[الإنسان : 18] عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا
18 - (عينا) بدل من زنجبيلا (فيها تسمى سلسبيلا) يعني أن ماءها كالزنجبيل الذي تستلذ
وقوله : " عينا فيها تسمى سلسبيلا " يقول تعالى ذكره : عيناً في الجنة تسمى سلسبيلاً ، قيل : عني بقوله سلسبيلاً ، سلسة منقاداً ماؤها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " عينا فيها تسمى سلسبيلا " : عيناً سلسة مستقيداً ماؤها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " تسمى سلسبيلا " ، قال : سلسة يصرفونها حيث شاءوا .
وقال آخرون : عني بذلك أنها شديدة الجرية .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " عينا فيها تسمى سلسبيلا " قال : حديدة الجرية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : سلسلة الجرية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " عينا فيها تسمى سلسبيلا " حديدة الجرية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه ، فقال بعض نحويي البصرة ، قال بعضهم : إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل ، وقال بعضهم : إنما أراد عيناً تسمى سلسبيلاً : أي تسمى من طيبها السلسبيل : أي توصف للناس كما تقول : الأعوجي والأرحبي والمهري من الإبل ، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى ، لأن القرآن نزل على كلام العرب ، قال : وأنشدني يونس :
صفراء من نبع يسمى سهمها من طول ما صرع الصيود الصيب
فرفع الصيب لأنه لم يرد أن يسمى بالصيب ، إنما الصيب من صفة الاسم والسهم ، وقوله : ( يسمى سهمها ) أي يذكر سهمها ، قال : وقال بعضهم : لا ، بل هو اسم العين ، وهو معروفة ، ولكنه لما كان رأس آية ، وكان مفتوحاً ، زيدت فيه الألف ، كما قال : كانت قواريرا ، وقال بعض نحويي الكوفة : السلسبيل : نعت أراد به سلس في الحلق ، فلذلك حري أن تسمى بسلاستها .
وقال آخرون ، ومنهم ذكروا أن السلسبيل اسم للعين ، وذكروا أنه صفة للماء وعذوبته ، قال : ونرى أنه لو كان اسماً للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر ، ولم نر أحداً ترك إجراؤها وهو جائر في العربية، لأن العرب تجري ما لا يجري في الشعر ، كما قال متمم بن نويرة :
فما وجد أظآر ثلاث روائم رأين مخراً من حوار ومصرعا
فأجرى روائم ، وهي مما لا يجرى .
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله " تسمى سلسبيلا " صفة للعين ، وصفت بالسلاسة في الحلق ، وفي حال الجري ، وانقيادها لأهل الجنة يصرفونها حيث شاءوا ، كما قال مجاهد و قتادة ، وإنما عني بقوله " تسمى " : توصف .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله " سلسبيلا " صفة لا اسم .
قوله تعالى :" عينا" بدل من كأس. ويجوز ان ينتصب بإضمار فعل يسقون عيناً. ويجوز نصبه بإسقاط الخافض أي من عين على ما تقدم في قوله تعالى: " عينا يشرب بها عباد الله". " فيها" أي في الجنة " تسمى سلسبيلا" السلسبيل الشراب اللذيذ، وهو فعلليل من السلالة، تقول العرب: هذا شراب سلس وسلسال وسلسل وسلسبيل بمعنى، أي طيب الطعم لذيذه. وفي الصحاح : وتسلسل الماء في الحلق جرى، وسلسلته أنا صببته فيه، وماء سلسل وسلسال: سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، والسلاسل بالضم مثله. وقال الزجاج: السلسبيل في اللغة: اسم لما كان في غاية السلاسة، فكأن العين سميت بصفتها. وعن مجاهد قال: سلسبيلاً: حديدة الجرية تسيل في حلوقهم انسلالاً. ونحوه عن ابن عباس : إنها الحديدة الجري. ذكره الماوردي، ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
وقال أبو العالية ومقاتل: إنما سميت سلسبيلاً، لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم، تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلىأهل الجنة. وقال قتادة : سلسلة منقاد ماؤها حيث شاؤوا. ونحوه عن عكرمة. قال القفال : أي تلك عين شريفة فسل سبيلاً إليها. وروي هذا عن علي رضي الله عنه. وقوله: (( تسمى)) أي إنها مذكورة عند الملائكة وعند الأبرار وأهل الجنة بهذا الاسم. وصرف سلسبيل، لأنه رأس آية، كقوله تعالى: " الظنونا" [ الأحزاب:10] و " السبيلا" [ الأحزاب:67].
يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى: "متكئين فيها على الأرائك" وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات, وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس, وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال. وقوله تعالى: "لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً" أي ليس عندهم حر مزعج ولا برد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا "ودانية عليهم ظلالها" أي قريبة إليهم أغصانها "وذللت قطوفها تذليلاً" أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الاية الأخرى: "وجنى الجنتين دان" وقال جل وعلا: "قطوفها دانية" قال مجاهد : "وذللت قطوفها تذليلاً" إن قام ارتفعت معه بقدر, وإن قعد تذللت له حتى ينالها, وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى : "تذليلاً" وقال قتادة : لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد, وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها من المسك, وأصول شجرها من ذهب وفضة, وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك, فمن أكل منها قائماً لم تؤذه, ومن أكل منها قاعداً لم تؤذه, ومن أكل منها مضطجعاً لم تؤذه.
وقوله جلت عظمته: "ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب" أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم, وقوله " قواريرا * قوارير من فضة " فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير, والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا: "قوارير من فضة"
قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج, فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها, وهذا مما لا نظير له في الدنيا, قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم : وقوله تعالى: "قدروها تقديراً" أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة حسب ري صاحبها, وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى , وعبد الله بن عبيد الله بن عمير والشعبي وابن زيد , وقاله ابن جرير وغير واحد, وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة, وقال العوفي عن ابن عباس "قدروها تقديراً" قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس , وقال الضحاك , على قدر كف الخادم, وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.
وقوله تعالى: "ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً" أي ويسقون يعني الأبرار أيضاً في هذه الأكواب "كأساً" أي خمراً "كان مزاجها زنجبيلاً" فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد, وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر, وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة, وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قال قتادة وغير واحد: وقد تقدم قوله جل وعلا "عيناً يشرب بها عباد الله" وقال ههنا: "عيناً فيها تسمى سلسبيلاً" أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً, وقال عكرمة : اسم عين في الجنة, وقال مجاهد : سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها, وقال قتادة : "عيناً فيها تسمى سلسبيلاً" عين سلسة مستقيد ماؤها, وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال.
وقوله تعالى: " ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا " أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة "مخلدون" أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن, ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك, لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً" أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً, ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. وقال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.
وقوله جل وعلا: "وإذا رأيت" أي وإذا رأيت يا محمد "ثم" أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور "رأيت نعيماً وملكاً كبيراً" أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطاناً باهراً. وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لاخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها. وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى ؟ " وقد روى الطبراني ههنا حديثاً غريباً جداً فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز , حدثنا محمد بن عمار الموصلي , حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال: " جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل واستفهم فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة, أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة ؟ قال: نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله, ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته ونزلت هذه السورة " هل أتى على الإنسان حين من الدهر" إلى قوله " ملكا كبيرا " فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال : نعم فاستبكى حتى فاضت نفسه " . قال ابن عمر : ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده.
وقوله جل جلاله: " عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق " أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم, والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس "وحلوا أساور من فضة" وهذه صفة الأبرار, وأما المقربون فكما قال تعالى: "يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير" ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً" أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة, كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين, فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى, ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم, فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن. وقوله تعالى: "إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً" أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وإحساناً إليهم كما قال تعالى: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" وكقوله تعالى: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" وقوله تعالى: "وكان سعيكم مشكوراً" أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير.
18- "عينا فيها تسمى سلسبيلاً" انتصاب عينا على أنها بدل من كأساً. ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مقدر: أي يسقون عينا، ويجوز أن تكون منصوبة بنزع الخافض: أي من عين، والسلسبيل: الشراب اللذيذ، مأخوذ من السلاسة، تقول العرب: هذا شراب سلس، وسلسال وسلسبيل: أي طيب لذيذ. قال الزجاج: السلسبيل في اللغة اسم لماء في غاية السلاسة حديد الجرية يسوغ في حلوقهم، ومنه قول حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم كأساً يصفق بالرحيق السلسل
18- "عيناً فيها تسمى سلسبيلاً"، قال قتادة: سلسلة منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا، وقال مجاهد: حديدة شديدة الجرية. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجاج: سميت سلسبيلاً لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق، ومعنى قوله: "تسمى" أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلاً صفة لا اسم.
18-" عيناً فيها تسمى سلسبيلاً " لسلاسة انحدارها في الحق وسهولة مساغها ، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ، ولذلك حكم بزيادة الباء والمراد به أن ينفي عنها لذع الزنجبيل ويصفها بنقيضه ، وقيل أصله سل سبيلا فسميت به كتأبط شراً لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلاً بالعمل الصالح .
18. The water of a spring therein, named Salsabil.
18 - A fountain there, called Salsabil.