[المرسلات : 35] هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ
35 - (هذا) أي يوم القيامة (يوم لا ينطقون) فيه بشيء
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بثواب الله وعقابه " هذا يوم لا ينطقون " أهل التكذيب بثواب الله وعقابه " لا يؤذن لهم فيعتذرون " مما اجترموا في الدنيا من الذنوب .
فإن قال قائل : وكيف قيل " هذا يوم لا ينطقون " وقد علمت بخبر الله عنهم أنهم يقولون " ربنا أخرجنا منها " [ المؤمنون : 107 ] ، وأنهم يقولون : " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " [ غافر : 11 ] ، في نظائر ذلك مما أخبر الله ورسوله عنهم أنهم يقولونه ؟ قيل : إن ذلك في بعض الأحوال دون بعض .
وقوله : " هذا يوم لا ينطقون " يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم ، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله .
فإن قال : فهل من برهان يعلم به حقيقة ذلك ؟ قيل : نعم ، وذلك إضافة يوم إلى قوله " لا ينطقون " والعرب لا تضيف اليوم إلى فعل يفعل ، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه ، وذلك كقولهم : آتيك يوم يقدم فلان ، وأتيتك يوم زارك أخوك ، فمعلوم أن معنى ذلك : أتيتك ساعة زارك ، أو آتيك ساعة يقدم ، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله ، لأن ذلك لو كان أخذ اليوم كله لم يضف اليوم إلى فعل ويفعل ، ولكن فعل ذلك إذ كان اليوم بمعنى إذ وإذا اللتين الأفعال دون الأسماء .
قوله تعالى:" هذا يوم لا ينطقون" أي لا يتكلمون ." ولا يؤذن لهم فيعتذرون" أي إن يوم القيامة له مواطن ومواقيت، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها، ولا يؤذن لهم في الاعتذار والتنصل. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى:" هذا يوم لا ينطقون" و " فلا تسمع إلا همسا" [ طه:108] وقد قال تعالى: " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" [ الصافات:27] فقال له: إن الله عز وجل يقول:" وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون" [ الحج:47] فإن لكل مقدار من هذه الأيام لوناً من هذه الألوان. وقيل: لا ينطقون بحجة نافعة، ومن نطق بما لاينفع ولا يفيد فكأنه ما نطق. قال الحسن: لاينطقون بحجة وإن كانون ينطقون. وقيل: إن هذا وقت جوابهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون" [ المؤمنون: 108] وقد تقدم. وقال أبو عثمان: أسكتتهم رؤية الهيبة وحياء الذنوب. وقال الجنيد: أي عذر لمن أعرض عن منعمه وجحده وكفر أياديه ونعمه؟ و((يوم)) بالرفع قراءة العامة على الابتداء والخبر، أي تقول الملائكة : ((هذا يوم لا ينطقون)) ويجوز أن يكون قوله: ((انطلقوا)) من قول الملائكة، ثم يقول الله لأوليائه: هذا يوم لا ينطق الكفار. ومعنى اليوم الساعة والوقت. وروى يحي بن سلطان عن أبي بكر عن عاصم ((هذا يوم لا ينطقون)) بالنصب، ورويت عن ابن هرمز وغيره، فجاز أن يكون مبنياً لإضافته إلى الفعل وموضعه رفع. وهذا مذهب الكوفيين. وجاز أن يكون في موضع نصب على أن تكون الإشارة إلى غير اليوم. وهذا مذهب البصريين، لأنه إنما بني عندهم إذا أضيف إلى مبني، والفعل هاهنا معرب.
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب "لا ظليل ولا يغني من اللهب " أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه, ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب. وقوله تعالى: "إنها ترمي بشرر كالقصر" أي يتطاير الشرر من لهبها كالقصر, قال ابن مسعود : كالحصون, وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم: يعني أصول الشجر "كأنه جمالة صفر" أي كالإبل السود, قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير , وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : "جمالة صفر" يعني حبال السفن, وعنه أعني ابن عباس : "جمالة صفر" قطع نحاس, وقال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ,حدثنا يحيى أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما "إنها ترمي بشرر كالقصر" قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للبناء فنسميه القصر "كأنه جمالة صفر" حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال "ويل يومئذ للمكذبين" ثم قال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون" أي لا يتكلمون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون" أي لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون, وعرصات القيامة حالات, والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحالة تارة, ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذ, ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام: "ويل يومئذ للمكذبين".
وقوله تعالى: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين" يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقوله تعالى: "فإن كان لكم كيد فكيدون" تهديد شديد ووعيد أكيد أي إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك كما قال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد قال تعالى: "ولا تضرونه شيئاً" وفي الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني".
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي , حدثنا محمد بن فضيل , حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن حسان بن أبي المخارق , عن أبي عبد الله الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي, ويقول الله: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" اليوم لا ينجو مني جبار عنيد, ولا شيطان مريد, فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذ أنها تخرج عنق من النار فتنطلق, حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت: أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه لا يغيبهم عني وزر ولا تخفيهم عني خافية, الذي جعل مع الله إلهاً آخر, وكل جبار عنيد وكل شيطان مريد, فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة.
35- "هذا يوم لا ينطقون" أي لا يتكلمون قال الواحدي: قال المفسرون: في يوم القيامة مواقف، ففي بعضها يتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون، وقد قدمنا الجمع بهذا في غير موضع. وقيل إن هذا إشارة إلى وقت دخولهم النار وهم عند ذلك لا ينطقون، لأن مواقف السؤال والحساب قد انقضت. وقال الحسن: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. قرأ الجمهور برفع "يوم" على أنه خبر لإسم الإشارة. وقرأ زيد بن علي والأعرج والأعمش وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالفتح على البناء لإضافته إلى الفعل، ومحله الرفع على الخبرية، وقيل هو منصوب على الظرفية، والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوعيد كأنه قيل هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون.
35- "هذا يوم لا ينطقون"، وفي القيامة مواقف، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون.
35-" هذا يوم لا ينطقون " أي بما يستحق فإن النطق بما لا ينفع كلا نطق ، أو بشيء من فرط الدهشة والحيرة وهذا في بعض المواقف ، وقرئ بنصب الـ يوم أي هذا الذي ذكر واقع يومئذ .
35. This is a day wherein they speak not,
35 - That will be a Day when they shall not be able to speak,