[المزمل : 6] إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا
6 - (إن ناشئة الليل) القيام بعد النوم (هي أشد وطأ) موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن (وأقوم قيلا) أبين قولا
وقوله : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا " يعني جل وعز بقوله : إن ناشئة الليل : إن ساعات الليل ، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة ، قال : قلت لعبد الله بن أبي مليكة : ألا تحدثني أي الليل ناشئة ؟ قال : علي الثبت سقطت ، سألت عنها ابن عباس ، فزعم أن الليل كله ناشئة ، وسألت عنها ابن الزبير ، فأخبرني مثل ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " إن ناشئة الليل " قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " إن ناشئة الليل " نشأ : قام .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي ميسرة " إن ناشئة الليل " ، قال : نشأ : قام .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .
حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله " إن ناشئة الليل " قال : هو الليل كله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " إن ناشئة الليل " قال : إذا قمت من الليل فهو ناشئة .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إن ناشئة الليل " قال : قيام الليل ، قال : وأي ساعة من الليل قام فقد نشأ .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أي الليل قمت فهو ناشئة .
قال : ثنا مهران ، عن خارجة عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سألت ابن عباس ، وابن الزبير عن ناشئة الليل فقالا : كل الليل ناشئة ، فإذا نشأت قائماً فتلك ناشئة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إن ناشئة الليل " قال : أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إن ناشئة الليل " يعني الليل كله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي عامر الخزاز ، و نافع عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس في قوله : " إن ناشئة الليل " قال : الليل كله .
قال : ثنا وكيع ،عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة .
وقال آخرون : بل ذلك ما كان بعد العشاء ، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، في قوله : " إن ناشئة الليل " قال : ما بعد العشاء ناشئة .
قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، في قوله : " إن ناشئة الليل " قال : ما بعد العشاء الآخرة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إن ناشئة الليل " قال : ناشئة الليل : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : قال قتادة في قوله : " إن ناشئة الليل " قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
وقوله : " هي أشد وطئا " اختلفت قراء الأمصار في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة " أشد وطئا " بفتح الواو وسكون الطاء وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام ( وطاء ) بكسر الواو ومد الألف على أنه مصدر من قول القائل : واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاءً .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
ويعني بقوله : " هي أشد وطئا " ناشئة الليل أشد ثباتاً من النهار وأثبت في القلب ، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار ، وحكي عن العرب وطئاً الليل وطئاً : إذا ساروا فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء ، وإن اختلفت عباراتهم في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " هي أشد وطئا " : أي أثبت في الخير ، وأحفظ في الحفظ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " هي أشد وطئا " قال : القيام بالليل أشد وطئاً : يقول : أثبت في الخير .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا " يقول : ناشئة الليل كانت صلاتهم أول الليل " هي أشد وطئا " يقول : هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام ، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا " قال : إن مصلي الليل القائم بالليل أشد وطئاً : طمأنينة أفرغ له قلباً ، وذلك أنه لا يعارض له حوائج ولا شيء .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " هي أشد وطئا " يقول : قراءة القرآن بالليل أثبت منه بالنهار ، وأشد مواطأة بالليل منه بالنهار .
وأما الذين قرءوا ( وطاء ) بكسر الواو ومد الألف ، فقد ذكرت الذي عنوا بقراءتهم ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " أشد وطئا " قال : أن تواطئ قلبك وسمعك وبصرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا " قال : تواطئ سمعك وبصرك وقلبك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " أشد وطئا " قال : مواطأة للقول ، وفراغاً للقلب .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " قال : أجدر أن تواطئ لك سمعك ، أن تواطئ لك بصرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " أشد وطئا " قال : أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " قال : يواطئ سمعك وبصرك وقليلك بعضه بعضاً .
وقوله : " وأقوم قيلا " يقول : وأصوب قراءة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : قرأ أنس هذه الآية ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا ) فقال له بعضه القوم : يا أبا حمزة إنما هي " أقوم قيلا " قال : أقوم وأصوب وأهيأ واحد .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا عبد الحميد الحماني ، عن الأعمش قال : قرأ أنس " وأقوم قيلا " وأصوب قيلاً ، قيل له يا أبا حمزة إنما هي ( وأقوم ) قال أنس : أصوب وأقوم وأهيأ واحد .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وأقوم قيلا " يقول : أدنى من أن تفقهوا القرآن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وأقوم قيلا " أحفظ للقراءة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وأقوم قيلا " قال : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا .
قوله تعالى :" إن ناشئة الليل " قال العلماء: ناشئة الليل أي اوقاته وساعاته، لأن اوقاته تنشأ أولاً فأولاً، يقال: نشأ الشيء ينشأ : اذا ابتدأ وأقبل شيئاً بعد شيء، فهو ناشئ وأنشأ الله فنشأ، ومنه نشأت السحابة اذا بدأت وانشأها الله، بناشئة : فاعلة من نشأت تنشأ فهي ناشئة، ومنه قوله تعالى: " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " [ الزخرف: 18] والمراد ان ساعات الليل الناشئة، فاكتفي بالوصف عن الاسم، فاتأنيث للفظ ساعة، لأن كل ساعة تحدث. وقيل : الناشئة مصدر بمعنى قيام الليل الخاطئة والكاذبة، أي ان نشأة الليل هي اشد وطأ. وقيل: ان ناشئة الليل قيام الليل. ابن مسعود الحبشة يقولون: نشأ أي قام. فلعله اراد ان الكلمة عربية، ولكنها شائعة في كلام الحبشة، غالبة عليهم، والا فليس في القرآن ما ليس في لغة العرب. وقد تقدم بيان هذا في مقدمه الكتاب مستوفى.
الثانية - بين تعالى في هذه الآية فضل صلاة الليل على صلاة النهار، وان الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما امكن، اعظم للأجر ، واجلب للثواب.
واختلف العلماء في المراد بناشئة الليل، فقال ابن عمروانس بن مالك : هو ما بين المغرب والعشاء، تمسكاً بان لفظ نشأ يعطي الابتداء، فكان بالأولية أحق، ومنه قول الشاعر:
ولو لا ان يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار
وكان علي بن الحسين يصلي بين المغرب والعشاء ويقول: هذا ناشئة الليل. وقال عطاء وعكرمة : انه بدء الليل. وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هي الليل كله، لأنه ينشأ بعد النهار، وهو الذي اختاره مالك بن انس. قال ابن العربي : وهو الذي يعطيه اللفظ وتقتضيه اللغة. وقالت عائشة وابن عباس أيضاً ومجاهد: انما الناشئة القيام بالليل بعد النوم. ومن قام اول الليل قبل النوم فما قام ناشئة. فقال يمان وابن كيسان: هو القيام من آخر الليل. وقال ابن عباس : كانت صلاتهم اول الليل. وذلك ان الإنسان اذا نام لا يدري متى يستيقظ. وفي الصحاح: وناشئة الليل اول ساعاته. وقال القتبي: انه ساعات الليل، لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة. وعن الحسن ومجاهد: هي ما بعد العشاء الآخرة الى الصبح. وعن الحسن ايضاً: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة ويقال : ما ينشأ في الليل من الطاعات، حكاه الجوهري.
الثالثة - قوله تعالى:" هي أشد وطئا" قرأ ابو العالية وابو عمرو وابن اسحاق ومجاهد وحميد وابن محيصن وابن عامر والمغيرة وابو حيوة ((وطاء ) بكسر الواو وفتح الطاء والمد، واختاره ابو عبيد. الباقون: (( وطأ)) بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، واختاره ابو حاتم، من قولك : استدت على القوم وطأة سلطانهم. أي ثقل عليهم ما حملهم من المؤن، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"(( اللهم اشدد وطأتك على مضر)) " فالمعنى انها اثقل على المصلي من ساعات النها. وذلك ان الليل وقت منام وتودع واجمام، فمن شغله بالعبادة فقد تحمل المشقة العظيمة. ومن مد فهو مصدر واطأت وطاء ومواطأة أي وافقته. ابن زيد: واطأته على الأمر مواطأة: اذا وفقته من الوفاق، وفلان يواطىء اسمه اسمي، وتواطأوا عليه أي توافقوا، فالمعنى اشد موافقة بين القلب والبصر والسمع واللسان، لانقطاع الأصوات والحركات، قاله مجاهد وابن ابي مليكه وغيرهما. وقال ابن عباس بمعناه، أي يواطئ السمع القلب، قال الله تعالى : " ليواطئوا عدة ما حرم الله " [ التوبة: 37] أي ليوافقوا. وقيل : المعنى اشد مهادا للتصرف في التفكر والتدبر. والوطاء خلاف الغطاء. وقيل: (( أشد وطأ)) بسكون الطاء وفتح الواو أي اشد ثباتاً من النهار، فإن الليل يخلو فيه الإنسان بما يعمله، فيكون ذلك اثبت للعمل وانفى لما يلهي ويشغل القلب. والوطء الثبات، تقول: وطئت الأرض بقدمي. وقال الأخفش : اشد قياما. الفراء: اثبت قراءة وقياماً وعنه: " أشد وطئا" أي اثبت للعمل وادوم لمن اراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت فراغ عن اشتغال المعاش، فعبادته تدوم ولا تنقطع. وقال الكلبي: " أشد وطئا" أي اشد نشاطاً للمصلي، لأنه في زمان راحته. وقال عبادة: (( أشد وطأ)) أي نشاطاً للمصلي واخف واثبت للقراءة.
الرابعة - قوله تعالى : " وأقوم قيلا" أي القراءة بالليل اقوم منها بالنهار، أي اشد استقامة واستمرارا على الصواب، لأن الأصوات هادئة، والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه. قال قتادة ومجاهد: أي اصوب للقراءة واثبت للقول، لأنه زمان التفهم. وقال ابو علي: (( اقوم قيلا)) أي اشد استقامة لفراغ البال بالليل. وقيل: أي اعجل اجابة للدعاء. حكاه ابن شجرة. وقال عكرمة : عبادة اللليل اتم نشاطاً، وتم اخلاصاً،وكثر بركة. وعن زيد بن اسلم: اجدر ان يفقه في القرآن. وعن الأعمش قال : قرأ انس بن مالك (( ان ناشئة الليل هي اشد وطأ وأصوب قيلا)) فقيل له: (( واقوم قيلا)) فقال :أقوم واصوب وأهيأ سواء. قال ابو بكر الأنباري: وقد ترامى ببعض هؤلاء الزائغين الى ان قال : من قرأ بحرف يوفق معنى حرف من القرآن فهو مصيب، اذا لم يخالف معنى ولم يأت بغير ما أراد الله وقصد له، واحتجوا بقول انس هذا. وهو قول لا يعرج عليه ولا يلتفت الى قائله، لأنه لو قرأ بالفاظ تخالف الفاظ القرآن اذا قاربت معانيها واشتملت على عامتها، لجاز ان يقرأ في موضع" الحمد لله رب العالمين" [ الفاتحة:2]: الشكر للباري ملك المخلوقين، ويتسع الأمر في هذا حتى يبطل لفظ جميع القرآن، ويكون التالي له مفترياً على الله عز وجل، كاذباً على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا حجة لهم في قول ابن مسعود : نزل القرآن على سبعة احرف، انما هو كقول احدكم : هلم وتعال واقبل، لأن هذا الحديث يوجب القراءات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفت يوجب ان القراءات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاج عن النبي صلى الله عليه وسلم اذا اختلفت الفاظها، واتفقت معانيها، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في هلم، وتعال، وأقبل فأما ما لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم رضي الله عنهم، فإنه من أورد حرفاً منه في القرآن بهت ومال وخرج من مذهب الصواب. قال ابو بكر : و الحديث الذي جعلوه قاعدتهم في الضلالة حديث لا يصح عن احد من اهل العلم، لأنه مبني على رواية الأعمش عن انس، فهو مقطوع ليس بمتصل فيؤخذ به، من قبل ان الأعمش رأى انساً ولم يسمع منه.
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل وهو التغطي في الليل وينهض إلى القيام لربه عز وجل كما قال تعالى: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون" وكذلك كان صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل, وقد كان واجباً عليه وحده كما قال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وههنا بين له مقدار ما يقوم فقال تعالى: "يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً" قال ابن عباس والضحاك والسدي "يا أيها المزمل" يعني يا أيها النائم. وقال قتادة : المزمل في ثيابه. وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة, وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يا أيها المزمل" قال: يا محمد زملت القرآن وقوله تعالى: "نصفه" بدل من الليل "أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه" أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل لاحرج عليك في ذلك.
وقوله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلاً" أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه, قالت عائشة رضي الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مداً ثم قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم. وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية "بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عبد الله بن عمرو " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لقارىء القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سفيان الثوري به, وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة كما جاء في الحديث "زينوا القرآن بأصواتكم" و "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" و "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود" يعني أبا موسى, فقال أ بو موسى : لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً: وعن ابن مسعود أنه قال: لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر, قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة, رواه البغوي . وقال البخاري : حدثنا آدم , حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة : سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة. فقال هذاً كهذ الشعر لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن, فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة. وقوله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" قال الحسن وقتادة : أي العمل به وقيل: ثقيل وقت نزوله من عظمته, كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فكادت ترض فخذي.
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: " يا رسول الله هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض" تفرد به أحمد . وفي أول صحيح البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي ؟ فقال: أحياناً يأتي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال, وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول" قالت عائشة : " ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً " , هذا لفظه. وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود , أخبرنا عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها " , وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها, فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه " وهذا مرسل, الجران هو باطن العنق, واختار ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معاً, كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين.
وقوله تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " قال أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : نشأ, قام بالحبشية, وقال عمر وابن عباس وابن الزبير : الليل كله ناشئة, وكذا قال مجاهد وغير واحد, يقال نشأ إذا قام من الليل وفي رواية عن مجاهد : بعد العشاء, وكذا قال أبو مجلز وقتادة وسالم وأبو حازم ومحمد بن المنكدر : والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته وكل ساعة منه تسمى ناشئة وهي الانات, والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة, ولهذا قال تعالى: " هي أشد وطئا وأقوم قيلا " أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار, لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش, وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري , حدثنا أبو أسامة , حدثنا الأعمش أن أنس بن مالك قرأ هذه الاية " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " فقال له رجل: إنما نقرؤها وأقوم قيلاً, فقال له: إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد.
ولهذا قال تعالى: "إن لك في النهار سبحاً طويلاً" قال ابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي مسلم : الفراغ والنوم, وقال أبو العالية ومجاهد وأبو مالك والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وسفيان الثوري : فراغاً طويلاً. وقال قتادة : فراغاً وبغية ومتقلباً. وقال السدي "سبحاً طويلاً" تطوعاً كثيراً. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: "إن لك في النهار سبحاً طويلاً" قال: لحوائجك فأفرغ لدينك الليل, قال وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ثم إن الله تبارك وتعالى من على عباده فخففها ووضعها وقرأ "قم الليل إلا قليلاً" إلى آخر الاية ثم قرأ " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه " وقال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وهذا الذي قاله كما قاله.
والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى , حدثنا سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى , عن سعيد بن هشام أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها, ويجعله في الكراع والسلاح ثم يجاهد الروم حتى يموت, فلقي رهطاً من قومه فحدثوه أن رهطاً من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أليس لكم في أسوة حسنة ؟" فنهاهم عن ذلك فأشهدهم على رجعتها, ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم, قال: ائت عائشة فسلها ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك. قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً فأبت فيها إلا مضياً, فأقسمت عليه فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم وعرفته قال: نعم. قالت: من هذا الذي معك ؟ قال: سعيد بن هشام . قالت: من هشام ؟ قال: ابن عامر . قالت: فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامراً. قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن, فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ هذه السورة "يا أيها المزمل" ؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم, وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً, ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة.
فهممت أن أقوم ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثمان ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند الثامنة, فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ثم ينهض وما يسلم, ثم يقول ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده ثم يدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا, ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم, فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني, فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم فتلك تسع يا بني, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها, وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أومرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة, ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة, هكذا رواه الإمام أحمد بتمامه وقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث قتادة بنحوه.
(طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها في هذا المعنى) قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا زيد بن الحباب , وحدثنا ابن حميد , حدثنا مهران قالا جميعاً, واللفظ لابن وكيع عن موسى بن عبيدة , حدثني محمد بن طحلاء عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب, وكان بهم رحيماً, فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال: "أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه" ونزل القرآن " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه " حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق, فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل. ورواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف, والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة وليس كذلك, وإنما هي مكية وقوله في هذا السياق إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر غريب, فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن سماك الحنفي , سمعت ابن عباس يقول: أول ما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان, وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة, وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي أسامة به, وقال الثوري ومحمد بن بشر العبدي , كلاهماعن مسعر عن سماك عن ابن عباس كان بينهما سنة, وروى ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مثله.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن قيس بن وهب عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت "يا أيها المزمل" قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم و سوقهم حتى نزلت " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: فاستراح الناس. وكذا قال الحسن البصري والسدي . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري , حدثنا معاذ بن هشام , حدثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال: فقلت يعني لعائشة أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ "يا أيها المزمل" قلت بلى, قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهراً ثم نزل, وقال معمر عن قتادة "قم الليل إلا قليلاً" قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم, فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد هو ابن جبير قال: لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم "يا أيها المزمل" قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره, وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله تعالى عليه بعد عشر سنين " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن رافع عن يعقوب القمي به.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً" فشق ذلك على المؤمنين ثم خفف الله تعالى عنهم ورحمهم فأنزل بعد هذا " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه " فوسع الله تعالى وله الحمد ولم يضيق, وقوله تعالى: "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" أي أكثر من ذكره وانقطع إليه وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك كما قال تعالى: "فإذا فرغت فانصب" أي إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته وعبادته لتكون فارغ البال, قاله ابن زيد بمعناه أو قريب منه, قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح وعطية والضحاك والسدي "وتبتل إليه تبتيلاً" أي أخلص له العبادة, وقال الحسن : اجتهد وأبتل إليه نفسك. وقال ابن جرير : يقال للعابد متبتل, ومنه الحديث المروي: نهى عن التبتل يعني الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج. وقوله تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو, وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلاً كما قال تعالى في الاية الأخرى: "فاعبده وتوكل عليه" وكقوله: "إياك نعبد وإياك نستعين" وآيات كثيرة في هذا المعنى فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله وتخصيصه بالتوكل عليه.
6- "إن ناشئة الليل" أي ساعاته وأوقاته، لأنها تنشأ أولاً فأولاً، يقال نشأ الشيء ينشأ: إذا ابتدأ وأقبل شيئاً بعد شيء فهو ناشئ، وأنشأه الله فنشأ، ومنه نشأت السحاب: إذا بدأت، فناشئة فاعلة من نشأ ينشأ فهي ناشئة. قال الزجاج: نائشة الليل كل ما نشأ منه: أي حدث، فهو ناشئة، قال الواحدي: قال المفسرون: الليل كله ناشئة، والمراد أن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف. وقيل إن ناشئة الليل هي النفس التي ننشأ من مضجعها للعبادة: أي تنهض، من نشأ من مكانه: إذا نهض. وقيل الناشئة بالحبشية قيام الليل، وقيل إنما يقال لقيام الليل نائشة إذا كان بعد نوم. قال ابن الأعرابي: إذا نمت من أول الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة، ومنه ناشئة الليل. وقيل وناشئة الليل هي ما بين المغرب والعشاء، لأن معنى نشأ ابتدأ، ومنه قول نصيب:
ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشء الصغارا
قال عكرمة وعطاء: إن ناشئة الليل بدو الليل. وقال مجاهد وغيره: هي في الليل كله، لأنه ينشأ بعد النهار، واختار هذا مالك. وقال ابن كيسان: هي القيام من آخر الليل. قال في الصحاح: نائشة الليل أول ساعاته. وقال الحسن: هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح " هي أشد وطئا " قرأ الجمهور " وطئا " بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، واختار هذه القراءة أبو حاتم، وقرأ أبو العالية وابن أبي إسحاق ومجاهد وأبو عمرو وابن عامر وحميد وابن محيصن والمغيرة وأبو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة، واختار هذه القراءة أبو عبيد فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار، لأن الليل للنوم. قال ابن قتيبة: المعنى أنها أثقل على المصلي من ساعات النهار، من قول العرب: اشتدت على القوم وطأ السلطان: إذا ثقل عليهم ما يلزمهم منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشدد وطأتك على مضر" والمعنى على القراءة الثانية أنها أشد مواطأة: أي موافقة، من قولهم: واطأت فلاناً على كذا مواطأة ووطاء: إذا وافقته عليه. قال مجاهد وابن أبي مليكة: أي أشد موافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها، ومنه: "ليواطئوا عدة ما حرم الله" أي ليوافقوا. وقال الأخفش: أشد قياماً. وقال الفراء: أي أثبت للعمل، وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش، فعبادته تدوم ولا تنقطع: وقال الكلبي: أشد نشاطاً "وأقوم قيلاً" أي وأشد مقالاً وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات، وأشد استقامة واستمراراً على الصواب، لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة فلا يضطرب على المصلي ما يقرأه. قال قتادة ومجاهد: أي أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم. قال أبو علي الفارسي: أقوم قليلاً: أي أشد استقامة لفراغ البال بالليل. قال الكلبي: أي أبين قولاً بالقرآن. وقال عكرمة: أي أتم نشاطاً وإخلاصاً وأكثر بركة. وقال ابن زيد: أجدر أن يتفقه في القرآن، وقيل أعجل إجابة للدعاء.
قوله عز وجل: 6- "إن ناشئة الليل"، أي: ساعاته كلها، وكل ساعة منه ناشئة، سميت بذلك لأنها تنشأ، أي: تبدو، ومنه: نشأت السحابة إذا بدت، فكل ما حدث بالليل وبدا فقد نشأ فهو ناشئ، والجمع ناشئة.
وقال ابن أبي مليكة: سألت ابن عباس وابن الزبير عنها، فقالا: الليل كله ناشئة.
وقال سعيد بن جبير وابن زيد: أي: ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش القيام، يقال: نشأ فلان أي: قام.
وقالت عائشة: الناشئة القيام بعد النوم.
وقال ابن كيسان: هي القيام من آخر الليل.
وقال عكرمة: هي القيام من أول الليل.
روي عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء، ويقول: هذه ناشئة الليل. وقال الحسن: كل صلاة بعد العشاء الآخرة فهي ناشئة من الليل.
وقال الأزهري: "ناشئة الليل": قيام الليل، مصدر جاء على فاعلة كالعافية بمعنى العفو.
" هي أشد وطئا "، قرأ ابن عامر، وأبو عمرو: وطاء بكسر الواو ممدوداً بمعنى المواطأة والموافقة، يقال: واطأت فلاناً مواطأة ووطئاً، إذا وافقته، وذلك أن مواطأة القلب والسمع والبصر واللسان، بالليل تكون أكثر مما يكون بالنهار.
وقرأ الآخرون: وطئاً بفتح الواو وسكون الطاء، أي: أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار، لأن الليل للنوم والراحة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشدد وطأتك على مضر".
وقال ابن عباس: كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطأ، يقول هي أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ.
وقال قتادة: أثبت في الخير وأحفظ للقراءة.
وقال الفراء: أثبت قياماً، أي: أوطأ للقيام وأسهل للمصلي من ساعات النهار، لأن النهار خلق لتصرف العباد، والليل للخلوة فالعبادة فيه أسهل. وقيل: أشد نشاطاً.
وقال ابن زيد: أفرغ له قلباً من النهار لأنه لا تعرض له حوائج.
وقال الحسن: أشد وطأ للخير وأمنع من الشيطان.
"وأقوم قيلاً"، وأصوب قراءة وأصح قولاً لهدأة الناس وسكون الأصوات.
وقال الكلبي: أبين قولاً / بالقرآن.
وفي الجملة: عبادة الليل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة وأبلغ في الثواب من عبادة النهار.
6-" إن ناشئة الليل " إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال :
نشأنا إلى خوص برانيها السرى وألصق منها مشرفات القماحد
أو قيام على أن الـ" ناشئة " له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث ، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى ، أو ساعاتها الأولى من نشأت إذا ابتدأت . " هي أشد وطئا " أي كلفة أو ثبات قدم ، وقرأ أبو عمرو و ابن عامر وطاء بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها ، أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص . " وأقوم قيلاً " أي وأسد مقالاً أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات .
6. Lo! the vigil of the night is (a time) when impression is more keen and speech more certain.
6 - Truly the rising by night is most potent for governing (the soul), and most suitable for (framing) the Word (of Prayer and Praise).