[المرسلات : 31] لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ
31 - (لا ظليل) كنين يظلهم من حر ذلك اليوم (ولا يغني) يرد عنهم شيئا (من اللهب) النار
وقوله تعالى : " لا ظليل ولا يغني من اللهب " .
وقوله : " لا ظليل " يقول : لا هو يظلهم من حرها " ولا يغني من اللهب " ولا يكنهم من لهبها .
ثم وصف الظل فقال: " لا ظليل" أي ليس كالظل الذي يقي حر الشمس " ولا يغني من اللهب" أي لا يدفع من لهب جهنم شيئا. واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت، من احمر وأصفر وأخضر. وقيل : إن الشعب الثلاث هي الضريع الزقوم والغسلين، قاله الضحاك. وقيل: اللهب ثم الشرر ثم الدخان، لأنها ثلاثة أحوال، هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت. وقيل: عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب. فأما النور فيقف على رؤوس المؤمين، وأما الدخان فيقف على رؤوس المنافقين، واما اللهب الصافي فيقف على رؤوس الكافرين. وقيل: هو السرادق، وهو لسان من نار يحيط بهم، ثم يتشعب منه ثلاث شعب، فتظللهم حتى يفرغ من حسابهم الى النار. وقيل: هوالظل من يحموم، كما قال تعالى: " في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم" [ الواقعة:42-44] على ما تقدم. وفي الحديث:
"((إن الشمس تدنو من رؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم اكفان فتحلقهم الشمس وتأخذ بأنفاسهم ومد ذلك اليوم، ثم ينجي الله برحمته من يشاء الى ظل من ظله " فهنالك يقولون: " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم" [ الطور:27] ويقال للمكذبين :" انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون" من عذاب الله وعقابه " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب " فيكون اولياء الله جل ثناؤه في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل الى أن يفرغ من الحساب ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار.
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب "لا ظليل ولا يغني من اللهب " أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه, ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب. وقوله تعالى: "إنها ترمي بشرر كالقصر" أي يتطاير الشرر من لهبها كالقصر, قال ابن مسعود : كالحصون, وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم: يعني أصول الشجر "كأنه جمالة صفر" أي كالإبل السود, قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير , وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : "جمالة صفر" يعني حبال السفن, وعنه أعني ابن عباس : "جمالة صفر" قطع نحاس, وقال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ,حدثنا يحيى أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما "إنها ترمي بشرر كالقصر" قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للبناء فنسميه القصر "كأنه جمالة صفر" حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال "ويل يومئذ للمكذبين" ثم قال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون" أي لا يتكلمون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون" أي لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون, وعرصات القيامة حالات, والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحالة تارة, ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذ, ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام: "ويل يومئذ للمكذبين".
وقوله تعالى: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين" يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقوله تعالى: "فإن كان لكم كيد فكيدون" تهديد شديد ووعيد أكيد أي إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك كما قال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد قال تعالى: "ولا تضرونه شيئاً" وفي الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني".
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي , حدثنا محمد بن فضيل , حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن حسان بن أبي المخارق , عن أبي عبد الله الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي, ويقول الله: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" اليوم لا ينجو مني جبار عنيد, ولا شيطان مريد, فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذ أنها تخرج عنق من النار فتنطلق, حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت: أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه لا يغيبهم عني وزر ولا تخفيهم عني خافية, الذي جعل مع الله إلهاً آخر, وكل جبار عنيد وكل شيطان مريد, فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة.
ثم وصف سبحانه هذا الظل تهكماً بهم فقال: 31- "لا ظليل ولا يغني من اللهب" أي لا يظل من الحر ولا يغني من اللهب. قال الكلبي: لا يرد حر جهنم عنكم.
ثم وصف ذلك الظل فقال عز وجل: 31- "لا ظليل" لا يظل من الحر، "ولا يغني من اللهب"، قال الكلبي: لا يرد لهب جهنم عنكم، والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب.
31-" لا ظليل " تهكم بهم ورد لما أوهم لفظ الـ" ظل " . " ولا يغني من اللهب " وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئاً .
31. (Which yet is) no relief nor shelter from the flame.
31 - (Which yields) no shade of coolness, and is of no use against the fierce Blaze.