[الأعراف : 152] إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ
152 - قال تعالى (إن الذين اتخذوا العجل) إلها (سينالهم غضب) عذاب (من ربهم وذلة في الحياة الدنيا) فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة (وكذلك) كما جزيناهم (نجزي المفترين) على الله بالإشراك وغيره
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " إن الذين اتخذوا العجل " إلهاً، " سينالهم غضب من ربهم "، بتعجيل الله لهم ذلك، " وذلة "، وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم، " في الحياة الدنيا "، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة.
وكان ابن جريج يقول في ذلك بما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين "، قال: هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام، ومن فر منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضاً.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج ، وإن كان قولاً له وجه، فإن ظاهر كتاب الله، مع تأويل أكثر أهل التأويل، بخلافه. وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام، تاب على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه، وذلك قوله: " وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم " [البقرة: 54]، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم. فكان أمر الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفس بعض، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل. فكان قتل بعضهم بعضاً هواناً لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا، وتوبة منهم إلى الله قبلها.
وليس لأحد أن يجعل خبراً جاء الكتاب بعمومه، في خاص مما عمه الظاهر، بغير برهان من حجة خبر أو عقل. ولا نعلم خبراً جاء بوجوب نقل ظاهر قوله: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم "، إلى باطن خاص، ولا من العقل عليه دليل، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه.
ويعني بقوله: " وكذلك نجزي المفترين "، وكما جزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهاً، من إحلال الغضب بهم، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربهم، وردتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله، كذلك نجزي كل من افترى على الله، فكذب عليه، وأقر بألوهية غيره، وعبد شيئاً سواه من الأوثان، بعد إقراره بوحدانية الله، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقيل ذلك، إذا لم يتب من كفره قبل قتله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: تلا أبو قلابة: " سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا " الآية، قال: فهو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة: أن يذله الله عز وجل.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: قرأ أبو قلابة يوماً هذه الآية: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين "، قال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.
... قال حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن ثابت، وحميد: أن قيس بن عباد، وجارية بن قدامة، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالا: أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه، أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم رأي رأيته؟ قال: ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا: والله لا نعرض عنه حتى تخبرنا! فقال: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتاباً في قراب سيفي هذا! فاستله، فأخرج الكتاب من قراب سيفه، وإذا فيه: ((إنه لم يكن نبي إلا له حرم، وأني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة، لا يحمل فيها السلاح لقتال. من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)). فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه: أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا: إنا سمعنا الله يقول: " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " الآية، وإن القوم قد افتروا فرية، ولا أدري إلا ستنزل بهم ذلة.
حدثني المثني قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة في قوله: " وكذلك نجزي المفترين "، قال: كل صاحب بدعة ذليل.
قوله تعالى: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم" الغضب من الله العقوبة. "وذلة في الحياة الدنيا" لأنهم أمروا بقتل بعضهم بعضاً. وقيل: الذلة الجزية. وفيه بعد، لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذرياتهم. ثم قيل: هذا من تمام كلام موسى عليه السلام، أخبر الله عز وجل به عنه، وتم الكلام. ثم قال الله تعالى: "وكذلك نجزي المفترين". وكان هذا القول من موسى عليه السلام قبل أن يتوب القوم بقتلهم أنفسهم، فإنهم لما تابوا وعفا الله عنهم بعد أن جرى القتل العظيم -كما تقدم بيانه في البقرة- أخبرهم أن من مات منهم قتيلاً فهو شهيد، ومن بقي حياً فهو مغفور له. وقيل: كان ثم طائفة أشربوا في قلوبهم العجل، أي حبه، فلم يتوبوا، فهم المعنيون بقوله: "إن الذين اتخذوا العجل". وقيل أراد من مات منهم قبل رجوع موسى من الميقات. وقيل: أراد أولادهم. وهو ما جرى على قريظة والنضير، أي سينال أولادهم. والله أعلم. "وكذلك نجزي المفترين" أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين. وقال مالك بن أنس رحمة الله عليه: ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلة، ثم قرأ "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم" -حتى قال- "وكذلك نجزي المفترين" أي المبتدعين. وقيل: إن موسى أمر بذبح العجل، فجرى منه دم وبرده بالمبرد وألقاه مع الدم في اليم وأمرهم بالشرب من ذلك الماء، فمن عبد ذلك العجل وأشربه ظهر ذلك على أطراف فمه، فبذلك عرف عبدة العجل. وقد مضى هذا في البقرة ثم أخبر الله تعالى أن الله يقبل توبة التائب من الشرك وغيره. وقد مضى هذا في غير موضع.
أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل فهو أن الله تعالى: لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضاً, كما تقدم في سورة البقرة "فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم. ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم" وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلاً وصغاراً في الحياة الدنيا, وقوله "وكذلك نجزي المفترين" نائلة لكل من افترى بدعة فإن ذل البدعة ومخالفة الرشاد متصلة من قلبه على كتفيه, كما قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغلات وطقطقت بهم البراذين: وهكذا روى أيوب السختياني عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الاية "وكذلك نجزي المفترين" فقال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة, وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل, ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان حتى ولو كان من كفر أوشرك أونفاق أوشقاق, ولهذا عقب هذه القصة بقوله "والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك" أي: يا محمد يا رسول التوبة ونبي الرحمة "من بعدها" أي من بعد تلك الفعلة "لغفور رحيم". وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا قتادة عن عزرة عن الحسن العرني عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن ذلك يعني عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها فتلا هذه الاية "والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" فتلاها عبد الله عشر مرات فلم يأمرهم بها ولم ينههم عنها.
الغضب ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم، وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب، والذلة هي التي ضربها الله عليهم بقوله: "ضربت عليهم الذلة"، وقيل هي إخراجهم من ديارهم، وقيل هي الجزية، وفيه نظر لأنها لم تؤخذ منهم، وإنما أخذت من ذراريهم. والأولى أن يقيد الغضب والذلة بالدنيا لقوله: 152- "في الحياة الدنيا" وإن ذلك مختص بالمتخذين للعجل إلهاً لا لمن بعدهم من ذراريهم ومجرد ما أمروا به من قتل أنفسهم هو غضب من الله عليهم، وبه يصيرون أذلاء، وكذلك خروجهم من ديارهم هو من غضب الله عليهم، وبه يصبرون أذلاء وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصح تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي، وهو لم يتعذر هنا "وكذلك نجزي المفترين" أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين، والافتراء الكذب، فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا، وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء، بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه وأن فيه ذلة بأي نوع كان.
152 - قوله تعالى : " إن الذين اتخذوا العجل " أي : اتخذوه إلهاً " سينالهم غضب من ربهم " في الآخرة " وذلة في الحياة الدنيا " قال أبو العالية : هو ما أمروا به من قتل أنفسهم . وقال عطية العوفي : " إن الذين اتخذوا العجل " أراد اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم عيرهم بصنيع آبائهم فنسبه إليهم " سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا " أراد ما أساب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الجزية ، " وكذلك نجزي المفترين " ، الكاذبين ، قال أبو قلابة هو -والله- جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله . قال سفيان بن عيينه : هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة .
152. " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم . " وذلة في الحياة الدنيا " وهي خروجهم من ديارهم . وقيل الجزية . " وكذلك نجزي المفترين " على الله ولا فرية أعظم من فريتهم وهي قولهم هذا إلهكم وإله موسى ، ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم .
152. Lo! those who chose the calf (for worship), terror from their Lord and humiliation will come upon them in the life of the world. Thus do We requite those who invent a lie.
152 - Those who took the calf (for worship) will indeed be overwhelmed with wrath from their Lord, and with shame in this life: thus do we recompense those who invent (falsehoods).