[الأعراف : 39] وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
39 - (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) لأنكم تكفرون بسببنا فنحن وأنتم سواء ، قال تعالى لهم (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم ، وحدثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم : " فما كان لكم علينا من فضل " ، وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا تجاياته ، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، فهل أنبتم إلى طاعة الله ، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم ؟ فانقضت حجة القوم وخصموا ولم يطيقوا جواباً بان يقولوا : فضلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله ، قال الله لجميعهم : فذوقوا جميعكم ، أيها الكفرة ، عذاب جهنم ، بما كنتم في الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي ، وتجترحون من الذنوب والإجرام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت عمران ، عن أبي مجلز : " وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " ، قال : يقول : فما فضلكم علينا، وقدبين لكم ماصنع بنا، وحذرتم ؟.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل " ، فقد ضللتم كما ضللنا.
وكان مجاهد يقول في هذا بما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد :" فما كان لكم علينا من فضل " ، قال : من التخفيف من العذاب .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فما كان لكم علينا من فضل " ، قال : من تخفيف .
وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد ، قول لا معنى له . لأن قول القائلين : " فما كان لكم علينا من فضل" لمن قالوا ذلك ، إنما هوتوبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال ، يدل على ذلك دخولي " كان " في الكلام .
ولو كان ذلك منهم توبيخا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم : " آتهم عذابا ضعفاً من النار" ، لكان التوبيخ أن يقال : فما لكم علينا من فضل ، في تخفيف العذاب عنكم ، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا، ولم يقل : " فما كان لكم علينا من فضل " .
"وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل" أي قد كفرتم وفعلتم كما فعلنا، فليس تستحقون تخفيفاً من العذاب "فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون".
يقول تعالى مخبراً عما يقوله لهؤلاء المشركين به, المفترين عليه المكذبين بآياته "ادخلوا في أمم" أي من أمثالكم وعلى صفاتكم "قد خلت من قبلكم" أي من الأمم السالفة الكافرة "من الجن والإنس في النار" يحتمل أن يكون بدلاً من قوله في أمم ويحتمل أن يكون في أمم أي مع أمم, وقوله "كلما دخلت أمة لعنت أختها" كما قال الخليل عليه السلام "ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض" الاية, وقوله تعالى: " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " وقوله "حتى إذا اداركوا فيها جميعاً" أي اجتمعوا فيها كلهم "قالت أخراهم لأولاهم" أي أخراهم دخولاً, وهم الأتباع لأولاهم وهم المتبوعون, لأنهم أشد جرماً من أتباعهم فدخلوا قبلهم فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل فيقولون "ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار" أي أضعف عليهم العقوبة كما قال تعالى: "يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب" الاية, وقوله "قال لكل ضعف" أي قد فعلنا ذلك وجازينا كلاً بحسبه, كقوله "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً" الاية.
وقوله "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم" وقوله "ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم" الاية, "وقالت أولاهم لأخراهم" أي قال المتبوعون للأتباع "فما كان لكم علينا من فضل" قال السدي: فقد ضللتم كما ضللنا "فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون" وهذه الحال كما أخبر الله تعالى عنهم في حال محشرهم في قوله تعالى: " ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ".
39- "وقالت أولاهم لأخراهم" أي قال السابقون للاحقين، أو المتبوعون للتابعين "فما كان لكم علينا من فضل" بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه "فذوقوا" عذاب النار كما ذقناه "بما كنتم تكسبون" من معاصي الله والكفر به.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب وابن النجار عن أبي الدرداء قال: تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: من وصل رحمه أنسئ في أجله فقال: إنه ليس بزائد في عمره، قال الله تعالى: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة، فيدعون الله من بعده فيبلغه ذلك، فذلك الذي ينسأ في أجله. وفي لفظ: فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر. وهذا الحديث ينبغي أن يكشف عن إسناده فقيه نكارة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما بخلافه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي عروبة قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم يقولون: اللهم أطل عمره، والله يقول: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن المسيب قال: لما طعن عمر قال كعب: لو دعا الله لأخر في أجله، فقيل له: أليس قد قال الله: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" فقال كعب: وقد قال الله: "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب". وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب" قال: ما قدر لهم من خير وشر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: من الأعمال من عمل خيراً جزي به ومن عمل شراً جزي به. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضاً قال: نصيبهم من الشقاوة والسعادة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: ما سبق من الكتاب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: رزقه وأجله وعمله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في الآية قال: من العذاب. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "قد خلت" قال: قد مضت "كلما دخلت أمة لعنت أختها" قال: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك، يعلن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى "حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم" الذين كانوا في آخر الزمان "لأولاهم" الذين شرعوا لهم ذلك الدين "ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف" الأولى والآخرة "وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل" وقد ضللتم كما ضللنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "عذاباً ضعفاً" قال: مضاعفاً "قال لكل ضعف" قال: مضاعف، وفي قوله: "فما كان لكم علينا من فضل" قال: تخفيف من العذاب.
39- " وقالت أولاهم "، يعني القادة " لأخراهم "، للأتباع، " فما كان لكم علينا من فضل "، لأنكم كفرتم كما كفرنا فنحن وانتم في الكفر سواء وفي العذاب سواء، " فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ".
39. " وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل " عطفوا كلامهم على جواب الله سبحانه وتعالى " لأخراهم " ورتبوه عليه أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وإنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب . " فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " من قول القادة أو من قول الفريقين
39. And the first of them saith unto the last of them : Ye were no whit better than us, so taste the doom for what ye used to earn.
39 - Then the first will say to the last: see then no advantage have ye over us; so taste ye of the penalty for all that ye did