[القيامة : 11] كَلَّا لَا وَزَرَ
11 - (كلا) ردع عن طلب الفرار (لا وزر) لا ملجأ يتحصن به
يقول تعالى ذكره " كلا لا وزر " يقول جل ثناؤه : ليس هناك فرار ينفع صاحبه ، لأنه لا ينجيه فراره ، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل ، من أمر الله الذي قد حضر ، وهو الوزر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله " كلا لا وزر " يقول : لا حرز .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " كلا لا وزر " يعني : لا حصن ، ولا ملجأ .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا إبراهيم بن طريف ، قال : سمعت مطرف بن الشخير يقرأ " لا أقسم بيوم القيامة " فلما أتى على " كلا لا وزر " قال : هو الجبل ، إن الناس إذا فروا قالوا عليك بالوزر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة عن أدهم ، قال : سمعت مطرفاً يقول : " كلا لا وزر " قال : كلا لا جبل .
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة عن الحسن قال : " كلا لا وزر " قال : لا جبل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " كلا لا وزر " قال : كانت العرب تخيف بعضها البعض ، قال : كان الرجلان يكونان في ماشيتهما ، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل ، فيقول أحدهما لصاحبه : يا فلان الوزر الوزر ، الجبل الجبل .
حدثني أبو حفص الحيري ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا أبو مودود ، عن الحسن ، في قوله " كلا لا وزر " قال : لا جبل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي مودود ، قال : سمعت الحسن ، فذكر نحوه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " لا وزر " لا ملجأ ولا جبل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " كلا لا وزر " لا جبل ولا حرز ولا منجى ، قال الحسن : كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدواً قالوا : عليكم الوزر ، أي عليكم الجبل .
حدثنا محمد بن عبيد ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن سفيان عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة " كلا لا وزر " قال : لا حصن .
حدثنا أحمد بن هشام ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة بمثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب عن أبي قلابة ، مثله .
قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا مسلم بن طهمان ، عن قتادة في قوله " لا وزر " يقول : لا حصن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لا وزر " قال : لا جبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن مولى للحسن ، عن سعيد بن جبير " لا وزر " : لا حصن .
قال : ثنا وكيع ، عن أبي حجير ، عن الضحاك ، لا حصن .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " كلا لا وزر " يعني : الجبل بلغة حمير .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد ، في قوله " كلا لا وزر " قال : لا متغيب يتغيب فيه من ذلك الأمر ، لا منجى له منه .
قوله تعالى:" كلا " أي لا مفر فـ((كلا)) رد وهو من قول الله تعالى، ثم فسر هذا الرد فقال: " لا وزر" أي لا ملجأ من النار. وكان ابن مسعود يقول: لاحصن. وكان الحسن يقول: لا جبل. وابن عباس يقول: لا ملجأ. وابن جبير: لا محيص ولامنعة. المعنى في ذلك كله واحد. والوزر في اللغة: ما يلجأ اليه من حصن او جبل اوغيرهما، قال الشاعر:
لعمري ما للفتى من وزر من الموت يدركه والكبر
قال السدي : كانوا في الدنيا اذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم : لا وزر يعصمكم يومئذ مني، قال طرفة:
ولقد تعلم بكر اننا فاضلوا الرأي وفي الروع وزر
قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي. والمقسم عليه ههنا هو إثبات المعاد والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد ومن عدم بعث الأجساد, ولهذا قال تعالى: " لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة " قال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة, وقال قتادة : بل أقسم بهما جميعاً, هكذا حكاه ابن أبي حاتم : وقد حكى ابن جرير عن الحسن والأعرج أنهما قرءا "لا أقسم بيوم القيامة " وهذا يوجه قول الحسن لأنه أثبت القسم بيوم القيامة ونفى القسم بالنفس اللوامة, والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً كما قاله قتادة رحمه الله, وهو المروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير , واختاره ابن جرير , فأما يوم القيامة فمعروف وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الاية: إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه. ما أردت بكلمتي, ما أردت بأكلتي, ما أردت بحديث نفسي, وإن الفاجر يمضي قدماً ما يعاتب نفسه, وقال جويبر : بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله: "ولا أقسم بالنفس اللوامة" قال: ليس أحد من أهل السموات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم عن إسرائيل عن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله: "ولا أقسم بالنفس اللوامة" قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن إسرائيل به, وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا مؤمل , حدثنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير في قوله: "ولا أقسم بالنفس اللوامة" قال: تلوم على الخير والشر, ثم رواه من وجه آخر عن سعيد أنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال: هي النفس اللؤوم, وقال علي بن أبي نجيح عن مجاهد تندم على ما فات وتلوم عليه, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : اللوامة المذمومة, وقال قتادة "اللوامة" الفاجرة. وقال ابن جرير : وكل هذه الأقوال متقاربة بالمعنى والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.
وقوله تعالى: " أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه " أي يوم القيامة أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة "بلى قادرين على أن نسوي بنانه" وقال سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس : أن نجعله خفاً أو حافراً, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وابن جرير , ووجهه ابن جرير بأنه تعالى لو شاء لجعل ذلك في الدنيا, والظاهر من الاية أن قوله تعالى: "قادرين" حال من قوله تعالى: "نجمع" أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بل سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه أي قدرتنا صالحة لجمعها, ولو شئنا بعثناه أزيد مما كان فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية, وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج . وقوله: "بل يريد الإنسان ليفجر أمامه" قال سعيد عن ابن عباس : يعني يمضي قدماً, وقال العوفي عن ابن عباس "ليفجر أمامه" يعني الأمل, يقول الإنسان أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة, ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة. وقال مجاهد "ليفجر أمامه" ليمضي أمامه راكباً رأسه, وقال الحسن : لا يلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدماً قدماً إلا من عصمه الله تعالى, وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والسدي وغير واحد من السلف: هو الذي يعجل الذنوب ويسوف التوبة, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو الكافر يكذب بيوم الحساب, وكذا قال ابن زيد وهذا هو الأظهر من المراد, ولهذا قال بعده " يسأل أيان يوم القيامة " أي يقول متى يكون يوم القيامة وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده كما قال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون".
وقال تعالى ههنا: "فإذا برق البصر" قرأ أبو عمرو بن العلاء برق بكسر الراء أي حار, وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى: "لا يرتد إليهم طرفهم" أي بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا لا يستقر لهم بصر على شيء من شدة الرعب, وقرأ آخرون برق بالفتح وهو قريب في المعنى من الأول, والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور. وقوله تعالى: "وخسف القمر" أي ذهب ضوؤه "وجمع الشمس والقمر" قال مجاهد : كورا, وقرأ ابن زيد عند تفسير هذه الاية " إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت " وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " وجمع الشمس والقمر ". وقوله تعالى: "يقول الإنسان يومئذ أين المفر" أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة حينئذ يريد أن يفر ويقول أين المفر أي هل من ملجأ أو موئل, قال الله تعالى: " كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر " قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف: أي لا نجاة, وهذه الاية كقوله تعالى: " ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير " أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه, وكذا قال ههنا: "لا وزر" أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه, ولهذا قال: "إلى ربك يومئذ المستقر" أي المرجع والمصير.
ثم قال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها, أولها وآخرها, صغيرها وكبيرها, كما قال تعالى: "ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً" وهكذا قال ههنا: " بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره " أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر, وكما قال تعالى: "اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "بل الإنسان على نفسه بصيرة" يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه. وقال قتادة : شاهد على نفسه وفي رواية قال: إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم غافلاً عن ذنوبه. وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوباً يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك وتترك الجذل في عينك لا تبصره!.
وقال مجاهد : "ولو ألقى معاذيره" ولو جادل عنها فهو بصير عليها. وقال قتادة " ولو ألقى معاذيره" ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه. وقال السدي "ولو ألقى معاذيره" حجته. وكذا قال ابن زيد والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير . وقال قتادة عن زرارة عن ابن عباس "ولو ألقى معاذيره" يقول: لو ألقى ثيابه. وقال الضحاك : ولو ألقى ستوره وأهل اليمن يسمون الستر العذار. والصحيح قول مجاهد وأصحابه كقوله تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" وقال العوفي عن ابن عباس "ولو ألقى معاذيره" هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال "لا ينفع الظالمين معذرتهم" وقال "وألقوا إلى الله يومئذ السلم" "فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء" وقولهم "والله ربنا ما كنا مشركين".
11- "كلا لا وزر" أي لا جبل ولا حصن ولا ملجأ من الله. وقال ابن جبير: لا محيص ولا منعة. والوزر في اللغة: ما يلجأ إليه الإنسان من حصن، أو جبل أو غيرهما، ومنه قول طرفة:
ولقــد تعــلم بكـر أنـنــا فاضلوا الرأي وفي الروع وزر
وقال آخر:
لعمري ما للفتى من وزر من الـموت يدرك والكـبز
قال السدي: كانوا إذا فزعوا في الدنيا تحصنوا بالجبال، فقال لهم الله: لا وزر يعصمكم مني يومئذ، وكلا للردع، أو لنفي ما قبلها، أو بمعنى حقاً.
قال الله تعالى: 11- "كلا لا وزر"، لا حصن ولا حرز ولا ملجأ. وقال السدي: لا جبل وكانوا إذا فزعوا لجؤوا إلى الجبل فتحصنوا به. فقال الله تعالى: لا جبل يومئذ يمنعهم.
11-" كلا " ردع عن طلب المفر . " لا وزر " لا ملجأ مستعار من الحبل واشتقاقه من الوزر وهو الثقل .
11. Alas! No refuge!
11 - By no means! No place of safety!