[الأعراف : 188] قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
188 - (قل لا أملك لنفسي نفعاً) أجلبه (ولا ضراً) أدفعه (إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب) ما غاب عني (لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار (إن) ما (أنا إلا نذير) بالنار للكافرين (وبشير) بالجنة (لقوم يؤمنون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لسائليك عن الساعة: " أيان مرساها "؟، " لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا "، يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي، ولا دفع ضر يحل بها عنها، إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقويني عليه ويعينني، " ولو كنت أعلم الغيب "، يقول: لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد، " لاستكثرت من الخير "، يقول: لأعددت الكثير من الخير.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى ((الخير)) الذي عناه الله بقوله: " لاستكثرت من الخير ".
فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالح.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القامس قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا "، قال: الهدى والضلالة، " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير "، قال: ((أعلم الغيب))، متى أموت، لاستكثرت من العمل الصالح.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء "، قال: لاجتنبت ما يكون من الشر واتقيته.
وقال آخرون: معنى ذلك: " ولو كنت أعلم الغيب "، لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغلاء من الرخص، واستعددت له في الرخص.
وقوله: " وما مسني السوء "، يقول: وما مسني الضر، " إن أنا إلا نذير وبشير "، يقول: ما أنا إلا رسول لله أرسلني إليكم، أنذر عقابه من عصاه منكم وخالف أمره، وأبشر بثوابه وكرامته من آمن به وطاعته منكم.
وقوله: " لقوم يؤمنون "، يقول: يصدقون بأني لله رسول، ويقرون بحقيقة ما جئتهم به من عنده.
قوله تعالى: "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا" أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً، فكيف أملك علم الساعة. وقيل: لا أملك لنفسي الهدى والضلال. "إلا ما شاء الله" في موضع نصب بالاستثناء. والمعنى: إلا ما شاء الله أن يملكني ويمكنني منه. وأنشد سيبويه:
مهما شاء بالناس يفعل
"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته. وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب. وقال ابن عباس: لو كنت أعلم سنة الجدب لهيأت لها في زمن الخصب ما يكفيني. وقيل: المعنى لو كنت أعلم التجارة التي تنفق لاشتريتها وقت كسادها. وقيل: المعنى لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح، عن الحسن وابن جريج. وقيل: المعنى لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه. وكله مراد، والله أعلم. "وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" هذا استئناف كلام، أي ليس بي جنون، لأنهم نسبوه إلى الجنون. وقيل: هو متصل، والمعنى لو علمت الغيب لما مسني سوء ولحذرت، ودل على هذا قوله تعالى: "إن أنا إلا نذير وبشير".
أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه, وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه, كما قال تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً" الاية. وقوله "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال: لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملاً صالحاً, وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد, وقال مثله ابن جريج, وفيه نظر لأن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ديمة, وفي رواية: كان إذا عمل عملاً أثبته, فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى الله عز وجل في جميع أحواله, اللهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك, والله أعلم. والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" أي من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه, فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه "وما مسني السوء" ولا يصيبني الفقر. وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرخص, فاستعددت له من الرخص, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "وما مسني السوء" قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته, ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير, أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات, كما قال تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً".
قوله: 188- "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله" هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع ضر عنه إلا ما شاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه فبالأولى أن يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه، وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر، وأبلغ واعظ لمن يدعي لنفسه ما ليس من شأنها، وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر، ثم أكد هذا وقرره بقوله: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه في وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه، وقيل المعنى: لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته، وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب، وقيل: لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه، والأولى حمل الآية على العموم فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها، وقد قيل إن " وما مسني السوء " كلام مستأنف أي ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى أنه متصل بما قبله، والمعنى: لو علمت الغيب ما مسنى السوء ولحذرت عنه كما قدمنا ذلك. قوله: "إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" أي ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قوماً وأبشر بها آخرين ولست أعلم بغيب الله سبحانه، واللام في "لقوم" متعلق بكلا الصفتين: أي بشير لقوم، ونذير لقوم، وقيل هو متعلق ببشير، والمتعلق بنذير محذوف: أي نذير لقوم يكفرون، وبشير لقوم يؤمنون.
188 - " قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله "، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أهل مكة قالوا : يا محمد ، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتريه وتربح فيه عند الغلاء ؟ وبالأرض التي يريد أن تجدب فترتحل إلى ما قد أخصبت ؟ فأنزل الله تعالى " قل لا أملك لنفسي نفعا " أي : لا أقدر لنفسي نفعاً ، أي : اجتلاب نفع بأن أربح ولا ضراً ، أي دفع ضر بأن أرتحل من أرض تريد أن تجدب إلا ماشاء الله أن أملكه .
" ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " ، أي : لو كنت إلم الخصب والجدب لاستكثرت من الخير ، أي : من المال لسنة القحط " وما مسني السوء " أي : الضر والفقر والجوع .
وقال ابن جريج : " قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً " يعني : الهدى والضلالة ، ( ولن كنت أعلم الغيب ) أي : متى الموت ، لاستكثرت من الخير ، يعني : من العمل الصالح وما مسني السوء .
وقال ابن زيد : واجتنبت ما يكون من الشر واتقيته .
وقيل : معناه ولو كنت أعلم الغيب أي متى الساعة لأخبرتكم حتى تؤمنوا وما مسني السوء بتكذيبكم . وقيل : وما مسني السوء : ابتداءً ، يريد : وما مسني الجنون لأنهم كانوا ينسبونه إلى الجنون . " إن أنا إلا نذير " ، لمن لا يصدق بما جئت به ، " وبشير " ، بالجنة ، " لقوم يؤمنون " ، يصدقون .
188."قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً " جلب نفع ولا دفع ضر ، وهو إظهار للعبودية والتبري من ادعاء العلم بالغيوب . " إلا ما شاء الله " من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له ، " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هو عليه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني سوء . " إن أنا إلا نذير وبشير " ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة . " لقوم يؤمنون " فإنهم المنتفعون بهما ، ويجوز أن يكون متعلقا بال" بشير " ومتعلق أل" نذير " محذوف .
188. Say: For myself I have no power to benefit, nor power to hurt, save that which Allah willeth. Had I knowledge of the Unseen, I should have abundance of wealth, and adversity would not touch me. I am but a warner, and a bearer of good tidings unto folk who believe.
188 - say: I have no power over any good or harm to my self except as God willeth. If I had knowledge of the unseen I should have multiplied all good and no evil should have touched me: i am but a warner, and a bringer of glad tidings to those who have faith.