[الأعراف : 26] يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
26 - (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا) أي خلقناه لكم (يواري) يستر (سوآتكم وريشا) وهو ما يتجمل به من الثياب (ولباس التقوى) العمل الصالح والسمت الحسن ، بالنصب عطف على لباسا والرفع مبتدأ خبره جملة (ذلك خير ، ذلك من آيات الله) دلائل قدرته (لعلهم يذكرون) فيؤمنوا فيه التفات عن الخطاب
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرون للطواف ، اتباعا منهم . أمر الشيطان ، وتركا منهم طاعة الله ، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم ، حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعم به عليهم ، حتى أبدى سوآتهم وأظهرها من بعضهم لبعض ، مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به ، وأنهم قد سار بهم سيرته في أبويهم آدم وحواء اللذين دلآهما بغرور حتى سلبهما ستر الله الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوآتهما فعراهما منه : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً" ، يعي بانزاله عليهم ذلك ، خلقه لهم ، ورزقه إياهم ، واللباس ما يلبسون من الثياب ، " يواري سوآتكم " ، يقول : يستر عوراتكم عن أعينكم ، وكنى ب السوآت ، عن العورات .
واحدتها سوأة ، وهي فعلة من السؤ ، لانما سميت سوأة ، لأنه يسؤ صاحبها انكشافها من جسده ، كما قال الشاعر:
خرقوا جيب فتاتهم لم يبالو اسوأة الرجله
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله :" لباسا يواري سوآتكم" ، قال : كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو أسعد المدني قال ، سمعت مجاهدا يقول في قوله : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا" ، قال : أربع آيات نزلت في قريش . كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف قال : سمعت معبداً الجهني يقول في قوله : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا" ، قال : اللباس الذي تلبسون .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " ، قال : كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه . وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة .
حدثنا محمدبن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر و سهل بن يوسف ، عن عوف ، عن معبد الجهني : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " ، قال : اللباس الذي يواري سواتكم ، وهو لبوسكم هذه .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " لباساً يواري سوآتكم " ، قال : هي الثياب .
حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد قال ، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول : اللباس : الثياب .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " ، قال : يعني ثياب الرجل التي يلبسها.
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الأمصار : " وريشا" ، بغير ألف ، . وذكر عن زر بن حبيش و الحسن البصري : أنهما كانا يقرآنه ورياشا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبان العطار قال ، حدثنا عاصم : أن زر بن حبيش قرأها : ورياشا .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، قراءة من قرأ: "وريشا" بغير ألف ، لإجماع الحجة من القرأة عليها. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر في إسنأده نظر: أنه قرأه : ورياشا .
فمن قرأ ذلك : ورياشا فانه محتمل أن يكون أراد به جمع الريش ، كما تجمع الذئب ، ذئاباً ، و لبئر بئارا .
ويحتمل أن يكون أراد به مصدرا، من قول القائل : راشه الله يريشه رياشاً وريشاً، كما يقال : لبسه يلبسه لباساً ولبساً، وقد أنشد بعضهم :
فلما كشفن الئبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما
بكسر اللام من اللبس . والرياش ، في كلام العرب ، الأثاث ، وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يحشى من فراش أو دثار.
و(الريش إنما هو المتاع والأموال عندهم . وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال . يقولون : أعطاء سرجاً بريشه ، ورحلا بريشه ، أي بكسوته وجهازه . ويقولون : إنه لحسن ريش الثياب ، وقد يستعمل الرياش في الخصب ورفاهة العيش .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التاويل .
ذكر من قال : الرياش ، المال .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وريشا" ، يقول : مالا.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبوعاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وريشا" ، قال : المال .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ورياشا ، قال : أما رياشا ، فرياش المال .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعيد المدني قال ، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول : الرياش ، المال .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : ورياشا ، يعني ، المال .
ذكر من قال : هو اللباس ورفاهة العيش .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ورياشا، ، قال : الرياش ، اللباس والعيش والنعيم .
-حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر ، و سهل بن يوسف ، عن عوف ، عن معبد الجهني : ورياشا، ، قال : الرياش المعاش .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا عوف قال ، قال معبد الجهني : ورياشا ، ، قال : والمعاش . وقال آخرون : الريش ، الجمال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ورياشا ، قال : الريش ، الجمال .
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تـأويل ذلك .
فقال بعضهم : لباس التقوى، هو الإيمان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ولباس التقوى" ، هو الإيمان .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولباس التقوى" ، الإيمان .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، أخبرني حجاج ، عن ابن جريج : " ولباس التقوى" ، الإيمان . وقال آخرون : هو الحياء.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر و سهل بن يوسف ، عن عوف ، عن معبد الجهني في قوله : " ولباس التقوى" ، الذي ذكر الله في القرآن ، هو الحياء .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا عوف قال ، قال معبد الجهنى ، فذكر مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن معبد ، بنحوه . وقال اخرون : هو العمل الصالح .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولباس التقوى ذلك خير" ، قال : لباس التقوى ، العمل الصالح . وقال آخرون : بل ذلك هو السمت الحسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود ، عن محمد بن موسى ، عن بن عمرو ، عن ابن عباس : " ولباس التقوى" ، قال : السمت الحسن في الوجه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق بن الحجاج قال ، حدثنا إسحق بن إسمعيل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن قال : رأيت عثمان بن عفان على منبررسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليه قميص قوهي محلول الزر، وسمعته يأمر بقتل الكلاب ، وينهى عن اللعب بالحمام ، ثم قال : يا أيها الناس ، اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفس محمد بيده ، ما عمل أحد قط سرا إلا ألبسه الله رداء علانية ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا ، ثم تلا هذه الأية : ورياشا - ولم يقرأها : " وريشا" - " ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله " ، قال : السمت الحسن .
وقال آخرون : هو خشية الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد المدني قال ، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول : لباس التقوى، خشية الله .
وقال آخرون : لباس التقوى ، في هذه المواضع ، ستر العورة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ولباس التقوى" ، يتقي الله ، فيواري عورته ، ذلك لباس التقوى . واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة المكيين والكوفيين والبصريين : " ولباس التقوى ذلك خير" ، برفع ولباس . وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة : ولباس التقوى،، بنصب اللباس ، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين .
فمن نصب ولباس ، ، فإنه نصبه عطفا على الريش ، بمعنى ة قد أنزلنا عليكم لباسايواري سواتكم وريشاً ، وأنزلنا لباس التقوى .
وأما الرفع ، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به اللباس . فكان بعض نحويي البصرة يقول : هومرقوع على الابتداء ، وخبره في قوله : " ذلك خير" . وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال : هذا غلط ، لأنه لم يعد على اللباس في الجملة عائد ، فيكون اللباس إذا رفع على الابتداء ، وجعل ذلك خير خبرا .
وقال بعض نحويي الكوفة : " ولباس " ، يرفع بقوله : ولباس التقوى خير، وجعل ذلك من نعته .
قال أبوجعفر : وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع اللباس ، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون ، مرفوعا ب خير، ، وإذا رفع ب خير لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل اللباس نعتا ،لا أنه عائد على اللباس من ذكره في قوله : ذلك خير ، فيكون خير مرفوعا ب ذلك ، و ذلك ، به . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام -إذا رفع لباس التقوى : ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه ، خير لكم يا بني آدم ، من لباس الثياب التي تواري سوآتكم ، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم ، هكذا فالبسوه .
وأما تاويل من قرأه نصبا، فإنه : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى" ، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوآتكم والريش ، ولباس التقوى خير لكم من التعري والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت ، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش ، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعري من الثياب ، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فخدعهما حتى جردهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له ، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصياه بأكلها.
قال أبو جعفر : وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ، أعني نصب قوله : ولباس التقوى، لصحة معناه في التأويل على ما بينت ، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سواتنا والرياش ، توبيخا للص ثعركين الذين كانوا يتجردون قي حال طوافهم بالبيت ، ويامرهم باخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال ، مع الإيمان به واتباع طاعته ، ويعلمهم أن كل ذلك خير من كل ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ، وتعريهم ، إلا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خير من بعض .
ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك ، الآيات التي بعد هذه الآية ، وذلك قوله : " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما" ، وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله : " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" ، فإنه جل ثناؤ ه يأمرفي كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب ، واستعمال اللباس ، وترك التجرد والتعري ، وبالإيمان به ، واتباع أمره والعمل بطاعته ، وينهى عن الشرك به واتباع أمرالشيطان ، مؤ كد ا في كل ذلك ماقد أجمله في قوله : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله : " لباس التقوى" ، استشعار النفوس تقوى الله ، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه ، والعمل بما أمر به من طاعته ، وذلك يجمع للإيمان ، والعمل الصالح ، والحياء، وخشية الله ، والسمت الحسن . لأن من اتقى الله كان به مؤمنأ، وبما أمره به عاملا، ومنه خائفا، وله مراقبا، ومن أن يرى عندما يكرهه من عباده مستحيياً . ومن كان كذلك ظهرت اثار الخير فيه ، فحسن سمته وهديه ، ورئيت عليه بهجة الإيمان ونوره .
وإنما قلنا عنى ب لباس التقوى، استشعار النفس والقلب ذلك ، لأن اللباس ، إنما هو ادراع ما يلبس ، واجتياب ما يكتسي، أو تغطية بدنه أو بعضه به . فكل من اذرع شيئا واجتابه حتى يرى عينه أوأثره محليه ، فهو له لابس . ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباساً، وهن لهم لباساً، وجعل الليل لعباده لباساً.
ذكر من تاول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله ، إذا قرىء قوله :
" ولباس التقوى" ، رفعا .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولباس التقوى" ، الإيمان ، " ذلك خير" ، يقول : ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوآتكم .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولباس التقوى" ،قال : لباس التقوى وهو الإيمان .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ذلك الذي ذكرت لكم أني أنزلته إليكم ، أيها الناس ، من اللباس والريالش ، من حجج لله وأدلته التي يعلم بها من كفر صحة توحيد الله ، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة، " لعلهم يذكرون " ، يقول جل ثناؤه : جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت ، ليذكرو فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل ، رحمة مني بعبادي .
فيه أربع مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم" قال كثير من العلماء: هذه الآية دليل على وجوب ستر العورة، لأنه قال: "يواري سوآتكم". وقال قوم: إنه ليس فيها دليل على ما ذكروه، بل فيها دلالة على الإنعام فقط.
قلت: القول الأول أصح. ومن جملة الإنعام ستر العورة، فبين أنه سبحانه وتعالى جعل لذريته ما يسترون به عوراتهم، ودل على الأمر بالتستر. ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعين الناس. واختلفوا في العورة ما هي؟ فقال ابن أبي ذئب: هي من الرجل الفرج نفسه، القبل والدبر دون غيرهما. وهو قول داود وأهل الظاهر وابن أبي عبلة والطبري، لقوله تعالى: "لباسا يواري سوآتكم"، "بدت لهما سوآتهما"، "ليريهما سوآتهما". وفي البخاري عن أنس:
"فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر -وفيه- ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم". وقال مالك: السرة ليست بعورة، وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته. وقال أبو حنيفة: الركبة عورة. وهو قول عطاء. وقال الشافعي: ليست السرة ولا الركبتان من العورة على الصحيح. وحكى أبو حامد الترمذي أن للشافعي في السرة قولين. وحجة مالك "قوله عليه السلام لجرهد:
غط فخذك فإن الفخذ عورة". خرجه البخاري تعليقاً وقال: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم. وحديث جرهد هذا يدل على خلاف ما قال أبو حنيفة. وروي "أن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي وقال:
أقبل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك". فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة، ولا مكنه الحسن منها. وأما المرأة الحرة فعورة كلها إلا الوجه والكفين. على هذا أكثر أهل العلم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها". ولأن ذلك واجب كشفه في الإحرام. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وروي عن أحمد بن حنبل نحوه. وأما أم الولد فقال الأثرم: سمعته -يعني أحمد بن حنبل- يسأل عن أم الولد كيف تصلي؟ فقال: تغطي رأسها وقدميها، لأنها لا تباع، وتصلي كما تصلي الحرة. وأما الأمة فالعورة منها ما تحت ثديها. ولها أن تبدي رأسها ومعصميها. وقيل: حكمها حكم الرجل. وقيل: يكره لها كشف رأسها وصدرها. وكان عمر رضي الله عنه يضرب الإماء على تغطيتهن رؤوسهن ويقول: لا تشبهن بالحرائر. وقال أصبغ: إن انكشف فخذها أعادت الصلاة في الوقت. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من الأمة عورة حتى ظفرها. وهذا خارج عن أقوال الفقهاء، لإجماعهم على أن المرأة الحرة لها أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله، تباشر الأرض به. فالأمة أولى، وأم الولد أغلظ حالاً من الأمة. والصبي الصغير لا حرمة لعورته. فإذا بلغت الجارية إلى حد تأخذها العين وتشتهى سترت عورتها. وحجة أبي بكر بن عبد الرحمن قوله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" [الأحزاب: 59]. وحديث "أم سلمة أنها سئلت:
ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها". وقد روي مرفوعاً. والذين أقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ، منهم مالك وابن إسحاق وغيرهما. قال أبو داود: ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمر: عبد الرحمن هذا ضعيف عندهم، إلا أنه خرج البخاري بعض حديثه. والإجماع في هذا الباب أقوى من الخبر.
الثانية- قوله تعالى: "أنزلنا عليكم لباسا" يعني المطر الذي ينب القطن والكتان، ويقيم البهائم الذي منها الأصواف والأوبار والأشعار، فهو مجاز مثل "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" [الزمر: 6] على ما يأتي. وقيل: هذا الإنزال إنزال شيء من اللباس مع آدم وحواء، ليكون مثالاً لغيره. وقال سعيد بن جبير: أنزلنا عليكم أي خلقنا لكم، كقوله: "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" أي خلق. على ما يأتي. وقيل: ألهمناكم كيفية صنعته.
الثالثة- قوله تعالى: "وريشا" قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وعاصم من رواية المفصل الضبي، وأبو عمرو من رواية الحسين بن علي الجعفي ورياشا. ولم يحكه أبو عبيدة إلا عن الحسن، ولم يفسر معناه. وهو جمع ريش. وهو ما كان من المال واللباس. وقال الفراء: ريش ورياش، كما يقال: لبس ولباس. وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل: هو الخصب ورفاهية العيش. والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وأنشد سيبويه:
فريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهب له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس. والخشن من الثياب، مما يتواضع به لله تعالى ويتعبد له خير من غيره. وقال زيد بن علي:
الرابعة- قوله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير" بين أن التقوى خير لباس، كما قال:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً
وروى قاسم بن مالك بن عوف عن معبد الجهني قال: لباس التقوى الحياء.
وقال ابن عباس: لباس التقوى هو العمل الصالح. وعنه أيضاً: السمت الحسن في الوجه. وقيل: ما علمه عز وجل وهدى به. وقي: لباس التقوى لبس الصوف والخشن من الثياب، مما يتواضع به لله تعالى ويتعبد له خير من غيره. وقال زيد بن علي: لباس التقوى الدرع والمغفر، والساعدان، والساقان، يتقى بهما في الحرب. وقال عروة بن الزبير: هو الخشية لله. وقيل: هو استشعار تقوى الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه.
قلت: وهو الصحيح، وإليه يرجع قول ابن عباس وعروة. وقول زيد بن علي حسن، فإنه حض على الجهاد. وقال ابن زيد: هو ستر العورة. وهذا فيه تكرار، إذ قال أولاً: "قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم". ومن قال: إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدعوى، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى، على ما يأتي مبيناً إن شاء الله تعالى. وقرأ أهل المدينة والكسائي لباس بالنصب عطفاً على لباساً الأول. وقيل: انتصب بفعل مضمر، أي وأنزلنا لباس التقوى. والباقون بالرفع على الابتداء. وذلك نعته وخير خبر الابتداء. والمعنى: ولباس التقوى المشار إليه، الذي علمتموه، خير لكم من لبس الثياب التي تواري سوءاتكم، ومن الرياش الذي أنزلنا إليكم، فالبسوه. وقيل: ارتفع بإضمار هو، أي وهو لباس التقوى، أي هو ستر العورة. وعليه يخرج قول ابن زيد. وقيل: المعنى ولباس التقوى هو خير، فـذلك بمعنى هو. والإعراب الأول أحسن ما قيل فيه. وقرأ الأعمش ولباس التقوى خير ولم يقرأ ذلك. وهو خلاف المصحف. "ذلك من آيات الله" أي مما يدل على أن له خالقاً. وذلك رفع على الصفة، أو على البدل، أو عطف بيان.
يمتن تعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش, فاللباس ستر العورات وهي السوآت, والرياش والريش ما يتجمل به ظاهراً, فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات, قال ابن جرير: الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وحكاه البخاري عنه: الرياش المال وهكذا قال مجاهد وعروة بن الزبير والسدي والضحاك وغير واحد, وقال العوفي عن ابن عباس: الريش اللباس والعيش والنعيم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الرياش الجمال, وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا أصبع عن أبي العلاء الشامي, قال: لبس أبو أمامة ثوباً جديداً فلما بلغ ترقوته قال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي, ثم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استجد ثوباً فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي, ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حياً وميتاً" ورواه الترمذي وابن ماجه من رواية يزيد بن هارون عن أصبع هو ابن زيد الجهني, وقد وثقه يحيى بن معين وغيره, وشيخه أبو العلاء الشامي لا يعرف إلا بهذا الحديث, ولكن لم يخرجه أحد, والله أعلم.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا مختار بن نافع التمار عن أبي مطر, أنه رأى علياً رضي الله عنه أتى غلاماً حدثاً فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين, يقول حين لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي, فقيل هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: هذا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكسوة: "الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي" ورواه الإمام أحمد, وقوله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير" قرأ بعضهم ولباس التقوى بالنصب, وقرأ الاخرون بالرفع على الابتداء, و"ذلك خير" خبره, واختلف المفسرون في معناه, فقال عكرمة: يقال هو ما يلبسه المتقون يوم القيامة, رواه ابن أبي حاتم, وقال زيد بن علي والسدي وقتادة وابن جريج: ولباس التقوى الإيمان, وقال العوفي عن ابن عباس: العمل الصالح, قال الديال بن عمرو عن ابن عباس: هو السمت الحسن في الوجه, وعن عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ولباس التقوى يتقي الله فيواري عورته فذاك لباس التقوى, وكلها متقاربة, ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه ابن جرير حيث قال: حدثني المثنى حدثنا إسحاق بن الحجاج, حدثني إسحاق بن إسماعيل عن سليمان بن أرقم عن الحسن, قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص فوهي محلول الزر, وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهى عن اللعب بالحمام, ثم قال: يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "والذي نفس محمد بيده ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية, إن خيراً فخير وإن شراً فشر" ثم قرأ هذه الاية "وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله" قال: السمت الحسن, هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم, وفيه ضعف, وقد روى الأئمة الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب من طرق صحيحة عن الحسن البصري, أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر, وأما المرفوع منه فقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير له شاهداً من وجه آخر حيث قال حدثنا ( ) .
عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق: أي خلقنا لكم لباساً يواري سوآتكم التي أظهرها إبليس من أبويكم، والسوءة العورة كما سلف، والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع. قوله: "وريشاً" قرأ الحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي وأبو عمرو من رواية الحسن بن علي الجعفي ورياشاً وقرأ الباقون وريشاً والرياش جمع ريش: وهو اللباس. قال الفراء: ريش ورياش كما يقال: لبس ولباس، وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل المراد بالريش هنا: الخصب ورفاهية العيش. قال القرطبي: والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبت له دابة وريشها: أي وما عليها من اللباس. وقيل: المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله: "قد أنزلنا عليكم لباساً" وعطفه عليه. قوله: "ولباس التقوى" قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس. وقرأ الباقون بالرفع، فالنصب على أنه معطوف على لباس الأول، والرفع على أنه مبتدأ، وجملة "ذلك خير" خبره، والمراد بلباس التقوى: لباس الورع واتقاء معاصي الله، وهو الورع نفسه والخشية من الله، فذلك خير لباس وأجمل زينة، وقيل: لباس التقوى الحياء، وقيل: العمل الصالح، وقيل: هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله، وقيل: هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله، والأول أولى. وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال، ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب، ومنه:
إذ المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا
ومثله:
تغط بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
والإشارة بقوله: "ذلك" إلى لباس التقوى: أي هو خير لباس، وقرأ الأعمش " ولباس التقوى ذلك خير " والإشارة بقوله: "ذلك من آيات الله" إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا: أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أنه له خالقاً ثم كرر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيراً لهم من الشيطان.
26- " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم "، أي: خلقنا لكم " لباساً "، وقيل: إنما قال: ( أنزلنا ) لأن اللباس إنما يكون من نبات الأرض، والنبات يكون بما ينزل من السماء، فمعنى قوله: " أنزلنا "، أي: أنزلنا أسبابه .وقيل: كل بركات الأرض منسوبة إلى بركات السماء كما قال تعالى: " وأنزلنا الحديد" (سورة الحديد،25) وإنما يستخرج الحديد من الأرض.
وسبب نزول هذه الآية: أنهم كانوا في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة.
وقال قتادة : كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فأمر الله سبحانه بالستر فقال: " قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم "، يستر عوراتكم، واحدتها سوأة، سميت بها لأنه يسوء صاحبها انكشافها، فلا تطوفوا عراةً، " وريشاً "، يعني: مالاً في قول ابن عباس و مجاهد و الضحاك و السدي ، يقال: تريش الرجل إذا تمول، وقيل: الريش الجمال، أي: ما يتجملون به من الثياب، وقيل: هو اللباس .
" ولباس التقوى ذلك خير "، قرأ أهل المدينة و ابن عامر و الكسائي " ولباس " بنصب السين عطفاً على قوله " لباساً " وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره " خير "، وجعلوا " ذلك " صلة في الكلام، ولذلك قرأ ابن مسعود وأبي بن كعب " ولباس التقوى ذلك خير ".
واختلفوا في " لباس التقوى " قال قتادة و السدي : لباس التقوى هو الإيمان . وقال الحسن : هو الحياء لأنه يبعث على التقوى .
وقال عطية عن ابن عباس: هو العمل الصالح. وعن عثمان بن عفان، أنه قال: السمت الحسن.
وقال عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله، وقال الكلبي : هو العفاف. والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خلق له من اللباس للتجمل .
وقال ابن الأنباري : لباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده إخباراً أن ستر العورة خير من التعري في الطواف.
وقال زيد بن علي : لباس التقوى الآلات التي يتقى بها في الحرب كالدرع والمغفر والساعد والساقين .
وقيل: لباس التقوى هو الصوف والثياب الخشنة التي يلبسها أهل الورع. " ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون "
26. " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا " أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة ، ونظيره قوله تعالى : " وأنزل لكم من الأنعام " وقوله تعالى : " وأنزلنا الحديد" ." يواري سوآتكم " التي قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق . روي : أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، فنزلت . ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان ، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم. " وريشاً " ولباساً تتجملون به ،والريش الجمال . وقيل ملاً ومنه تر يش الرجل إذا تمول . وقرئ رياشاً وهو جمع ريش كشعب وشعاب . " ولباس التقوى " خشية الله . وقيل الإيمان . وقيل السمت الحسن . وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره : " ذلك خير " أو خبر وذلك صفته كأنه قيل :ولباس التقوى المشار إليه خير . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي " ولباس التقوى " بالنصب عطفاً على " لباساً" "ذلك " أي إنزال اللباس . " من آيات الله " الدالة على فضله ورحمته . " لعلهم يذكرون " فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح .
26. O Children of Adam! We have revealed unto you raiment to conceal your shame, and splendid vesture, but the raiment of restraint from evil, that is best. This is of the revelations of Allah, that they may remember.
26 - O ye Children of Adam we shall have bestowed raiment upon you to cover your shame, as well as to be an adornment to you. but the raiment of righteousness, that is the best. such are among the signs of God, that they may receive admonition