[نوح : 7] وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا
7 - (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم) لئلا يسمعوا كلامي (واستغشوا ثيابهم) غطوا رؤوسهم بها لئلا ينظروني (وأصروا) على كفرهم (واستكبروا) تكبروا عن الإيمان (استكبارا)
وقوله " وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم " يقول جل وعز : وإني كلما دعوتهم إلا الإقرار بوحدانيتك ، والعمل بطاعتك ، والبراءة من عبادة كل ما سواك ، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك ، " واستغشوا ثيابهم " يقول : وتغشوا في ثيابهم ، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " جعلوا أصابعهم في آذانهم " لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام .
وقوله " وأصروا " يقول : وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وأصروا " قال : الإصرار إقامتهم على الشر والكفر .
وقوله " واستكبروا استكبارا " يقول : وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحق ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة .
قوله تعالى: "وإني كلما دعوتهم" أي إلى سبب المغفرة، وهي الإيمان بك والطاعة لك. "جعلوا أصابعهم في آذانهم" لئلا يسمعوا دعائي "واستغشوا ثيابهم" أي غطوا بها وجوههم لئلا يروه. وقال ابن عباس: جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامه. فاستغشاء الثياب إذاً زيادة في سد الأذان حتى لا يسمعوا، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت، أو ليعرفوه إعراضهم عنه. وقيل: هو كناية عن العداوة. يقال : لبس لي فلان ثياب العداوة. "وأصروا" أي على الكفر فلم يتوبوا. "واستكبروا" عن قبول الحق ،لأنهم قالوا: "أنؤمن لك واتبعك الأرذلون" الشعراء:111 "استكبارا" تفخيم.
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكى إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه, وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاماً, وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم, فقال : "رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً" أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك وابتغاء لطاعتك "فلم يزدهم دعائي إلا فراراً" أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه كما)أخبر تعالى عن كفار قريش: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" "واستغشوا ثيابهم" قال ابن جرير عن ابن عباس : تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي : غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول "وأصروا" أي استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع "واستكبروا استكباراً" أي واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له "ثم إني دعوتهم جهاراً" أي جهرة بين الناس "ثم إني أعلنت لهم" أي كلاماً ظاهراً بصوت عال "وأسررت لهم إسراراً" أي فيما بيني وبينهم, فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً" أي ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب فإنه من تاب إليه تاب عليه, ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك, ولهذا قال: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" أي متواصلة الأمطار, ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الاية, وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر ليستسقي فلم يزد على الاستغفار وقراءة الايات في الاستغفار ومنها هذه الاية "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضاً. وقوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً" أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم أسقاكم من بركات السماء, وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع, وأدر لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها, هذا مقام الدعوة بالترغيب, ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: " ما لكم لا ترجون لله وقارا " أي عظمة, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك , وقال ابن عباس : لا تعظمون الله حق عظمتة أي لا تخافون من بأسه ونقمته "وقد خلقكم أطواراً" قيل معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة, قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد .
وقوله تعالى: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا " أي واحدة فوق واحدة وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أوهو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير والكسوفات, فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضاً فأدناها القمر في السماء الدنيا, وهو يكسف ما فوقه, وعطارد في الثانية, والزهرة في الثالثة, والشمس في الرابعة, والمريخ في الخامسة, والمشتري في السادسة, وزحل في السابعة, وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت, والمتشرعون منهم يقولون هو الكرسي, والفلك التاسع وهو الأطلس والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك, وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق, وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ومعها يدور سائر الكواكب تبعاً ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها فإنها تسير من المغرب إلى المشرق, وكل يقطع فلكه بحسبه, فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة, والشمس في كل سنة مرة, وزحل في كل ثلاثين سنة مرة, وذلك بحسب اتساع أفلاكها وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة, هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى: " خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " أي فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلاً منهما أنموذجاً على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها, وقدر للقمر منازل وبروجاً وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر ليدل على مضي الشهور والأعوام, كما قال تعالى: " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ".
وقوله تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتاً" هذا اسم مصدر والإتيان به ههنا أحسن "ثم يعيدكم فيها" أي إذا متم "ويخرجكم إخراجاً" أي يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة "والله جعل لكم الأرض بساطاً" أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات "لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً" أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها, وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية, فهو الخالق الرزاق جعل السماء بناء والأرض مهاداً وأوسع على خلقه من رزقه, فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل ولا ند ولا كفء, ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير.
7- "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم" أي كلما دعوتهم إلى سبب المغفرة، وهو الإيمان بك، والطاعة لك "جعلوا أصابعهم في آذانهم" لئلا يسمعوا صوتي "واستغشوا ثيابهم" أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني، وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي، فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سد الآذان، وقيل هو كناية عن العداوة، يقال لبس فلان ثياب العداوة، وقيل استغشوا ثيابهم لئلا يعرفهم فيدعوهم "وأصروا" أي استرموا على الكفر، ولم يقلعوا عنه ولا تابوا عنه "واستكبروا" عن قبول الحق، وعن امتثال ما أمرهم به "استكباراً" شديداً.
7- "وإني كلما دعوتهم"، إلى الإيمان بك، "لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم"، لئلا يسمعوا دعوتي، "واستغشوا ثيابهم"، غطوا بها وجوههم لئلا يروني، "وأصروا"، على كفرهم، "واستكبروا"، عن الإيمان بك، "استكباراً".
7-" وإني كلما دعوتهم " إلى الإيمان . " لتغفر لهم " بسببه . " جعلوا أصابعهم في آذانهم " سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة ." واستغشوا ثيابهم " تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلى من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم ، والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة ، " وأصروا " وأكبروا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها . " واستكبروا " عن اتباعي . " استكباراً " عظيماً .
7. And lo ! whenever I call unto them that Thou mayest pardon them they thrust their fingers in their ears and cover themselves with their garments and persist (in their refusal) and magnify themselves in pride.
7 - And every time I have called to them, that Thou mightest forgive them, they have (only) thrust their fingers into their ears, covered themselves up with their garments, grown obstinate, and given themselves up to arrogance.