[الأعراف : 7] فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ
7 - (فلنقصن عليهم بعلم) لنخبرنهم عن علم بما فعلوه (وما كنا غائبين) عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلنخبرن الرسل ومن أرسلتهم إليه بيقين علم بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به ، وما كنت نهيتهم عنه ، " وما كنا غائبين " ، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
فإن قال قائل : وكيف يسأل الرسل ، والمرسل إليهم ، وهو يخبر أنه يقص عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك ؟ .
قيل : إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرف منهم ما هو به غير عالم ، وإنما هو مسالة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل : ألم أحسن إليك فأسأت ؟، وألم أصلك فقطعت ؟. فكذلك مسألة الله المرسل إليهم ، بأن يقول لهم : ألم يأتكم رسلي بالبينات ؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ : " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم " ، ونحر ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر المسألة، ومعناه الخبز والقصص ، وهو بعد توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبز، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: " ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم " ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا : " ما جاءنا من بشير ولا نذير " . فقيل للرسل : هل بلغتم ما أرسلتم به ؟ أو قيل لهم : ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتكه به ؟، كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" . فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم ، وللمرسل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر.
فأما الذي هو عن الله منفي من مسألته خلقه ، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسئول ، ليعلم السائل علم ذلك من قبله ، فذلك غير جائز أن يوصف الله به ، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله : " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " ، وبقوله : " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " ، يعني : لا يسأل عن ذلك أحداً منهم بمسألة مستثبت ، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه ، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره .
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع ، فكرهنا إعادته.
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله : " فلنقصن عليهم بعلم " ، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم .
وهذا قول غير بعيد عن الحق ، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ، فيقول له : أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا؟ حتى يذكره ما فعل في الدنيا، والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من التسليم لغيره .
وكذا "فلنقصن عليهم بعلم". قال ابن عباس: ينطق عليهم. "وما كنا غائبين" أي كنا شاهدين لأعمالهم. ودلت الآية على أن الله تعالى عالم بعلم.
يقول تعالى: "وكم من قرية أهلكناها" أي بمخالفة رسلنا وتكذيبهم, فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولاً بذل الاخرة, كما قال تعالى: " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " وكقوله "فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد" وقال تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين" وقوله "فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون" أي فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتاً أي ليلاً, أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار, وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو, كما قال "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون" وقال " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ".
وقوله "فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين" أي فما كان قولهم عند مجيء العذاب, إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا, كقوله تعالى: " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " قال ابن جرير: في هذه الاية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم", حدثنا بذلك ابن حميد, حدثنا جرير عن أبي سنان عن عبدالملك بن ميسرة الزراد, قال: قال عبد الله بن مسعود, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم", قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك ؟ قال: فقرأ هذه الاية "فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين". وقوله "فلنسألن الذين أرسل إليهم" الاية. كقوله "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" وقوله "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب" فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به, ويسأل الرسل أيضاً عن إبلاغ رسالاته, ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" قال عما بلغوا.
وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسن, حدثنا أبو سعيد الكندي, حدثنا المحاربي عن ليث عن نافع عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده" قال الليث: وحدثني ابن طاوس مثله, ثم قرأ "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة, وقال ابن عباس في قوله "فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين" يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون "وما كنا غائبين" يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير, لأنه تعالى الشهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يغفل عن شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".
7- "فلنقصن عليهم بعلم" أي على الرسل والمرسل إليهم ما وقع بينهم عند الدعوة منهم لهم بعلم لا بجهل: أي عالمين بما يسرون وما يعلنون "وما كنا غائبين" عنهم في حال من الأحوال حتى يخفى علينا شيء مما وقع بينهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عن ابن عباس في قوله: "المص" قال: أنا والله أفضل. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن هذا ونحوه من فواتح السور قسم أقسم الله به، وهي من أسماء الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "المص" قال: هو المصور. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله: "المص" قال: الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: معناه أنا الله الصادق، ولا يخفى عليك أن هذا كله قول بالظن وتفسير بالحدس، ولا حجة في شيء من ذلك، والحق ما قدمنا في فاتحة سورة البقرة. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس "فلا يكن في صدرك حرج منه" قال: الشك، وقال لأعرابي: ما الحرج فيكم؟ قال: اللبس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: ضيق. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم، ثم قرأ: "فما كان دعواهم" الآية. وأخرجه ابن جرير عنه مرفوعاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا، فلنقصن عليهم بعلم، قال: بوضع الكتاب يوم القيامة فنتكلم بما كانوا يعملون. وأخرج عبد بن حميد عن فرقد في الآية قال: أحدهما الأنبياء، وأحدهما الملائكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: نسأل الناس عن قول لا إله إلا الله ونسأل جبريل.
7- " فلنقصن عليهم بعلم " أي: لنخبرنهم عن علم . قال ابن عباس رضي الله عنهما: ينطق عليهم كتاب أعمالهم، كقوله تعالى" هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ".(الجاثية،29)، " وما كنا غائبين "، عن الرسل فيما بلغوا، وعن الأمم فيما أجابوا.
7."فلنقصن عليهم " على الرسل حين يقولون " لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب " ، أو على الرسل والمرسل إليهم ما كانوا عليه . " بعلم " عالمين بظواهر هم وبواطنهم ، أو بمعلومنا منهم . " وما كنا غائبين " عنهم فيخفى علينا شيء من أحوالهم ..
7. Then verily We shall narrate unto them (the event) with knowledge, for verily We were not absent, (when it came to pass).
7 - And verily we shall recount their whole story with knowledge, for we Were never absent (At any time or place).