[المدثر : 38] كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
38 - (كل نفس بما كسبت رهينة) مرهونة مأخوذة بعملها في النار
يقول تعالى ذكره كل نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا ، رهينة في جهنم " إلا أصحاب اليمين " فإنهم غير مرتهنين ، ولكنهم " في جنات يتساءلون " عن المجرمين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " كل نفس بما كسبت رهينة " يقول : مأخوذة بعملها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " قال : غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " قال : لا يحاسبون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم ، ولكن يغفرها الله لهم ، وقرأ قول الله : " إلا عباد الله المخلصين " [ الصافات : 40 ، 74 ، 128 ، 210 ] قال : لا يؤاخذهم الله بسيئ أعمالهم ، ولكن يغفر الله لهم ، ويتجاوز عنهم كما وعدهم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " كل نفس بما كسبت رهينة " قال : كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار ، لا يرتهن الله أحداً من أهل الجنة ، الم تسمع أنه قال : " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " يقول : ليسوا رهينة " في جنات يتساءلون " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " إلا أصحاب اليمين " قال : إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جعل منزله في النار يكون فيها رهناً وليس يرتهن أحد من أهل الجنة في جنات يتساءلون .
واختلفت أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هم أطفال المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن عثمان ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه في هذه الآية " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " قال : هم الولدان .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن زاذان أبي عمر عن علي رضي الله عنه في قوله " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " قال : هم أطفال المسلمين .
قوله تعالى:" كل نفس بما كسبت رهينة" أي مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، اما خلصها واما اوبقها. وليست((رهينة)) تأنيث رهين في قوله تعالى: " كل امرئ بما كسب رهين" [الطور:21] لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين، لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وانما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهين، ومنه بيت الحماسة:
ابعد الذي بالنعف نعف كويكب رهينة رمس ذي تراب وجندل
كأنه قال رهن رمس. والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك.
يقول تعالى مخبراً أن "كل نفس بما كسبت رهينة" أي معتقلة بعملها يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره "إلا أصحاب اليمين" فإنهم " في جنات يتساءلون * عن المجرمين " أي يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات قائلين لهم: " ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين " أي ما عبدنا الله ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا "وكنا نخوض مع الخائضين" أي نتكلم فيما لا نعلم. وقال قتادة : كلما غوى غاو غوينا معه " وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " يعني الموت كقوله تعالى: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هو ـ يعني عثمان بن مظعون ـ فقد جاءه اليقين من ربه" قال الله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" أي من كان متصفاً بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلاً, فأما من وافى الله كافراً يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالداً فيها, ثم قال تعالى: "فما لهم عن التذكرة معرضين" أي فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك مما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين " كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة " أي كأنهم في نفارهم عن الحق وإعراضهم عنه حمر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد, قاله أبو هريرة وابن عباس في رواية عنه وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن , أو رام, وهو رواية عن ابن عباس وهو قول الجمهور. وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس : الأسد بالعربية, ويقال له بالحبشية قسورة, وبالفارسية شير, وبالنبطية أوبا.
وقوله تعالى: " بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة " أي بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب كما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم, قاله مجاهد وغيره, كقوله تعالى: " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته " وفي رواية عن قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل, فقوله تعالى: " كلا بل لا يخافون الآخرة " أي إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها وتكذيبهم بوقوعها.
ثم قال تعالى: "كلا إنه تذكرة" أي حقاً إن القرآن تذكرة " فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله " كقوله: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ". وقوله تعالى: "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" أي هو أهل أن يخاف منه وهو أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب. قاله قتادة . وقال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب , أخبرني سهيل أخو حزم , حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" وقال :قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً كان أهلاً أن أغفر له" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب , و النسائي من حديث المعافى بن عمران , كلاهما عن سهيل بن عبد الله القطعي به, وقال الترمذي : حسن غريب وسهيل ليس بالقوي, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن هدبة بن خالد عن سهيل به, وهكذا رواه أبو يعلى والبزار والبغوي وغيرهم من حديث سهيل القطعي به. آخر تفسير سورة المدثر, ولله الحمد والمنة.
قوله: 38- "كل نفس بما كسبت رهينة" أي مأخوذة بعملها ومرتهنة به، إما خلصها وإما أوبقها، والرهينة اسم بمعنى الرهن، كالشيمة بمعنى الشيم، وليست صفة، ولو كانت صفة لقيل رهين، لأن فعيلاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمعنى: كل نفس رهن بكسبها غير مفكوكة.
38- "كل نفس بما كسبت رهينة"، مرتهنة في النار بكسبها مأخوذة بعملها.
38-" كل نفس بما كسبت رهينة " مرهونة عند الله مصدر كالشكيمة أطلقت للمفعول كالرهن ولو كانت صفة لقيل رهين .
38. Every soul is a pledge for its own deeds;
38 - Every soul will be (held) in pledge for its deeds.