[الحاقة : 25] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ
25 - (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا) للتنبيه (ليتني لم أوت كتابيه)
يقول تعالى ذكره : وأما من أعطي يومئذ كتاب أعماله بشماله ، فيقول : يا ليتني لم أعط كتابيه .
لقوله: "فأما من أوتي" ومن يتضمن معنى الجمع. وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وقاله مقاتل. والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد، في قول ابن عباس والضحاك أيضاً، قاله الثعلبي. ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات.
ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة، يدل عليه قوله تعالى: "كلوا واشربوا". وقد قيل: إن المراد بذلك كل من كان متبوعاً في الخير والشر. فإذا كان الرجل رأساً في الخير، يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه، دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم، حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض، وفي باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات، فيبدأ بالسيئات فيقرأها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد غفرت لك فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحاً، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه، ويكسى حلتين، ويحلى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعاً وهي قامة آدم عليه السلام، ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم وبشرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا. فإذا أدبر قال: " هاؤم اقرؤوا كتابيه " " إني ظننت أني ملاق حسابيه" . قال الله تعالى:" فهو في عيشة راضية" أي مرضية قد رضيتها "في جنة عالية" في السماء قطوفها ثمارها وعناقيدها. دانية أدنيت منهم. فيقول لأصحابه: هل تعرفوني ؟ فيقولون: قد غمرتك كرامة، من أنت ؟ فيقول: أنا فلان بن فلان أبشر كل رجل منكم بمثل هذا. "كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية" أي قدمتم في أيام الدنيا. وإذا كان الرجل رأساً في الشر، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه، نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات، فيبداً بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو، فإذا بلع آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك وقد ردت عليك فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد وجهه إلا سواداً، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك أي يضاعف عليه العذاب. ليس المعنى أنه يزداد عليه ما لم يعمل - قال - فيعظم للنار وتزرق عنياه ويسود وجهه، ويكسى سرابيل القطران ويقال له: انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا، فينطلق وهو يقول: "يا ليتني لم أوت كتابيه"
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله, فحينئذ يندم غاية الندم "فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية" قال الضحاك : يعني موتة لاحياة بعدها, وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي , وقال قتادة : تمنى الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه "ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه" أي لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه, بل خلص الأمر إلي وحدي فلا معين لي ولا مجير, فعندها يقول الله عز وجل: "خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه" أي يأمر الزبانية أن تأخذه عنفاً من المحشر فتغله أي تضع الأغلال في عنقه ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها أي تغمره فيها. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو خالد عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو قال: إذا قال الله تعالى خذوه ابتدره سبعون ألف ملك, إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار. وروى ابن أبي الدنيا في الأهوال أنه يبتدره أربعمائة ألف ولا يبقى شيء إلا دقه, فيقول: ما لي ولك ؟ فيقول: إن الرب عليك غضبان فكل شيء غضبان عليك, وقال الفضيل بن عياض : إذا قال الرب عز وجل خذوه فغلوه ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه "ثم الجحيم صلوه" أي اغمروه فيها.
وقوله تعالى: "ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه" قال كعب الأحبار : كل حلقة منها قدر حديد الدنيا, وقال العوفي عن ابن عباس وابن جريج : بذراع الملك, وقال ابن جريج : قال ابن عباس "فاسلكوه" تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى. وقال العوفي عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه. وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله , أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه ـ وأشار إلى جمجمة ـ أرسلت من السماء إلى الأرض, وهي مسيرة خمسمائة سنة, لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها" وأخرجه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به, وقال: هذا حديث حسن.
وقوله تعالى: "إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين" أي لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم, فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً, وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى, ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" وقوله تعالى: " فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون " أي ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله تعالى لا حميم وهو القريب, ولا شفيع يطاع, ولا طعام له ههنا إلا من غسلين, قال قتادة : هو شر طعام أهل النار. وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا منصور بن أبي مزاحم , حدثنا أبو سعيد المؤدب عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس قال: ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال: الغسلين الدم والماء يسيل من لحومهم. وقال علي بن أبي طلحة عنه: الغسلين صديد أهل النار.
25- "يا ليتني لم أوت كتابيه" أي لم أعط كتابيه.
25- "وأما من أوتي كتابه بشماله"، قال ابن السائب: تلوى يده اليسرى من صدره خلف ظهره ثم يعطى كتابه. وقيل: تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه، "فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه"، يتمنى أنه لم يبعث للحساب. قال قتادة: يتمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت.
25-" وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول " لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة . " يا ليتني لم أوت كتابيه " .
25. But as for him who is given his record in his left hand, he will say: Oh, would that I had not been given my book
25 - And he that will be given his Record in his left hand, will say: Ah! would that my record had not been given to me!