[الأعراف : 191] أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
191 - (أيشركون) به في العبادة (ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيشركون في عبادة الله، فيعبدون معه، " ما لا يخلق شيئاً "، والله يخلقها وينشئها؟وإنما العبادة الخالصة للخالق لا للمخلوق.
وكان ابن زيد يقول في ذلك بما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قال: ولد لآدم وحواء ولد فسمياه ((عبد الله))، فأتاهما إبليس فقال: ما سميتما يا آدم ويا حواء ابنكما؟ قال: وكان ولد لهما قبل ذلك وقد فسمياه ((عبد الله)) فمات. فقالا: سميناه ((عبد الله))! فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ لا والله، ليذهبن به كما ذهب بالآخر! ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما، فسمياه ((عبد شمس))! قال: فذلك قول الله تبارك وتعالى: " أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون "، آلشمس تخلق شيئاً حتى يكون لها عبد؟إنما هي مخلوقة! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خدعهما مرتين، خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض " . وقيل: " وهم يخلقون "، فأخرج مكنيهم مخرج مكني بني آدم، وقد قال: " أيشركون ما "، فأخرج ذكرهم بـ" ما " لا بـ((من))، مخرج الخبر عن غير بني آدم لأن الذي كانوا يعبدونه إنما كان حجراً أو خشباً أو نحاساً أو بعض الأشياء التي يخبر عنها بـ((ما)) لا بـ((من))، فقيل لذلك: " ما "، ثم قيل " وهم "، فأخرجت كنايتهم مخرج كناية بني آدم، لأن الخبر عنها بتعظيم المشركين إياها، نظير الخبر عن تعظيم الناس بعضهم بعضاً.
قوله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا" أي أيعبدون ما لا يقدر على خلق شيء. "وهم يخلقون" أي الأصنام مخلوقة. وقال: يخلقون بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع، فأجريت مجرى الناس، كقوله: "في فلك يسبحون" [الأنبياء: 33]. وقوله: "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم" [النمل: 18].
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
والاستفهام في 191- "أيشركون ما لا يخلق شيئاً" للتقريع والتوبيخ: أي كيف يجعلون لله شريكاً لا يخلق شيئاً ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم. قوله: "وهم يخلقون" عطف على "ما لا يخلق" والضمير راجع إلى الشركاء الذين لا يخلقون شيئاً: أي وهؤلاء الذين جعلوهم شركاء من الأصنام أو الشياطين مخلوقون، وجمعهم جمع العقلاء لاعتقاد من جعلهم شركاء أنهم كذلك.
191 - قوله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئاً " ، يعني : إبليس والأصنام ، " وهم يخلقون " ، أي : هم مخلوقون .
191. " أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون " يعني الأصنام . وقيل : لما حملت حواء أتاهما إبليس في صورة رجل فقال لها : ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج ، فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحرث ، وكان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت ، فلما ولدت سمياه عبد الحرث. وأمثال ذلك لا تليق بالأنبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في" خلقكم " لآل قصي من قريش ، فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم : عبد مناف ، وعبد شمس ، وعبد قصي ، عبد الدار . ويكون الضمير في " يشركون " لهما ولأعقابهما المقتدين بهما .وقرأ نافع وأبو بكر (شركاً) أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء ، وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة .
191. Attribute they as partners to Allah those who created naught, but are themselves created,
191 - Do they indeed ascribe to him as partners things that can create nothing, but are themselves created?