[القلم : 16] سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
16 - (سنسمه على الخرطوم) سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر
وقوله : " سنسمه على الخرطوم " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية ، وسمة ثابتة فيه ما عاش .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " سنسمه على الخرطوم " فقاتل يوم بدر ، فخطم بالسيف في القتال .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : سنشينه شيئاً باقياً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " سنسمه على الخرطوم " شين لا يفارقه آخر ما عليه .
وقال آخرون : سيمى على أنفه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، " سنسمه على الخرطوم " قال : سنسم على أنفه .
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : سنبين أمره بياناً واضحاً حتى يعرفوه ، فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخرطوم ، وقال قتادة : معنى ذلك : شين لا يفاوته آخر ما عليه ، وقد يحتمل أيضاً أن يكون خطم بالسيف ، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف .
ويعني بقوله " سنسمه " سنكويه ، وقال بعضهم : معنى ذلك : سنسمه سمة أهل النار : أي سنسود وجهه ، وقال : إن الخرطوم وإن كان خص بالسمة ، فإنه في مذهب الوجه ، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض ، والعرب تقول : والله لأسمنك وسماً لا يفارقك ، يريدون الأنف ، وقال : وأنشدني بعضهم :
لأعلطنه وسماً لا يفارقه كما يحر بحمي الميسم النجز
والنجز : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنفها .
قوله تعالى: "سنسمه على الخرطوم".
فيه مسألتين: الأولى: قوله تعالى: "سنسمه" قال ابن عباس: معنى سنسمه سنحطمه بالسيف. قال: وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف، فلم يزل مخطوماً إلى أن مات. وقال قتادة: سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها، يقال: وسمته وسماً وسمةً إذا أثرت فيه بسمة وكي. وقد قال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" آل عمران:106 . فهذه علامة ظاهرة. وقال تعالى: "ونحشر المجرمين يومئذ زرقا" طه: 102 وهذه علامة أخرى ظاهرة. فأفادت هذه الآية علامة ثالثةً وهي الوسم على الأنف بالنار، وهذا كقوله تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم" الرحمن:41 قاله الكلبي وغيره. وقال أبو العالية ومجاهد: "سنسمه على الخرطوم" أي على أنفه، ونسود وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه. والخرطوم : الأنف من الإنسان. ومن السباع: موضع الشفة. وخراطيم القوم: ساداتهم. قال الفراء: وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنه في معنى الوجه، لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل. وقال الطبري: نبين أمره تبايناً واضحاً حتى يعرفوه فر يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخراطيم. وقيل: المعنى سنحلق به عاراً وسبةً حتى يكون كمن وسم على أنفه. قالالقتبي: تقول العرب للرجل نسب سبة سوء قبيحة باقية: قد وسم ميسم سوء، أي ألصق به عار لا يفارقه، كما أن السمة لا يمحي أثرها قال جرير:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
أراد به الهجاء. وقال: وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة. ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه، فألحقه به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة، كالوسم على الخرطوم. وقيل: هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار، قال ابن بحر. واستشهد بقول الأعشي: فدعها وما يغنيك واعمد لغيرها بشعرك واعلب أنف من أنت واسم
وقال النضر بن شميل: المعنى سنحده على شرب الخمر، والخرطوم: للخمر، وجمعه خراطيم، قال الشاعر:
تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شراب الخراطيم
وقال الراجز: صهباء خرطوماً عقاراً قرقفاً
وقال آخر: أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
الثانية: قال ابن العربي: كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديماً عند الناس، حتى أنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه، وهذا وضع باطل. ومن الوسم الصحيح في الوجه: ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور، علامةً على قبح المعصية وتشديداً لمن عزيزاً بقول الحق وقد صار مهيناً بالمعصية. وأعظم الإهانة إهانة الوجه. وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سبباً لخيرة الأبد والتحريم له على النار، فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، حسب ما ثبت في الصحيح.

يقول تعالى كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم والخلق العظيم " فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون " قال ابن عباس : لو ترخص لهم فيرخصون. وقال مجاهد "ودوا لو تدهن" تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق. ثم قال تعالى: " ولا تطع كل حلاف مهين " وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترىء بها على أسماء الله تعالى واستعمالها في كل وقت في غير محلها, قال ابن عباس : المهين الكاذب, وقال مجاهد : هو الضعيف القلب, قال الحسن : كل حلاف مكابر مهين ضعيف.
وقوله تعالى: "هماز" قال ابن عباس وقتادة : يعني الاغتياب "مشاء بنميم" يعني الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة, وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير, أما أحدهما فكان لا يستتر من البول, وأما الاخر فكان يمشي بالنميمة" الحديث. وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم من طرق عن مجاهد به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام أن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قتات" رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن إبراهيم به, وحدثنا عبد الرزاق , حدثنا الثوري عن منصور عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قتات" يعني نماماً, وحدثني يحيى بن سعيد القطان , حدثنا أبو سعيد الأحول عن الأعمش , حدثني إبراهيم منذ نحو ستين سنة عن همام بن الحارث قال: مر رجل على حذيفة , فقيل إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قتات" وقال أحمد : حدثنا هشام , حدثنا مهدي عن واصل الأحدب عن أبي وائل قال: بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة نمام".
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , أنبأنا معمر عن ابن خثيم عن شهر بن حوشب , عن أسماء بنت يزيد بن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل ثم قال: ألا أخبركم بشراركم المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت" ورواه ابن ماجه عن سويد بن سعيد عن يحيى بن مسلم عن ابن خثيم به وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن ابن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله, وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت".
وقوله تعالى: "مناع للخير معتد أثيم" أي يمنع ما عليه وما لديه من الخير "معتد" في تناول ما أحل الله له يتجاوز فيها الحد المشروع "أثيم" أي يتناول المحرمات, وقوله تعالى: "عتل بعد ذلك زنيم" أما العتل فهو الفظ الغليظ الصحيح الجموع المنوع. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره, ألا أنبئكم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" وقال وكيع "كل جواظ جعظري مستكبر" أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن سعيد بن خالد به. وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو عبد الرحمن , حدثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذكر أهل النار "كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع" تفرد به أحمد .
قال أهل اللغة: الجعظري الفظ الغليظ. والجواظ الجموع المنوع. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا عبد الحميد عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم فقال: "هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب, الظلوم للناس رحيب الجوف" وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري العتل الزنيم" وقد أرسله أيضاً غير واحد من التابعين: وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه. وأرحب جوفه وأعطاه من الدنيا مقضماً فكان للناس ظلوماً قال فذلك العتل الزنيم" وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ونص عليه غير واحد من السلف, منهم مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم أن العتل هو المصحح الخلق الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح وغير ذلك, وأما الزنيم فقال البخاري : حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي حصين عن مجاهد عن ابن عباس "عتل بعد ذلك زنيم" قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة, ومعنى هذا أنه كان مشهوراً بالسوء كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها, وإنما الزنيم في لغة العرب هو الدعي في القوم, قاله ابن جرير وغير واحد من الأئمة, وقال: ومنه قول حسان بن ثابت , يعني يذم بعض كفار قريش:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال آخر:
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمار بن خالد الواسطي , حدثنا أسباط عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: "زنيم" قال: الدعي الفاحش اللئيم. ثم قال ابن عباس :
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال العوفي عن ابن عباس : الزنيم الدعي, ويقال: الزنيم رجل كانت به زنمة يعرف بها, ويقال: هو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة, وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسود بن عبد يغوث الزهري وليس به. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه زعم أن الزنيم الملحق النسب, وقال ابن أبي حاتم : حدثني يونس حدثنا ابن وهب حدثني سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول في هذه الاية "عتل بعد ذلك زنيم" قال سعيد : هو الملصق بالقوم ليس منهم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عقبة بن خالد عن عامر بن قدامة قال: سئل عكرمة عن الزنيم قال: هو ولد الزنا.
وقال الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله تعالى: "عتل بعد ذلك زنيم" قال: يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء, والزنماء من الشياه التي في عنقها هنتان معلقتان في حلقها. وقال الثوري عن جابر عن الحسن عن سعيد بن جبير قال: الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها والزنيم الملصق. رواه ابن جرير , وروي أيضاً من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال في الزنيم: نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم. قال وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها قال: وقال آخرون كان دعياً.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس عن أبيه عن أصحاب التفسير قالوا: هو الذي تكون له زنمة مثل زنمة الشاة, وقال الضحاك : كانت له زنمة في أصل أذنه ويقال: هو اللئيم الملصق في النسب, وقال أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : هو المريب الذي يعرف بالشر, وقال مجاهد : الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة, وقال أبو رزين : الزنيم علامة الكفر, وقال عكرمة : الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها. والأقوال في هذا كثيرة وترجع إلى ما قلناه وهو أن الزنيم هو المشهور بالشر الذي يعرف به من بين الناس وغالباً يكون دعياً ولد زنا, فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره كما جاء في الحديث "لا يدخل الجنة ولد زنا" وفي الحديث الاخر "ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه".
وقوله تعالى: " أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " يقول تعالى: هذه مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين كفر بآيات الله عز وجل وأعرض عنه, وزعم أنها كذب مأخوذ من أساطير الأولين كقوله تعالى: " ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر ".
وقال تعالى ههنا: "سنسمه على الخرطوم" قال ابن جرير : سنبين أمره بياناً واضحاً حتى يعرفوه ولا يخفى عليهم كما لا تخفى عليهم السمة على الخراطيم, وهكذا قال قتادة : "سنسمه على الخرطوم" شين لا يفارقه آخر ما عليه, وفي رواية عنه. سيما على أنفه, وكذا قال السدي وقال العوفي عن ابن عباس "سنسمه على الخرطوم" يقاتل يوم بدر فيخطم بالسيف في القتال.
وقال آخرون "سنسمه" سمة أهل النار يعني نسود وجهه يوم القيامة وعبر عن الوجه بالخرطوم. حكى ذلك كله أبو جعفر بن جرير , ومال إلى أنه لا مانع من اجتماع الجميع عليه في الدنيا والاخرة وهو متجه.
وقد قال ابن أبي حاتم في سورة "عم يتساءلون" حدثنا أبي حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثني خالد بن سعيد عن عبد الملك بن عبد الله , عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن العبد يكتب مؤمناً أحقاباً ثم أحقاباً ثم يموت والله عليه ساخط, وإن العبد يكتب كافراً أحقاباً ثم أحقاباً ثم يموت والله عليه راض, ومن مات همازاً لمازاً ملقباً للناس كان علامته يوم القيامة أن يسمه الله على الخرطوم من كلا الشفتين".
16- "سنسمه على الخرطوم" أي سنسمه بالكي على خرطومه. قال أبو عبيدة وأبو زيد والمبرد: الخرطوم الأنف. قال مقاتل: سنسمه بالسواد على الأنف، وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار. قال الفراء: والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة فإنه في مذهب الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض. وقال الزجاج: سيجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم. وقال قتادة: سنلحق به شيئاً لا يفارقه، واختار هذا ابن قتيبة، قال: والعرب تقول: قد وسمه ميسم سوء يريدون ألصق به عاراً لا يفارقه، فالمعنى: أن الله ألحق به عاراً لا يفارقه كالوسم على الخرطوم، وقيل معنى سنسمه: سنحطمه بالسيف. وقال النضر بن شميل: المعنى سنحده على شر الخمر، وقد يسمى الخمر بالخرطوم ومنه قول الشاعر:
تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شراب الخراطيم
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه. وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: إن أول شيء خلقه الله القلم، فقال له اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم طوي الكتاب ورفع القلم، وكان عرشه على الماء، فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه، والأرض على ظهر النون، فاضطرب النون فمادت الأرض. فأثبتت الجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة، ثم قرأ ابن عباس " ن والقلم وما يسطرون ": وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن مردويه عن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد". وأخرج ابن جرير من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون، وهي الدواة وخلق القلم، فقال اكتب، قال وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: ن الدواة. وأخرج ابن مردويه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النون السمكة التي عليها قرار الأرضين، والقلم الذي خط به ربنا عز وجل القدر خيره وشره وضره ونفعه "وما يسطرون" قال: الكرام الكاتبون". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: "وما يسطرون" قال: ما يكتبون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "وما يسطرون" قال: وما يعلمون. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة فقالت: يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن "إنك لعلى خلق عظيم". وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والواحدي عنها قالت: "ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، فلذلك أنزل الله "وإنك لعلى خلق عظيم"" وأخرج
ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي الدرداء قال: "سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن مردويه عن أبي عبد الله الجدلي قال: "قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لم يكن فاحشاً ولا متفاحشاً، ولا صخابي في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فستبصر ويبصرون" قال: تعلم ويعلمون يوم القيامة "بأيكم المفتون" قال الشيطان، كانوا يقولون إنه شيطان وإنه مجنون. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: بأيكم المجنون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: " ودوا لو تدهن فيدهنون " يقول: لو ترخص لهم فيرخصون. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً "ولا تطع كل حلاف مهين" الآية قال: يعني الأسود بن عبد يغوث. وأخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: زقال مروان لما بايع الناس ليزيد: سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: "إنها ليست بسنة أبي بكر وعمر ولكنها سنة هرقل، فقال مروان: هذا الذي أنزل فيه "والذي قال لوالديه أف لكما" الآية.قال: فسمعت ذلك عائشة فقالت: إنها لم تنزل في عبد الرحمن، ولكن نزل في أبيك " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم "" وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: " نزل على النبي صلى الله عليه وسلم " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم " فلم نعرف حتى نزل عليه "بعد ذلك زنيم"، فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة" وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: العتل هو الدعي، والزنيم هو المريب الذي يعرف بالشر. وأخرج عبد بن حميد وابن عساكر عنه قال: الزنيم: هو الدعي. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عنه أيضاً قال: الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: هو الرجل يمر على القوم، فيقولون رجل سوء. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "زنيم" قال: ظلوم، وقد قيل إن هذه الآيات نزلت في الأخنس بن شريق، وقيل في الوليد بن المغيرة.
ثم أوعده فقال: 16- "سنسمه على الخرطوم"، و "الخرطوم": الأنف. قال أبو العالية ومجاهد: أي نسود وجهه، فنجعل له علماً في الآخرة يعرف به، وهو سواد الوجه.
قال الفراء: خص الخرطوم بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الشيء يعبر به عن كله.
وقال ابن عباس: سنخطمه بالسيف، وقد فعل ذلك يوم بدر. وقال قتادة: سنلحق به شيئاً لا يفارقه.
قال القتيبي تقول العرب للرجل سب الرجل سبة قبيحة: قد وسمه ميسم سوء. يريد: ألصق به عاراً لا يفارقه، كما أن السمة لا ينمحي ولا يعفو أثرها، وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة، كالوسم على الخرطوم.
وقال الضحاك والكسائي: سنكويه على وجهه.
16-" سنسمه " بالكي " على الخرطوم " على الأنف وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي أثره ،وقيل هو عبارة عن أي يذله غاية الإذلال كقولهم : جدع أنفه ، رغم أنفه ، لأن السمة على الوجه سيما على الأنف شين ظاهر ، أو نسود وجهه يوم القيامة .
16. We shall brand him on the nose.
16 - Soon shall We brand (the beast) on the snout!