[المعارج : 19] إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا
19 - (إن الإنسان خلق هلوعا) حال مقدرة وتفسيره
يقول تعالى ذكره : " إن الإنسان " الكافر " خلق هلوعا " ، والهلع : الجزع مع شدة الحرص والضجر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " إن الإنسان خلق هلوعا " قال : هو الذي قال الله " إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا " ويقول : الهلوع : هو الجزوع الحريص ، وهذا في أهل الشرك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعب بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن حبير " إن الإنسان خلق هلوعا " قال : شحيحا جزوعا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ،عن عكرمه " إن الإنسان خلق هلوعا " قال: ضجورا .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول " إن الإنسان " يعني الكافر " خلق هلوعا " يقول : هو بخيل منوع للخير ، جزوع إذا نزل نه البلاء ، فهذا الهلوع .
حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : ثنا خالد بن الحارث ، قال : ثنا شعبة ، عن حصين ، قال يحيى ، قال خالد : وسألت شعبة عن قوله " إن الإنسان خلق هلوعا " فحدثني شعبة عن الحصين أنه قال : الهلوع : الحريص .
حدثنا ابن المثنى ، قال :ثنا ابن أبي عدي ، عن سعنة ، قال : سألت حصينا ، عن هذه الآية " إن الإنسان خلق هلوعا " قال : حريصا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال :قال ابن زيد ، في قوله " إن الإنسان خلق هلوعا " قال: الهلوع : الجزوع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " خلق هلوعا " قال : جزوعا .

قوله تعالى:"إن الإنسان خلق هلوعا" يعني الكافر، عن الضحاك. والهلع في اللغة: أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه. وكذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهما. وقد هلع بالكسر يهلع فهو هلع وهلوع،على التكثير. والمعنى أنه لا يصبر على خير ولا شر حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي. عكرمة: هو الضجور. الضحاك: هو الذي لا يشبع. والمنوع: هو الذي إذا أصاب المال منع منه حق الله تعالى. وقال ابن كيسان: خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويرضيه، ويهرب مما يكرهه ويسخط، ثم تعبده الله بإنفاق ما بحب والصبر على ما يكره. وقال أبو عبيدة: الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر، وإذا مسه الضر لم يصبر، قاله ثعلب. وقال ثعلب أيضاً: قد فسر الله الهلوع، وهو الذي إذا ناله الشر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شر ما أعطي العبد شح هالع وجبن خالع" . والعرب تقول: ناقة هلواعة وهلواع، إذا كانت سريعة السير خفيفة. قال:
صكـاء ذعلبـة إذا استتدبـرتهـا حـرج إذا استقلتهـا هلـواع
الذعلب والذعلبة: الناقة السريعة. وجزوعاً ومنوعاً نعتان لهلواع. على أن ينوى بهما التقديم قبل إذا. وقيل: هو خبر كان مضمرة.
يقول تعالى مخبراً عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة "إن الإنسان خلق هلوعاً" ثم فسره بقوله: "إذا مسه الشر جزوعاً" أي إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب, وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير "وإذا مسه الخير منوعاً" أي إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره, ومنع حق الله تعالى فيها. وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن , حدثنا موسى بن علي بن رباح , سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل: شح هالع وجبن خالع" ورواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح عن أبي عبد الرحمن المقري به وليس لعبد العزيز عنده سواه ثم قال تعالى: "إلا المصلين" أي الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم, إلا من عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه وهم المصلون.
"الذين هم على صلاتهم دائمون" قيل: معناه يحافظون على أوقاتها وواجباتها, قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي , وقيل: المراد بالدوام ههنا السكون والخشوع كقوله تعالى: " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون " قاله عقبة بن عامر : ومنه الماء الدائم وهو الساكن الراكد, وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة فإن الذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده ليس بدائم على صلاته, لأنه لم يسكن فيها ولم يدم بل ينقرها نقر الغراب فلا يفلح في صلاته, وقيل: المراد بذلك الذين إذا عملوا عملاً داوموا عليه وأثبتوه كما جاء في
الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" وفي لفظ "ما دام عليه صاحبه" قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً داوم عليه, وفي لفظ أثبته, وقال قتادة في قوله تعالى: "الذين هم على صلاتهم دائمون" ذكر لنا أن دانيال عليه السلام نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا, أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم, أو ثمود ما أخذتهم الصيحة, فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن.
وقوله تعالى: "والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم" أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات, وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الذاريات. وقوله تعالى: "والذين يصدقون بيوم الدين" أي يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب. ولهذا قال تعالى: "والذين هم من عذاب ربهم مشفقون" أي خائفون وجلون "إن عذاب ربهم غير مأمون" أي لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى. وقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون" أي يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه ولهذا قال تعالى: "إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" أي من الإماء "فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة "قد أفلح المؤمنون" بما أغنى عن إعادته ههنا. وقوله تعالى: "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا, وإذا عاهدوا لم يغدروا, وهذه صفات المؤمنين وضدها صفات المنافقين كما ورد في الحديث الصحيح "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" وفي رواية "إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر" وقوله تعالى: "والذين هم بشهاداتهم قائمون" أي محافظون عليها لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها ولا يكتمونها "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه".
ثم قال تعالى: "والذين هم على صلاتهم يحافظون" أي على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها, فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها كما تقدم في أول سورة "قد أفلح المؤمنون" سواء ولهذا قال هناك: "أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" وقال ههنا: "أولئك في جنات مكرمون" أي مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.
قوله: 9- "إن الإنسان خلق هلوعاً" قال في الصحاح: الهلع في اللغة. أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه يقال هلع بالكسر فهو هلع وهلوع على التكثير. وقال عكرمة: هو الضجور.
19- "إن الإنسان خلق هلوعاً"، روى السدي عن أ[ي صالح عن ابن عباس قال: الهلوع: الحريص على ما لا يحل له. وقال سعيد بن جبير: شحيحاً. وقال عكرمة: ضجوراً. وقال الضحاك والحسن: بخيلاً. وقال قتادة: جزوعاً. وقال مقاتل: ضيق القلب. والهلع: شدة الحرص، وقلة الصبر. وقال عطية عن ابن عباس: تفسيره ما بعده.
19-" إن الإنسان خلق هلوعاً " شديد الحرص قليل الصبر .
19. Lo! man was created anxious,
19 - Truly man was created very impatient;