[الجن : 26] عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا
26 - (عالم الغيب) ما غاب عن العباد (فلا يظهر) يطلع (على غيبه أحدا) من الناس
وقوله : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول " يعني بعالم الغيب : عالم ما غاب عن أبصار خلقه ، فلم يروه ، فلا يظهر على غيبه أحداً فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول " فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه ، وما يحكم الله ، فإنه لا يعلم ذلك غيره .
قوله تعالى : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " عالم الغيب " (( عالم)) رفعاً نعتاً لقوله ((ربي)). وقيل : أي هو " عالم الغيب" والغيب ما غاب عن العباد. وقد تقدم بيانه في أول سورة (( البقرة))" فلا يظهر على غيبه أحدا " فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه، لأنه الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وفي التنزيل : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" [ آل عمران: 49].
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد "قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً" أي مدة طويلة, وفي هذه الاية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسلام لا يؤلف تحت الأرض كذب لا أصل له, ولم نره في شيء من الكتب, وقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها, ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال: " يا محمد فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري فقال: " يا محمد متى الساعة ؟ قال: ويحك إنها كائنة فما أعددت لها ؟ قال: أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله قال: فأنت مع من أحببت" قال أنس : فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن مضاء , حدثنا محمد بن حمير , حدثني أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى, والذي نفسي بيده إنما توعدون لات". وقد قال أبو داود في آخر كتاب الملاحم: حدثنا موسى بن سهل , حدثنا حجاج بن إبراهيم , حدثنا ابن وهب , حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تعجز الله هذه الأمة من نصف يوم" انفرد به أبو داود ثم قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان , حدثنا أبو المغيرة , حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم" قيل لسعد : وكم نصف يوم ؟ قال: خمسمائة عام. انفرد به أبو داود .
وقوله تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلا من ارتضى من رسول" هذه كقوله تعالى: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" وهكذا قال ههنا إنه يعلم الغيب والشهادة وأنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه, ولهذا قال: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلا من ارتضى من رسول" وهذا يعم الرسول الملكي والبشري. ثم قال تعالى: "فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً" أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ويساوقونه على ما معه من وحي الله, ولهذا قال: "ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً" وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله: "ليعلم" إلى من يعود ؟ فقيل إنه عائد على النبي صلى الله عليه وسلم, وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل "ليعلم" محمد صلى الله عليه وسلم "أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً" ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به. وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب .
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم" قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها, وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة واختاره ابن جرير , وقيل غير ذلك كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: "إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً" قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم, وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم" قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم, وفي هذا نظر. وقال البغوي : قرأ يعقوب "ليعلم" بالضم أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا. ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عز وجل, وهو قول حكاه ابن الجوزي في زاد المسير , ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم, ويكون ذلك كقوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" وكقوله تعالى: "وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين" إلى أمثال ذلك من العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة, ولهذا قال بعد هذا "وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً". آخر تفسير سورة الجن, ولله الحمد والمنة.
26- "عالم الغيب" قرأ الجمهور بالرفع على أنه بدل من ربي، أو بيان له أو خبر مبتدأ محذوف، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من عدم الدراية. وقرئ بالنصب على المدح. وقرأ السري علم الغيب بصيغة الفعل ونصب الغيب، والفاء في " فلا يظهر على غيبه أحدا " لترتيب عدم الإظهار على تفرده بعلم الغيب: أي لا يطلع على الغيب الذي يعلمه، وهو ما غاب عن العباد أحداً منهم.
26- "عالم الغيب"، رفع على نعت قوله "ربي"، وقيل: هو عالم الغيب، "فلا يظهر"، لا يطلع، "على غيبه أحداً".
26-" عالم الغيب " هو عالم الغيب . " فلا يظهر " فلا يطلع . " على غيبه أحداً " أي على الغيب المخصوص به علمه .
26. (He is) the knower of the Unseen, and He revealeth unto none His secret,
26 - He (alone) knows the Unseen, nor does He make any one acquainted with his Mysteries,