[الجن : 10] وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
10 - (وأنا لا ندري أشر أريد) بعد استراق السمع (بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) خيرا
قال : فذلك قول الله " وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا " يقول عز وجل مخبراً عن قيل هؤلاء النفر من الجن : وأنا لا ندري أعذاباً أراد الله أن ينزله بأهل الأرض ، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب " أم أراد بهم ربهم رشدا " يقول : أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولاً مرشداً يرشدهم إلى الحق ، وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل .
وذكر عن الكلبي في ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، عن الكلبي في قوله " وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا " أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم .
وإنما قلنا القول الأول لأن قوله " وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض " عقيب قوله " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " ... الآية ، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه .
قوله تعالى " أنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض " أي هذا الحرس الذي حرست بهم السماء " أم أراد بهم ربهم رشدا " أي خيرا . قال ابن زيد :قال ابليس لاندري هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل علي أهل الارض عذابا أو يرسل إليهم رسولا . وقيل:هو من قول الجن فيما بينهم قبل أن يسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم . أي لاندري اشر اريد بمن في الارض بارسال محمد اليهم , فانهم يكذبونه ويهلكون بتكذيبه كما هلك من كذب من الأمم، ام أراد ان فيهتدوا، فالشر والرشد على هذا الكفر والإيمان، وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمعوا قراءته علموا أنهم منعوا من السماء حراسة للوحي. وقيل : لا ، بل هذا قول لقومهم بعد ان انصرفوا اليهم نذرين، أي لما آمنوا أشفقوا ألآ يؤمن كثير من اهل الأرض فقالوا: انا لاندري ايكفر اهل الأرض بما آمنا به ام يؤمنون؟
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن, وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً وحفت من سائر أرجائها, وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئاً من القرآن, فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق, وهذا من لطف الله تعالى بخلقه, ورحمته بعباده, وحفظه لكتابه العزيز, ولهذا قال الجن " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " أي من يروم أن يسترق السمع يجد له شهاباً مرصداً له لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه اليوم ويهلكه. "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء, لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً, وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله عز وجل.
وقد ورد في الصحيح "والشر ليس إليك" وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك, ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان, كما في حديث ابن عباس : " بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار فقال: ما كنتم تقولون في هذا ؟ فقلنا: كنا نقول يولد عظيم, يموت عظيم فقال: ليس كذلك, ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء" وذكر تمام الحديث وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه, وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها, فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة, فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء, فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" الاية.
ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر, وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها, هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك, وظنوا أن ذلك لخراب العالم, كما قال السدي : لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر, فكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا, يستمعون ما يحدث في السماء من أمر, فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً رجموا ليلة من الليالي ففزع لذلك أهل الطائف فقالوا: هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب, فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم, فقال لهم عبد ياليل بن عمير : ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم, فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء, إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, وإن نظرتم فلم تروها فقد هلك أهل السماء, فنظروا فرأوها فكفوا عن أقوالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة, فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها, فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكة, فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن, فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه, ثم أسلموا فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى الله عليه وسلم, وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من (كتاب السيرة) المطول, والله أعلم, ولله الحمد والمنة.
10- " وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا " أي لا ندري أشر أريد بأهل الأرض بسبب هذه الحراسة للسماء، أم أراد بهم ربهم رشداً: أي خيراً. قال ابن زيد: قال إبليس: لا ندري أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذاباً أو يرسل إليهم رسولاً، وارتفاع أشر على الاشتغال، أو على الابتداء وخيره ما بعده، والأول أولى، والجملة سادة مسد مفعولي ندري، والأولى أن هذا من قول الجن فيما بينهم.
ثم قالوا: 10- "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض"، برمي الشهب، "أم أراد بهم ربهم رشداً".
10-" وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض " بحراسة السماء " أم أراد بهم ربهم رشداً " خيراً .
10. And we know not whether harm is boded unto all who are in the earth, or whether their Lord intendeth guidance for them.
10 - And we understand not whether ill is intended to those on earth, or whether their Lord (really) intends to guide them to right conduct.