[النبإ : 21] إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا
21 - (إن جهنم كانت مرصادا) راصدة أو مرصدة
يعني تعالى ذكره بقوله : إن جهنم كانت ذات رصد لأهلها ، الذين كانوا يكذبون في الدنيا بها ، وبالمعاد إلى الله في الآخرة ، ولغيرهم من المصدقين بها ومعنى الكلام : إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترقب من يجتازها وترصدهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المازني ، قال : كان الحسن إذا تلا هذه الآية " إن جهنم كانت مرصادا " قال : ألا إن على الباب الرصد ، فمن جاء بجواز جاز ، ومن لم يجئ بجواز احتبس .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " إن جهنم كانت مرصادا " قال : لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إن جهنم كانت مرصادا " يعلمنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يقطع النار .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " إن جهنم كانت مرصادا " قال : عليها ثلاث قناطر .
قوله تعالى:" إن جهنم كانت مرصادا" : مفعال من الرصد والرصد: كل شيء كان أمامك. قال الحسن : إن على النار رصداً ، لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه، فمن جاء يجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز حبس. وعن سفيان رضي الله عنه قال: عليها ثلاث قتاطر. وقيل ((مرصاداً)) ذات أرصاد على النسب، أي ترصد من يمر بها. وقال مقاتل : محبساً. وقيل: طريقاً وممراً، فلا سبيل إلى الجنة حتى يقطع جهنم. وفي الصحاح: والمرصاد : الطريق. وذكر القشيري: أن المرصاد المكان يرصد فيه الواحد العدو، نحو المضمار: الموضع الذي تضمر فيه الخيل. أي هي معدة لهم ، فالمرصاد بمعنى المحل، فالملائكة يرصدون الكفار حتى ينزلوا بجهنم. ذكر الماوردي عن أبي سنان أنها بمعنى راصدة، تجازيهم بأفعالهم. وفي الصحاح: الراصد الشيء: الراقب له، تقول: رصده يرصده رصداً ورصداً، والترصد: الترقب. والمرصد: موضع الرصد. الأصمعي : رصدته أرصده: ترقبتهن وأرصدته: أعددت له. والكسائي : مثله.
قلت : فجهنم معدة مترصدة، متفعل من الرصد وهو الترقب، أي هي متطلعة لمن يأتي. والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمغيار، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار.
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل كما قال تعالى: "وما نؤخره إلا لأجل معدود" "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" قال مجاهد : زمراً زمراً, قال ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها, وكقوله تعالى: " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " وقال البخاري "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" حدثنا محمد , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون قالوا: أربعون يوماً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون شهراً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون سنة ؟ قال أبيت قال :ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة".
"وفتحت السماء فكانت أبواباً" أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة "وسيرت الجبال فكانت سراباً" كقوله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" وكقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" وقال ههنا: "فكانت سراباً" أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر, كما قال تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً * فيذرها قاعاً صفصفاً * لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً", وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة" وقوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" أي مرصدة معدة "للطاغين" وهم المردة العصاة المخالفون للرسل "مآباً" أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاً. وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس, وقال سفيان الثوري : عليها ثلاث قناطر.
وقوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان, وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة, وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك , وعن الحسن والسدي أيضاً سبعون سنة كذلك, وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون,رواهما ابن أبي حاتم .
وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة, كل سنة اثنا عشر شهراً, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً كل يوم منها كألف سنة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , ثم قال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمرو بن علي بن أبي بكر الأسفيدي , حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " قال: فالحقب شهر, الشهر ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً, والسنة ثلثمائة وستون يوما, كل يوم منها ألف سنة مما تعدون, فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة, وهذا حديث منكر جداً, والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك. وقال البزار : حدثنا محمد بن مرداس , حدثنا سليمان بن مسلم أبو العلاء قال: سألت سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقاباً قال: والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوماً مما تعدون" , ثم قال: سليمان بن مسلم بصري مشهور, وقال السدي " لابثين فيها أحقابا " سبعمائة حقب, كل حقب سبعون سنة, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً, كل يوم كألف سنة مما تعدون, وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً".
وقال خالد بن معدان : هذه الاية وقوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" في أهل التوحيد رواهما ابن جرير ثم قال: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" متعلقاً بقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر ثم قال: والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس , وقد قال قبل ذلك: حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي , حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" قال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار, ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون, وقال سعيد عن قتادة : قال الله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة وقال الربيع بن أنس " لابثين فيها أحقابا " لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل, وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة, والسنة ثلثمائة وستون يوماً, وكل يوم كألف سنة مما تعدون, رواهما أيضاً ابن جرير .
وقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم ولا شراباً طيباً يتغذون به ولهذا قال تعالى: "إلا حميماً وغساقاً" قال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق, وكذا قال الربيع بن أنس , فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه, وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ص بما أغنى عن إعادته ـ أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه ـ قال ابن جرير وقيل المراد بقوله: "لا يذوقون فيها برداً" يعني النوم كما قال الكندي :
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد النعاس والنوم. هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضاً. وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضاً. وقوله تعالى: "جزاء وفاقاً" أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا, قاله مجاهد وقتادة وغير واحد. ثم قال تعالى: "إنهم كانوا لا يرجون حساباً" أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون "وكذبوا بآياتنا كذاباً" أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله, فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة. وقوله: "كذاباً" أي تكذيباً, وهو مصدر من غير الفعل, قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم:
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قصارها من شفائيا
وقوله تعالى: " وكل شيء أحصيناه كتابا " أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" أي يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج, قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الاية "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: فهم في مزيد من العذاب أبداً, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري , حدثنا خالد بن عبد الرحمن , حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: أهلك القوم بمعاصيهم الله عز وجل" جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.
ثم شرع سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال: 21- "إن جهنم كانت مرصاداً" قال الأزهري: المرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو. قال المبرد: مرصاداً يرصدون به: أي هو معد لهم يرصد به خزنتها الكفار. قال الحسن: إن على الباب رصداً لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليهم، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجيء بجواز حبس. وقال مقاتل: محبساً، وقيل طريقاً وممراً. قال في الصحاح: الراصد للشيء الراقب له يقال رصده يرصده رصداً، والرصد الترقب، والمرصد موضع الرصد. قال الأصمعي: رصدته أرصده ترقبته، ومعنى الآية: أن جهنم كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها، أو هي في نفسها متطلعة لمن يأتي إليها من الكفار كما يتطلع الرصد لمن يمر به ويأتي إليهم، والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمعمار، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار.
21- "إن جهنم كانت مرصاداً"، طريقاً وممراً فلا سبيل لأحد إلا الجنة حتى يقطع النار.
وقيل: "كانت مرصاداً" أي: معدة لهم، يقال: أرصدت له الشيء إذا أعددته له.
وقيل: هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته. والمرصاد: المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو. وقوله: "إن جهنم كانت مرصاداً"، أي ترصد الكفار.
وروى مقسم عن ابن عباس: أن على جسر جهنم سبعة محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابها تامة جاز إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن أجابها تامة جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة، فإن أجابها تامة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن أجابها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال: انظروا فإن كان له تطوع أكمل بها أعماله، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة.
21-" إن جهنم كانت مرصاداً " موضع رصد يرصد فيه حزنة النار الكفار ، أو حزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليه ، كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل ، أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان ، وقرئ " أن " بالفتح على التعليل لقيام الساعة .
21. Lo! hell lurketh in ambush,
21 - Truly Hell is as a place of ambush,