[الحاقة : 34] وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
34 - (ولا يحض على طعام المسكين)
يقول تعالى ذكره مخبراً عن هذا الشقي الذي أوتي كتباه بشماله : إنه كان في الدنيا لا يحض الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة .
"ولا يحض على طعام المسكين" أي على الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء. قال الشاعر:
أكفـرا بعـد المـوت عنـي وبعد عطـائـك المائـة الرتاعا
أراد بعد إعطائك. فبين أنه عذب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل، كما عذب سبب الكفر. والحض: التحريض والحث. وأصل طعام أن يكون منصوباً بالمصدر المقدر. والطعام عبارة عن العين، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما. ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب. والتقدير على إطعام المطعم المسكين، فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول.
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله, فحينئذ يندم غاية الندم "فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية" قال الضحاك : يعني موتة لاحياة بعدها, وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي , وقال قتادة : تمنى الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه "ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه" أي لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه, بل خلص الأمر إلي وحدي فلا معين لي ولا مجير, فعندها يقول الله عز وجل: "خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه" أي يأمر الزبانية أن تأخذه عنفاً من المحشر فتغله أي تضع الأغلال في عنقه ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها أي تغمره فيها. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو خالد عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو قال: إذا قال الله تعالى خذوه ابتدره سبعون ألف ملك, إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار. وروى ابن أبي الدنيا في الأهوال أنه يبتدره أربعمائة ألف ولا يبقى شيء إلا دقه, فيقول: ما لي ولك ؟ فيقول: إن الرب عليك غضبان فكل شيء غضبان عليك, وقال الفضيل بن عياض : إذا قال الرب عز وجل خذوه فغلوه ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه "ثم الجحيم صلوه" أي اغمروه فيها.
وقوله تعالى: "ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه" قال كعب الأحبار : كل حلقة منها قدر حديد الدنيا, وقال العوفي عن ابن عباس وابن جريج : بذراع الملك, وقال ابن جريج : قال ابن عباس "فاسلكوه" تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى. وقال العوفي عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه. وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله , أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه ـ وأشار إلى جمجمة ـ أرسلت من السماء إلى الأرض, وهي مسيرة خمسمائة سنة, لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها" وأخرجه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به, وقال: هذا حديث حسن.
وقوله تعالى: "إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين" أي لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم, فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً, وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى, ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" وقوله تعالى: " فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون " أي ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله تعالى لا حميم وهو القريب, ولا شفيع يطاع, ولا طعام له ههنا إلا من غسلين, قال قتادة : هو شر طعام أهل النار. وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا منصور بن أبي مزاحم , حدثنا أبو سعيد المؤدب عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس قال: ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال: الغسلين الدم والماء يسيل من لحومهم. وقال علي بن أبي طلحة عنه: الغسلين صديد أهل النار.
34- "ولا يحض على طعام المسكين" أي لا يحث على إطعام المسكين من ماله، أو لا يحث الغير على إطعامه، ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء كما قال الشاعر:
أكفراً بعد رد موتي عني وبعد عطائك المال الرعابا
أي بعد إعطائك، ويجوز أن يكون الطعام على معناه غير موضوع موضع المصدر، والمعنى: أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قريناً لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم، وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم.
34- "ولا يحض على طعام المسكين"، لا يطعم المسكين في الدنيا ولا يأمر أهله بذلك.
34-" ولا يحض على طعام المسكين " ولا يحث على بذل طعامه أو على إطعامه فضلاً عن أن يبذل من ماله ،ويجوز أن يكون ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل . وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع ، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب .
34. And urged not on the feeding of the wretched,
34 - And would not encourage the feeding of the indigent!