتحوا" قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء في يوم بدر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "وإن تنتهوا" قال: عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم "وإن تعودوا نعد" قال: إن تستفتحوا الثانية أفتح لمحمد "وأن الله مع المؤمنين" قال: مع محمد وأصحابه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة "وإن تعودوا نعد" يقول: نعد لكم بالأسر والقتل.
19 - قوله تعالى : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " ، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر لما التقى الناس : الله أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة ، فكان هو المستفتح على نفسه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال : قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان ، حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما ،إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل ،فقلت : يا بن أخي وما تصنع به ؟ فقال : عاهدت الله عز وجل إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه . فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله ، فما سرني أني بين رجلين بمكانهما ،فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء .
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه ، قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم : من ينظر لنا ما صنع أبو جهل ؟ قال : فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : فأخذ بلحيته فقال : أنت أبو جهل ؟ فقال : وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه" .
قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح" لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى ،فقال : اللهم لا يعجزنك ،قال فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . قال : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ،فلما آذتني جعلت عليه قدمي ، ثم تمطيت به حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، فتركه وبه رمق ، فمر عبد الله بن مسعود { بأبي جهل } قال عبد الله بن مسعود : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ، ثم قلت : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه ، أخبرني لمن الدائرة ؟ قلت : لله ولرسوله" .
وروي عن ابن مسعود أنه قال : "قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقىً صعباً ، ثم احتززت رأسه ، ثم جئت به إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله هذا رأس أبي جهل ،فقال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم ،والذي لا إله غيره ،ثم ألقيته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل " .
وقال السيدي و الكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر .
وقال عكرمة : قال المشركون والله لا نعرف ماجاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله عز وجل : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء .
وقال أبي بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى للمسلمين : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد ، ثنا عبد الرحيم بن منيب ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب رضي الله عنه قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا ؟ فجلس محماراً لونه أو وجهه فقال لنا :" قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، ويحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرف ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، ما يصرفه عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله ، ولكنكم تعجلون ."
قوله : " وإن تنتهوا " ، يقول للكفار : إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم ، " فهو خير لكم وإن تعودوا " ، لحربه وقتاله ، " نعد " بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر . وقيل : وإن تعودوا إلى الدعاء والاستفتاح نعد للفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم ، " ولن تغني عنكم فئتكم " ، جماعتكم " شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين " ، قرأ أهل المدينةو ابن عامر و حفص ( وأن الله ) بفتح الهمزة ، أي : ولأن الله مع المؤمنين ، كذلك " لن تغني عنكم فئتكم شيئاً " ، وقيل : هو عطف على قوله : " ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " ، وقرأ آخرون : ( وإن الله ) بكسر الألف على الابتداء .
19. " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين . " وإن تنتهوا " عن الكفر ومعاداة الرسول " فهو خير لكم " لتصمنه سلامة الدارين وخير المنزلين . " وإن تعودوا " لمحاربته . " نعد " لنصرته عليكم . " ولن تغني " ولن تدفع ." عنكم فئتكم " جماعتكم . "شيئاً " من الإغناء أو المضار . " ولو كثرت " فئتكم ." وأن الله مع المؤمنين " بالنصر ولمعونة . وقرأ نافع وابن عامر وحفص " وأن " بالفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين كان ذلك . وقيل الآية خطاب للمؤمنين والمعنى : إن تستنصروا فقد جاءكم النثر ، وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال والرغبة عما يستأثره الرسول فهو خير لكم وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ، ولن تغني حينئذ كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر فإنه مع الكاملين في إيمانهم ويؤيد ذلك :
19. (O Qureysh!) If ye sought a judgment, now hath the judgment come unto you. And if ye cease (from persecuting the believers) it will be better for you, but if ye return (to the attack) We also shall return. And your host will avail you naught, however numerous it be, and (know) that Allah is with the believers (in His guidance).
19 - (O unbelievers) if ye prayed for victory and judgment, now hath the judgment come to you: if ye desist (from wrong), it will be best for you: if ye return (to the attack), so shall we. not the least good will your force be to you even if they were multiplied: for verily God is with those who believe