[النبإ : 2] عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ
2 - (عن النبأ العظيم) بيان لذلك الشيء والاستفهام لتفخيمه وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن المشتمل على البعث وغيره
قوله تعالى : " عن النبإ العظيم " .
قوله تعالى:" عن النبإ العظيم " أي يتساءلون(( عن النبإ العظيم)) فعن ليس تتعلق بـ((ـتساءلون)) الذي في التلاوة، لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام فيكون(( عن النبإ العظيم)) كقولك : كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرناه من امتناع تعلقه بـ((ـيتساءلون)) الذي في التلاوة، وإنما يتعلق بيتساءلون آخر مضمر. وحسن ذلك لتقدم يتساءلون، قاله المهدوي. وذكر بعض أهل العلم أن الاستفهام في قوله:((عن)) مكرر إلا أنه مضمر، كأنه قال عم يتساءلون أعن النبإ العظيم؟ فعلى هذا يكون متصلاً بالآية الأولى. و((النبأ العظيم)) أي الخبر الكبير.
يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها " عم يتساءلون * عن النبإ العظيم " أي عن أي شيء يتساءلون عن أمر القيامة وهو النبأ العظيم, يعني الخبر الهائل المفظع الباهر, قال قتادة وابن زيد : النبأ العظيم البعث بعد الموت وقال مجاهد : هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: "الذي هم فيه مختلفون" يعني الناس فيه على قولين مؤمن به وكافر, ثم قال تعالى متوعداً لمنكري القيامة: "كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال: "ألم نجعل الأرض مهاداً" أي ممهدة للخلائق ذلولاً لهم قارة ساكنة ثابتة "والجبال أوتاداً" أي جعلها لها أوتاداً أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. ثم قال تعالى: "وخلقناكم أزواجاً" يعني ذكراً وأنثى يتمتع كل منهما بالاخر ويحصل التناسل بذلك كقوله: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" وقوله تعالى: "وجعلنا نومكم سباتاً" أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار وقد تقدم مثل هذه الاية في سورة الفرقان "وجعلنا الليل لباساً" أي يغشى الناس ظلامه وسواده كما قال: "والليل إذا يغشاها" وقال الشاعر:
فلما لبسن الليل أوحين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح
وقال قتادة في قوله تعالى: "وجعلنا الليل لباساً" أي سكناً, وقوله تعالى: "وجعلنا النهار معاشاً" أي جعلناه مشرقاً نيراً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك. وقوله تعالى: "وبنينا فوقكم سبعاً شداداً" يعني السموات السبع في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ولهذا قال تعالى: "وجعلنا سراجاً وهاجاً" يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم. وقوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً" قال العوفي عن ابن عباس : المعصرات الريح, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وأنزلنا من المعصرات" قال: الرياح, وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن إنها الرياح, ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات أي من السحاب, وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري واختاره ابن جرير , وقال الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد, كما يقال امرأة معصر إذا دنا حيضها ولم تحض. وعن الحسن وقتادة : من المعصرات يعني السموات وهذا قول غريب, والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى: "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله" أي من بينه.
وقوله جل وعلا: "ماء ثجاجاً" قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس : ثجاجاً منصباً وقال الثوري : متتابعاً وقال ابن زيد : كثيراً, وقال ابن جرير ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج وإنما الثج الصب المتتابع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الحج العج والثج" يعني صب دماء البدن هكذا قال, قلت وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنعت لك الكرسف" يعني أن تحتشي بالقطن فقالت: يا رسول الله هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً, وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير, والله أعلم. وقوله تعالى: " لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا " أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك "حباً" يدخر للأناسي والأنعام "ونباتاً" أي خضراً يؤكل رطباً "وجنات" أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعاً ولهذا قال وجنات ألفافاً, قال ابن عباس وغيره: ألفافاً مجتمعة, وهذه كقوله تعالى: " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا وبينه فقال: 2- " عن النبإ العظيم " فأورده سبحانه أولاً على طريقة الاستفهام مبهماً لتتوجه إليه أذهانهم وتلتفت إليه أفهامهم، ثم بينه بما يفيد تعظيمه وتفخيمه كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون هل أخبركم به؟ ثم قيل بطريق الجواب " عن النبإ العظيم " على منهاج قوله: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" فالجار والمجرور متعلق بالفعل الذي قبله، أو بما يدل عليه. قال ابن عطية: قال أكثر النحاة: عن النبإ العظيم متعلق بيتساءلون الظاره، كأنه قال: لم يتساءلون عن النبإ العظيم، وقيل ليس بمتعلق بالفعل المذكور، لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفهام فيكون التقدير أعن النبإ العظيم؟ فلزم أن يتعلق بيتساءلون آخر مقدر، وإنما كان ذلك النبإ: أي القرآن عظيماً، لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ووقوع البعث والنشور. قال الضحاك: يعني نبأ يوم القيامة، وكذا قال قتادة.
ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال: 2- " عن النبإ العظيم "، قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله: قوله: "قل هو نبأ عظيم" (ص- 67)، وقال قتادة: هو البعث.
2-" عن النبإ العظيم " بيان لشأن المفخم أو صلة " يتساءلون " و" عم " متعلق بمضمر مفسر به ، ويدل عليه قراءة يعقوب : عمه .
2. (It is) of the awful tidings,
2 - Concerning the Great News,