[الأعراف : 73] وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
73 - (و) أرسلنا (إلى ثمودَ) بترك الصرف ، مراداً به القبيلة (أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة) معجزة (من ربكم) على صدقي (هذه ناقة الله لكم آية) حال عاملها معنى الإشارة وكانوا سألوه أن يخرجها لهم من صخرة عينوها (فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء) بعقر أو ضرب (فيأخذكم عذاب أليم)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً .
و ثمود ، هو ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وهو أخو جديس بن غاثر، وكانت مساكنهما الحجر ، بين الحجاز والشام ، إلى وادي القرى وما حوله .
وجمعنى الكلام : وإلى بني ثمود أخاهم صالحاً. وإنما منع " ثمود" من الصرف ، لأن " ثمود" قبيلة، كما بكر، قبيلة، وكذلك : تميم . " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " ، يقول : قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له ، فما لكم إله يجوز لكم أن تعبدوه غيره ، وقد جاءتكم حجة وبرهان على صدق ما أقول ، وحقيقة ما إليه أدعو، من إخلاص التوحيد لله ، وإفراده بالعبادة دون ما سواه ، وتصديقي على أني له رسول . وبينتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي ، وحجتي عليه ، هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهضبة ، دليلاً على نبوتي وصدق مقالتي ، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحد إلا الله .
وإنما استشهد صالح ، فيما بلغني ، على صحة نبوته عند قومه ثمود بالناقة ، لأنهم سألوه إياها آية ودلالة على حقيقة قوله .
ذكر من قال ذلك ، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة :
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي الطفيل قال : قالت ثمود لصالح : ائتنا بآية إن كنت من الصادقين ! قال : فقال لهم صالح : اخرجوا إلى هضبة من الأرض ! فخرجوا، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسطها الناقة ، فقال صالح : " هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم " ، " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " . فلما ملوها عقروها، فقال لهم : " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " . قال عبد العزيز : وحدثني رجل آخر: أن صالحاً قال لهم : إن آية العذاب أن تصبحوا غداً حمراً ، واليوم الثاني صفراً ، واليوم الثالث سوداً ، قال : فصبحهم العذاب ، فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإلى ثمود أخاهم صالحا" ، قال : إن الله بعث صالحاً إلى ثمود ، فدعاهم فكذبوه ، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن ، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة ، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم . وقال : " ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء " . فأقروا بها جميعا، فذاك قوله : " فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى" . وكانوا قد أقروا به على وجه النفاق والتقية ، وكانت الناقة لها شرب ، فيوم تشرب فيه الماء تمر بين جبلين فيرحمانها ، ففيهما أثرها حتى الساعة ، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبوا اللبن ، فيرويهم ، إنما تصب صباً، ويوم يشربون الماء لا تأتيهم . وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح : إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه ! فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبل ذلك شيء . فكان ابن العاشر أزرق أحمر، فنبت نباتاً سريعاً، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا! فغضب التسعة على صالح ، لأنه أمرهم بذبح أبنائهم ، " تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون " . قالوا : نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد ، أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه ، ثم رجعنا فقلنا : ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ، يصدقوننا، يعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر! فانطلقوا، فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من الليل ، فسقط عليهم الغار فقتلهم ، فذلك قوله : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " حتى بلغ ههنا: " فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين " .
وكبر الغلام ابن العاشر ، ونبت نباتاً عجباً من السرعة ، فجلس مع قوم يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم ، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة ، فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتد ذلك عليهم ، وقالوا في شأن الناقة : ما نصنع نحن باللبن ؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيراً لنا! فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم ؟ قالوا: نعم ! فأظهروا دينهم ، فأتاها الغلام ، فلما بصرت به شذت عليه ، فهرب منها ، فلما رأى ذلك ، دخل خلف صخرة على طريقها فاستتر بها، فقال : أحيشوها علي ! فأحاشوها عليه ، فلما جازت به نادوه : عليك ! فتناولها فعقرها، فسقطت ، فذلك قوله : " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر" . وأظهروا حينئذ أمرهم ، وعقروا الناقة ، وعتوا عن أمر ربهم ، وقالوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا . وفزع ناس منهم إلى صالح ، وأخبروه أن الناقة قد عقرت ، فقال : علي بالفصيل ! فطلبوا الفصيل فوجدوه على رابية من الأرض ، فطلبوه ، فارتفعت به حتى حلقت به في السماء، فلم يقدروا عليه . ثم رغا الفصيل إلى الله ، فأوحى الله إلى صالح : أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام ! فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، وآية ذلك أن تصبح وجوهكم أول يوم مصفرة ، والثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، واليوم الرايع فيه العذاب . فلما رأوا العلامات تكفنوا وتحنطوا ولطخوا أنفسهم بالمر، ولبسوا الأنطاع ، وحفروا الأسراب فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة ، حتى جاءهم العذاب فهلكوا . فذلك قوله : " دمرناهم وقومهم أجمعين " .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق قال : لما أهلك الله عاداً وتقضى أمرها، عمرت ثمود بعدها واستخلفوا في الأرض ، فنزلوا فيها وانتشروا ، ثم عتوا على الله . فلما ظهر فسادهم وعبدوا غير الله ، بعث إليهم صالحاً - وكانوا قوماً عرباً، وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضاً - رسولاً ، وكانت منازلهم الحجر إلى قرح ، وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلاً فيما بين الحجاز والشام ! فبعث الله إليهم غلاماً شاباً فدعاهم إلى الله حتى شمط وكبر، لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون . فلما ألح عليهم صالح بالدعاء ، وأكثر لهم التحذير، وخوفهم من الله العذاب والنقمة ، سألوه أن يريهم أية تكون مصداقاً لما يقول فيما يدعوهم إليه ، فقال لهم : أي آية تريدون ؟ قالوا : تخرج معنا إلى عيدنا هذا - وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله ، في يوم معلوم من السنة - فتدعو إلهك وندعوآلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك ، وإن استجيب لنا اتبعتنا! فقال لهم صالح : نعم ! فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك ، وخرج صالح معهم إلى الله فدعوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء مما يدعو به . ثم قال له جندع بن عمرو بن جواس بن عمرو بن الدميل ، وكان يومئذ سيد ثمود وعظيمهم : يا صالح ، أخرج لنا من هذه الصخرة - لصخرة منفردة في ناحية الحجر ، يقال لها الكاثبة- ناقة مخترجة جوفاء وبراء- و المخترجة، ما شاكلت البخت من الإبل . وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو ، فإن فعلت آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ! وأخذ عليهم صالح مواثيقهم : لئن فعلت وفعل الله لتصدقني ولتؤمنن بي ! قالوا: نعم ! فأعطوه على ذلك عهودهم . فدعا صالح ربه بأن يخرجها لهم من تلك الهضبة ، كما وصفوا .
فحدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق ، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : كأنه حدث أنهم نظروا إلى الهضبة ، حين دعا الله صالح بما دعا به ، تتمخض بالناقة ، تمخض النتوج بولدها، فتحركت الهضبة ، ثم انتفضت بالناقة ، فانصدعت عن ناقة ، كما وصفوا ، جوفاء وبراء نتوج ، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عظماً، فآمن به جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره من رهطه ، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدقوا ، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صمعر بن جلهس ، وكانوا من أشراف ثمود ، فردوا أشرافها عن الإسلام والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرحمة والنجاة، وكان لجندع ابن عم يقال له : شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس ، فأراد أن يسلم ، فنهاه أولئك الرهط عن ذلك ، فأطاعهم ، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها ، فقال رجل من ثمود يقال له : مهوس بن عنمة بن الدميل ، وكان مسلماً :
وكانت عصبة من آل عمرو إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعاً فهم بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزاً وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر تولوا بعد رشدهم ؟ ذبابا
فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سقبها قي أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء ، فقال لهم صالح عليه السلابم : " هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم " ، وقال الله لصالح : إن الماء قسمة بينهم ، كل شرب محتضر، أي : إن الماء نصفان ، لهم يوم ، ولها يوم وهي محتضرة ، فيومها لا تدع شربها. وقال : " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " . فكانت ، فيما بلغني والله أعلم ، إذا وردت ، وكانت ترد غبا، وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها بئر الناقة، فيزعمون أنها منها كانت تشرب إذا وردت ، تضع رأسها فيها فما ترفعه حتى تشرب كل قطرة ماء في الوادي ، ثم ترفع رأسها فتفشج يعني : تفحج لهم - فيحتلبون ما شاؤوا من لبن ، فيشربون ويدخرون ، حتى يملأوا كل آنيتهم ، ثم تصدر من غير الفج الذي منه وردت . لا تقدر على أن تصدر من حيث ترد لضيقه عنها، فلا ترجع منه . حتى إذا كان الغد، كان يومهم ، فيشربون ما شاؤوا من الماء ، ويدخرون ما شاؤوا ليوم الناقة ، فهم من ذلك في سعة . وكانت الناقة ، فيما يذكرون ، تصيف إذا كان الحر ظهر الوادي ، فتهرب منها المواشي ، أغنامهم وأبقارهم وإبلهم ، فتهبط إلى بطن الوادي في حره وجدبه - وذلك أن المواشي تنفر منها إذا رأتها - وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء ، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب ، فأضر ذلك بمواشيهم ، للبلاء والاختبار. وكانت مرابعها ، فيما يزعمون ، الحباب وحسمى ، كل ذلك ترعى مع وادي الحجر ، فكبر ذلك عليهم ، فعتوا عن أمر ربهم ، وأجمعوا في عقر الناقة رأيهم .
وكانت امرأة من ثمود يقال لها: عنيزة بنت غنم بن مجلز، تكنى بأم غنم ، وهي من بني عبيد بن المهل ، أخي رميل بن المهل ، وكانت امرأة خؤاب بن عمرو، وكانت عجوزاً مسنة، وكانمت ذات بنات حسان ، وكانت ذات مال من إبل وبقر وغنم ، وامرأة أخرى يقال لها : صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا، سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول ، وكان الوادي يقال له : وادي المحيا، وهو المحيا الأكبر، جد المحيا الأصغر أبي صدوف ، وكانت صدوف من أحسن الناس ، وكانت غنية ، ذات مال من إبل وغنم وبقر، وكانتا من أشد امرأتين في ثمود عداوة لصالح ، وأعظمه به كفراً ، وكانتا تحتالان أن تعقر الناقة مع كفرهما به ، لما أضرت به من مواشيهما. وكانت صدوف عند ابن خال لها يقال له : صنتم بن هراوة بن سعدبن الغطريف ، من بني هليل ، فأسلم فحسن إسلامه ، وكانت صدوف قد فؤضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح ، حتى رق المال فاطلعت على ذلك من إسلامه صدوف ، فعاتبته على ذلك ، فأظهر لها دينه ، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام ، فأبت عليه وبيتت له ، فأخذت بنيه وبناته منه فغيبتهم في بني عبيد بطنها الذي هي منه . وكان صنتم زوجها من بني هليل ، وكان ابن خالها ، فقال لها : ردي علي ولدي ! فقالت : حتى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيد ، أو إلى بني جندع بن عبيد ! فقال لها صنتم : بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد ! وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام ، وأبطأ عنه الآخرون . فقالت : لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه ! فقال بنو مرداس : والله لتعطنه ولده طائعة أو كارهة! فلما رأت ذلك أعطته إياهم .
ثم إن صدوف وعنيزة محلتا في عقر الناقة ، للشقاء الذي نزل . فدعت صدوف رجلاً من ثمود يقال له : الحباب لعقر الناقة ، وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل ، فأبى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له : مصدع بن مهرج بن المحيا، وجعلت له نفسها ، على أن يعقر الناقة ، وكانت من أحسن الناس ، وكانت غنية كثيرة المال ، فأجابها إلى ذلك .
ودعت عنيزة بنت غنم ، قدار بن سالف بن جندع ، رجلاً من أهل قرح . وكان قدار رجلا أحمر أزرق قصيراً ، يزعمون أنه كان لزنية، من رجل يقال له : صهياد، ولم يكن لأبيه سالف الذي يدعى إليه ، ولكنه قد ولد على فراش سالف ، وكان يدعى له وينسب إليه . فقالت : أعطيتك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة ! وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود ، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو ، من أشراف رجال ثمود. وكان قدار عزيزاً منيعاً في قومه . فانطلق قدار بن سالف ، ومصدع بن مهرج ، فاستنفرا غواة من ثمود ، فاتبعهما سبعة نفر ، فكانوا تسعة نفر ، أحد النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له : هويل بن ميلغ ، خال قدار بن سالف ، أخو أمه لأبيها وأمها، وكان عزيزاً من أهل حجر ، و دعير بن غنم بن داعر، وهو من بني خلاوة بن المهل ، و دأب بن مهرج ، أخو مصدع بن مهرج ، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم . فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء ، وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في أصل أخرى . فمرت على مصدع فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة ساقها. وخرجت أم غنم عنيزة ، وأمرت ابنتها، وكانت من أحسن الناس وجهاً ، فأسفرت لقدار وأرته إياه ، ثم ذمرته فشد على الناقة بالسيف فخشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقبها حتى أتى جبلاً منيفاً، ثم أتى صخرة في رأس الجبل فزعاً ولاذ بها ، واسم الجبل فيما يزعمون صنو. فأتاهم صالح ، فلما رأى الناقة قد عقرت ، قال : انتهكتم حرمة الله ، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته ! فاتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة ، وفيهم مصدع بن مهرج ، فرماه مصدع بسهم ، فانتظم قلبه ، ثم جر برجله فأنزله ، ثم ألقوا لحمه مع لحم أمه .
فلما قال لهم صالح : أبشروا بعذاب الئه ونقمته ، قالوا له وهم يهزأون به : ومتى ذلك يا صالح ؟ وما آية ذلك ؟ وكانوا يسمون الأيام فيهم : الأحد أول والاثنين أهون ، والثلاثاء دبار ، والأربعاء جبار ، والخميس مؤنس ، والجمعة العروبة ، والسبت شيار ، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء ، فقال لهم صالح حين قالوا ذلك : تصبحون غداة يوم مؤنس ، يعني يوم الخميس ، ووجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ، يعني يوم الجمعة ، ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شيار، يعني يوم السبت ، ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ، يعني يوم الأحد . فلما قال لهم صالح ذلك ، قال التسعة الذين عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحاً، إن كان صادقاً عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذباً يكون قد ألحقناه بناقته ! فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة . فلما أبطأوا على أصحابهم ، أتوا منزل صالح فوجدوهم مشدخين قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ! ثم هموا به ، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبداً ، فقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقاً لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضباً ، وإن كان كاذباً فأنتم من وراء ما تريدون ! فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك . والنفر الذين رضختهم الملائكة بالحجارة ، التسعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " إلى قوله : " لآية لقوم يعلمون " .
فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح ، وجوههم مصفرة ، فأيقنوا بالعذاب ، وعرفوا أن صالحاً قد صدقهم ، فطلبوه ليقتلوه ، وخرج صالح هارباً منهم ، حتى لجأ إلى بطن من ثمود يصال لهم : بنو غنم ، فنزلى على سيدهم رجل منهم يقال له : نفيل ، يكنى بأبي هدب ، وهو مشرك ، فغيبه ، فلم يقدروا عليه . فغدوا على أصحاب صالح فعذبوهم ليدلوهم عليه ، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم : يا نبي الله ، إنهم ليعذبوننا لندلهم عليك ، أفندلهم عليك ؟ قال : نعم ! فدلهم عليه ميدع بن هرم ، فلما علموا بمكان صالح ، أتوا أبا هدب فكلموه ، فقال لهم : عندي صالح ، وليس لكم إليه سبيل ! فأعرضوا عنه وتركوه ، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه . فجعل بعضهم يخبر بعضاً بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس ، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرة ، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرة ، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة ، حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام ، فنزل رملة فلسطين ، وتخلف رجل من أصحابه يقال له : ميدع بن هرم ، فنزل قرح - وهي وادي القرى ، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلاً - فنزل على سيدهم رجل يقال له : عمرو بن غنم ، وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يشرك في قتلها ، فقال له ميدع بن هرم : يا عمرو بن غنم ، اخرج من هذا البلد ، فإن صالحاً قال : من أقام فيه هلك ، ومن خرج منه نجا، فقال عمرو: ما شركت في عقرها ، وما رضيت ما صنع بها! فلما كانت صبيحة الأحد ، أخذتهم الصيحة ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك ، إلا جارية مقعدة يقال لها: الزريعة، وهي الكلبة ابنة السلق ، كانت كافرة شديدة العداوة لصالح ، فاطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع ، فخرجت كأسرع ما يرى شيء قط ، حتى أتت أهل قرح فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود منه ، ثم استسقت من الماء فسقيمت ، فلما شربت ماتت .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، قال معمر ، أخبرني من سمع الحسن يقول : لما عقرت ثمود الناقة، ذهب فصيلها حتى صد تلا فقال : يا رب ، أين أمي ؟ ثم رغا رغوة ، فنزلت الصيحة فأخمدتهم .
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، بنحوه ، إلا أنه قال : أصعد تلأ.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة : تمتعوا ثلاثة أيام ! وقال لهم : آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرة ، ثم تصبح اليوم الثاني محمرة ، ثم تصبح اليوم الثالث مسودة ، فأصبحت كذلك . فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك ، تكقنوا وتحنطوا ، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم . قال قتادة : قال عاقر الناقة لهم : لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين ! فجعلوا يدخلون على المرأة في حجرها فيقولون : أترضين ؟ فتقول : نعم ! والصبي ، حتى رضوا أجمعين ، فعقرها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ، قال : لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر- ربهم ، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يوماً ، ويشربون لبنها يوماً ، فعقروها، فأخذتهم الصيحة ، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم ، إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله ، قيل : من هو؟ قال : أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه .
قال عبد الرزاق ، قال معمر ، وأخبرني إسمعيل بن أمية : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال ، فقال : أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ! قال : هذا قبر أبي رغال ؟ قالوا : فمن أبو رغال ؟ قال : رجل من ثمود ، كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ههنا ودفن معه غصن من ذهب ! فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ، فبحثوا عليه ، فاستخرجوا الغصن .
قال عبد الرزاق ، قال معمر ، قال الزهري : أبو رغال ، أبو ثقيف .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن جابر قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال في حديثه : قالوا: من هو يا رسول الله ؟ قال : أبو رغال .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثنا أبي ، عن قتادة قال : كان يقال إن أحمر ثمود الذي عقر الناقة كان ولد زنية .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام قال ، حدثنا عنبسة ، عن أبي إسحق قال ، قال أبو موسى : أتيت أرض ثمود ، فذرعت مضدر الناقة، فوجدته ستين ذراعاً.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، وأخبرني إسمعيل بن أمية بنحو هذا-يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن جابر -قال : ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر أبي رغال ، قالوا: ومن أبو رغال ؟ قال : أبو ثقيف ، كان في الحرم لما أهلك الله قومه ، منعه حرم الله من عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه ، فدفن ههنا، ودفن معه غصن من ذهب . قال : فابتدره القوم يبحثون عنه ، حتى استخرجوا ذلك الغصن . وقال الحسن : كان للناقة يوم ولهم يوم ، فأضر بهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين ، أن يصيبكم مثل الذي أصابهم ! ثم قال : هذا وادي النفر! ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي .
وأما قوله : " ولا تمسوها بسوء " ، فإنه يقول : ولا تمسوا ناقة الله بعقر ولا نحر، " فيأخذكم عذاب أليم " ، يعني : موجع .
وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح. وهو أخو جديس، وكانوا في سعة من معايشهم، فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره، وأفسدوا في الأرض. فبعث الله إليهم صالحاً نبياً، وهو صالح بن عبيد بن آسف بن كاشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود. وكانوا قوماً عرباً. وكان صالح من أوسطهم نسباً وأفضلهم حسباً فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون. ولم ينصرف ثمود لأنه جعل اسماً للقبيلة. وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه اسم أعجمي. قال النحاس: وهذا غلط، لأنه مشتق من الثمد وهو الماء القليل. وقد قرأ القراء "ألا إن ثمود كفروا ربهم" [هود: 68] على أنه اسم للحي. وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. وهم من ولد سام بن نوح. وسميت ثمود لقلة مائها. وسيأتي بيانه في الحجر إن شاء الله تعالى.
"هذه ناقة الله لكم آية" أخرج لهم الناقة حين سألوه من حجر صلد، فكان لها يوم تشرب فيه ماء الوادي كله، وتسقيهم مثله لبنا لم يشرب قط ألذ وأحلى منه. وكان بقدر حاجتهم على كثرتهم، قال الله تعالى: "لها شرب ولكم شرب يوم معلوم" [الشعراء: 155]. وأضيفت الناقة إلى الله عز وجل على جهة إضافة الخلق إلى الخالق. وفيه معنى التشريف والتخصيص.
"فذروها تأكل في أرض الله ولا" أي ليس عليكم رزقها ومؤونتها.
قال علماء التفسير والنسب ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس بن عاثر وكذلك قبيلة طسم كل هؤلاء كانوا أحياء من العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل عليه السلام وكانت ثمود بعد عاد ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع. قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الابار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا لها القدور فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال "إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم" وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم" وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين من غير وجه.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون المسعودي عن إسماعيل بن أوسط عن محمد بن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس "الصلاة جامعة" قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعنزة وهو يقول "ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم" فناداه رجل منهم نعجب منهم يا رسول الله ؟ قال "أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك. رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً" لم يخرجه أحد من أصحاب السنن وأبو كبشة اسمه عمر بن سعد ويقال عامر بن سعد والله أعلم, وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال "لا تسألوا الايات فقد سألها قوم صالح فكانت ـ يعني الناقة ـ ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم يوماً ويشربون لبنها يوماً فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله" فقالوا: من هو يا رسول الله ؟ قال "أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه" وهذا الحديث ليس في شيء من الكتب الستة وهو على شرط مسلم. قوله تعالى: "وإلى ثمود" أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحاً "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" فجميع الرسل يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وقوله "قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية" أي قد جاءتكم حجة من الله على صدق ما جئتكم به وكانوا هم الذين سألوا صالحاً أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عز وجل فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها كما سألوا فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلهس وكان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له: شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس وكان من أشراف ثمود وأفاضلها فأراد أن يسلم أيضاً فنهاه أولئك الرهط فأطاعهم فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود يقال له مهوش بن عثمة بن الدميل رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعاً فهم بأن يجيب فلو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزا وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر تولوا بعد رشدهم ذئابا
وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوماً وتدعه لهم يوماً وكانوا يشربون لبنها يوم شربها يحتلبونها فيملأون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم كما قال في الاية الأخرى "ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر" وقال تعالى: "هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم" وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقاً هائلاً ومنظراً رائعاً إذا مرت بأنعامهم نفرت منها فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم فيقال إنهم اتفقوا كلهم على قتلها, قال قتادة بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان قلت وهذا هو الظاهر لقوله تعالى: "فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها" وقال "وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها" وقال "فعقروا الناقة" فأسند ذلك على مجموع القبيلة فدل على رضى جميعهم بذلك والله أعلم.
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير وغيره من علماء التفسير أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها عنيزة ابنة غنم بن مجلز وتكنى أم غنم كانت عجوزاً كافرة وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام, وكانت لها بنات حسان ومال جزيل وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود وامرأة أخرى يقال لها صدوف بنت المحيا بن زهير بن المختار ذات حسب ومال وجمال وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة, فدعت صدوف رجلاً يقال له الحباب, فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المحيا فأجابها إلى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جذع وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً يزعمون أنه كان ولد زنية وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه وهو سالف, وإنما هو من رجل يقال له صهياد ولكن ولد على فراش سالف. وقالت له أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة فعند ذلك انطلق قدار بن سالف, ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر فصاروا تسعة رهط وهم الذين قال الله تعالى: "وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون" وكانوا رؤساء في قومهم فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها فطاوعتهم على ذلك فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء, وقد كمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع في أصل أخرى, فمرت على مصدع فرماها بسهم, فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجهاً فسفرت عن وجهها لقدار وذمرته وشد على الناقة بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلاً منيعاً فصعد أعلى صخرة فيه ورغا, فروى عبدالرزاق عن معمر عمن سمع الحسن البصري أنه قال: يا رب أين أمي ؟ ويقال إنه رغا ثلاث مرات وإنه دخل في صخرة فغاب فيها, ويقال بل اتبعوه فعقروه مع أمه فالله أعلم, فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحاً عليه السلام, فجاءهم وهم مجتمعون, فلما رأى الناقة بكى وقال "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام" الاية.
وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء, فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح وقالوا: إن كان صادقاً عجلناه قبلنا وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون * ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم " الاية, فلما عزموا على ذلك وتواطؤوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي الله, فأرسل الله سبحانه وتعالى وله العزة ولرسوله عليهم حجارة فرضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم, وأصبح ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام, وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة, وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة, فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذاً بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب, وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم, ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة "فأصبحوا في دارهم جاثمين" أي صرعى لا أرواح فيهم ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير لا ذكر ولا أنثى, قالوا: إلا جارية كانت مقعدة واسمها كلبة ابنة السلق, ويقال لها الزريقة, وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام, فلما رأت ما رأت من العذاب أطلقت رجلاها, فقامت تسعى كأسرع شيء فأتت حياً من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها ثم استسقتهم من الماء, فلما شربت ماتت.
قال علماء التفسير: ولم يبق من ذرية ثمود أحد سوى صالح عليه السلام ومن تبعه رضي الله عنهم, إلا أن رجلاً يقال له أبو رغال كان لما وقعت النقمة بقومه مقيماً إذ ذاك في الحرم فلم يصبه شيء فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل جاءه حجر من السماء فقتله, وقد تقدم في أول القصة حديث جابر بن عبد الله في ذلك وذكروا أن أبا رغال هذا هو والد ثقيف الذين كانوا يسكنون الطائف, قال عبد الرزاق عن معمر: أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال فقال "أتدرون من هذا ؟" قالوا الله ورسوله أعلم, قال "هذا قبر أبي رغال رجل من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله, فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا ودفن معه غصن من ذهب, فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن" وقال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال أبو ثقيف هذا مرسل من هذا الوجه.
وقد روي متصلاً من وجه آخر كما قال محمد بن إسحاق: عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر, فقال "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم فدفع عنه. فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه, وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه, فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن" وهكذا رواه أبو داود, عن يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن ابن إسحاق به, قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز (قلت) تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا, وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث, قال يحيى بن معين: ولم أسمع أحداً روى عنه غير إسماعيل بن أمية, (قلت) وعلى هذا فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث. وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو مما أخذه من الزاملتين, قال شيخنا أبو الحجاج بعد أن عرضت عليه ذلك وهذا محتمل والله أعلم.
قوله: 73- "وإلى ثمود أخاهم صالحاً" معطوف على ما تقدم: أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم، وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وصالح عطف بيان، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود، وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسماً للقبيلة. وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه أعجمي. قال النحاس: وهو غلط لأنه من الثمد، وهو الماء القليل، وقد قرأ القراء " ألا إن ثمود كفروا ربهم " على أنه اسم للحي، وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. قوله: "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" قد تقدم تفسيره في قصة نوح "قد جاءتكم بينة من ربكم" أي معجزة ظاهرة، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد، وجملة "هذه ناقة الله لكم آية" مشتملة على بيان البينة المذكورة وانتصاب آية على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، وفي إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم. قوله: "فذروها تأكل في أرض الله" أي دعوها تأكل في أرض الله، فهي ناقة الله، والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم ولا تملكونه "ولا تمسوها" بشيء من السوء: أي لا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوءها. قوله: "فيأخذكم عذاب أليم" هو جواب النهي: أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم: أي شديد الألم.
73- قوله عز وجل : " وإلى ثمود أخاهم صالحاً " ، وهو ثمود بن عابر بن أرم بن سالم بن نوح ، وأراد هاهنا القبيلة .
قال أبو عمروا بن العلاء : سميت ثمود لقلة مائها ، والثمد الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى " أخاهم صالحاً " ، أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم في النسب ، لا في الدين صالحاً ، وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماشيح بن عبيد بن خادر بن ثمود ، " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم " ، حجة من ربكم على صدقي ، " هذه ناقة الله " ، أضافها إليه على التفضيل والتخصيص ، كما يقال بيت الله ، " لكم آية " ، نصب على الحال ، " فذروها تأكل " ، العشب ، " في أرض الله ولا تمسوها بسوء " ، لا تصيبوها بعقر ، " فيأخذكم عذاب أليم " .
73." وإلى ثمود " قبيلة أخرى من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح . وقيل سموا به لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل . وقرئ مصروفاً بتأويل الحي أو باعتبار الأصل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى . " أخاهم صالحاً " صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.
" قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم " معجزة ظاهرة الدلالة على نبوتي وقوله : " هذه ناقة الله لكم آيةً" استئناف لبيانها ، وآية نصب على الحال والعامل فيها معنى الإشارة ، ولكم بيان لمن هي له آية، ويجوز أن تكون " ناقة الله " بدلا أو عطف بيان ولكم خبرا عاملاً في" آية" ،وإضافة الناقة إلى الله لتعظيمها ولأنها جاءت من عنده بلا وسائط وأسباب معهودة ولذلك كانت آية " فذروها تأكل في أرض الله " العشب . " ولا تمسوها بسوء " نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى مبالغة في الأمر وإزاحة للعذر . " فيأخذكم عذاب أليم " جواب النهي .
73. And to (the tribe of) Thamud (We sent) their brother Salih. He said: O my people! Serve Allah. Ye have no other God save Him. A wonder from your Lord hath come unto you. Lo! this is the camel of Allah, a token unto you; so let her feed in Allah's earth, and touch her not with hurt lest painful torment seize you.
73 - To the Thamud people (we sent) Salih, one of their own brethren: he said: O my people worship God; ye have no other God but him. now hath come unto you a clear (sign) from your Lord this she camel of God is a sign unto you: so leave her to graze in God's earth, and let her come to no harm, or you shall be seized with a grievous punishment.