[الأعراف : 196] إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ
196 - (إن وليي الله) متولي أموري (الذي نزل الكتاب) القرآن (وهو يتولى الصالحين) بحفظه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للمشركين من عبدة الأوثان، " إن وليي "، نصيري ومعيني وظهيري عليكم، " الله الذي نزل الكتاب " علي بالحق، وهو الذي يتولى من صلح عمله بطاعته من خلقه.
"إن وليي الله الذي نزل الكتاب" أي الذي يتولى نصري وحفظي الله. وولي الشيء: الذي يحفظه ويمنع عنه الضرر. والكتاب: القرآن. "وهو يتولى الصالحين" أي يحفظهم. وفي صحيح مسلم "عن عمرو بن العاص قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: ألا إن آل أبي -يعني فلاناً- ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين". وقال الأخفش: وقرئ إن ولي الله الذي نزل الكتاب يعني جبريل. النحاس. هي قراءة عاصم الجحدري. والقراءة الأولى أبين، لقوله: "وهو يتولى الصالحين".
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
ثم قال لهم: 196- "إن وليي الله الذي نزل الكتاب" أي كيف أخاف هذه الأصنام التي هذه صفتها ولي ولي ألجأ إليه وأستنصر به وهو الله عز وجل "الذي نزل الكتاب" وهذه الجملة تعليل لعدم المبالاة بها وولي الشيء هو الذي يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر "وهو يتولى الصالحين" أي يحفظهم وينصرهم، ويحول ما بينهم وبين أعدائهم. قال الأخفش: وقرئ "إن وليي الله الذي نزل الكتاب" يعني جبرائيل. قال النحاس: هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أبين لقوله: "وهو يتولى الصالحين".
196 - " إن وليي الله الذي نزل الكتاب " ، يعني القرآن ، أي أنه يتولاني وينصرني كما أيدني بإنزال الكتاب ، " وهو يتولى الصالحين " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الذين لا يعدلون بالله شيئا فالله يتولاهم بنصره فلا يضرهم عداوة من عاداهم .
196. " إن وليي الله الذي نزل الكتاب " القرآن ." وهو يتولى الصالحين " أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه .
196. Lo! my Protecting Friend is Allah who revealeth the Scripture. He befriendeth the righteous.
196 - For my protector is God, who revealed the book (from time to time), and he will choose and befriend the righteous.