[الجن : 5] وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
5 - (وأنا ظننا أن) مخففة أي انه (لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) بوصفه بذلك حتى تبينا كذبهم بذلك
وقوله " وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً " يقول : قالوا : وأنا حسبنا لن تقول بنو آدم والجن على الله كذباً من القول ، والظن هاهنا بمعنى الشك ، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحداً يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن ، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولداً ، وغير ذلك من معاني الكفر ، كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر ، فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذباً في كل ذلك ، فلذلك قالوا " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا " فسموه سفيهاً .
قوله تعالى : " وأنا ظننا" أي حسبنا " أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا " فلذلك صدقناهم في أي أن لله صاحبة وولداً، حتى سمعنا القرآن وتبينا به الحق. وقرأ يعقوب والجحدري وابن الي اسحق "أن لن تقول ". وقيل : انقطع الإخبار عن الجن ها هنا فقال الله تعالى : " وأنه كان رجال من الإنس " فمن فتح وجعله من قول الجن ردها الى قول الجن ردها الى قوله: ((أنه استمع))، ومن كسر جعلها مبتدأ من قول الله تعالى. والمراد به ما كانوا يفعلونه من قول الرجل اذا نزل بواد: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، قاله الحسن وابن زيد وغيرهما. قالمقاتل : كان اول من تعوذ بالجن قوم من اهل اليمن، ثم من حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن, فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له, فقال تعالى: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد" أي إلى السداد والنجاح "فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً" وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تعالى: "وأنه تعالى جد ربنا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "جد ربنا" أي فعله وأمره وقدرته. وقال الضحاك عن ابن عباس : جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه, وروي عن مجاهد وعكرمة : جلال ربنا, وقال قتادة : تعالى جلاله وعظمته وأمره, وقال السدي : تعالى أمر ربنا: وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضاً وابن جريج : تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير : "تعالى جد ربنا" أي تعالى ربنا, فأما ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى , حدثنا سفيان عن عمرو , عن عطاء , عن ابن عباس , قال: الجد أب ولو علمت الجن أن في الإنس جداً ما قالوا تعالى جد ربنا, فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شيء والله أعلم.
وقوله تعالى: "ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد, أي قالت الجن: تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً" قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي "سفيهنا" يعنون إبليس "شططاً" قال السدي عن أبي مالك : "شططاً" أي جوراً, وقال ابن زيد : أي ظلماً كبيراً ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولداً, ولهذا قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا" أي قبل إسلامه "على الله شططاً" أي باطلاً وزوراً, ولهذا قالوا "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً" أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه, فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.
وقوله تعالى: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها, كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم, كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته, فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقاً أي خوفاً وإرهاباً وذعراً حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذاً بهم, كما قال قتادة "فزادوهم رهقاً" أي إثماً وازدادت الجن عليهم جراءة. وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي, قال قتادة : فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان , حدثنا وهب بن جرير , حدثنا أبي , حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي إثماً. وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم "رهقاً" أي خوفاً وقال العوفي عن ابن عباس "فزادوهم رهقاً" أي إثماً, وكذا قال قتادة وقال مجاهد : زاد الكفار طغياناً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي , حدثنا القاسم بن مالك ـ يعني المزني ـ عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فآوانا المبيت إلى راعي غنم, فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي جارك, فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" ثم قال: وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل, وهو ولد الشاة, كان جنياً حتى يرهب الإنسي ويخاف منه, ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله أعلم. وقوله تعالى: "وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً" أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولاً, قاله الكلبي وابن جرير .
5- " وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا " أي إنا حسبنا أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله بأن له شريكا وصاحبة لا وولداً، فلذلك صدقناهم في ذلك حتى سمعنا القرآن، فعلمنا بطلان قولهم وبطلان ما كنا نظنه بهم من الصدق، وانتصاب كذباً على أنه مصدر مؤكد ليقول، لأن الكذب نوع من القول، أو صفة لمصدر محذوف: أي قولاً كذباً. وقرأ يعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق أن لن تقول من التقول، فيكون على هذه القراءة كذباً مفعول به.
5- "وأنا ظننا"، حسبنا، "أن لن تقول الإنس والجن"، قرأ يعقوب " تقول " بفتح الواو وتشديدها، "على الله كذباً"، أي: كنا نظنهم صادقين في قولهم إن لله صاحبةً وولداً حتى سمعنا القرآن.
5-" وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً " اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك بظنهم أن أحداً لا يكذب على الله ، و " كذباً " نصب على المصدر لأنه نوع من القول أو الوصف المحذوف ، أي قولاً مكذوباً فيه ، ومن قرأ إن لن تقول كيعقوب جعله مصدراً لأن التقول لا يكون إلا " كذباً " .
5. And lo! we had supposed that humankind and jinn would not speak a lie concerning Allah
5 - But we do think that no man or spirit should say aught that is untrue against God.