[الطلاق : 8] وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
8 - (وكأين) هي كاف الجر دخلت على أي بمعنى كم (من قرية) وكثير من القرى (عتت) عصت يعني أهلها (عن أمر ربها ورسله فحاسبناها) في الآخرة وإن لم تجيء لتحقق وقوعها (حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا) بسكون الكاف وضمها فظيعا وهو عذاب النار
وقوله : " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله " يقول تعالى ذكره : وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه ، وعن أمر رسل ربهم ، فتمادوا في طغيانهم وعتوهم ، ولجوا في كفرهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط عن السدي ، في قوله " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله " قال : غيرت وعصت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا " قال : العتو ههنا الكفر والمعصية ، عتواً : كفراً ، وعتت عن أمر ربها : تركته ولم تقبله ، وقيل : إنهم كانوا قوماً خالفوا أمر ربهم في الطلاق ، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله " قال : قرية عذبت في الطلاق .
وقوله " فحاسبناها حسابا شديدا " يقول : فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حساباً شديداً يقول : حساباً استقصينا فيه عليهم ، لم نعف لهم فيه عن شيء ، ولم نتجاوز فيه عنهم .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله " فحاسبناها حسابا شديدا " قال : لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فحاسبناها حسابا شديدا " يقول : لم نرحم .
وقوله : " وعذبناها عذابا نكرا" يقول : وعذبناها عذاباً عظيماً منكراً ، وذلك عذاب جهنم .
قوله تعالى: " وكأين من قرية " لما ذكر الأحكام ذكر وحذر مخالفة الأمر، وذكر عتق قوم وحلول العذاب بهم. وقد مضى القول في كأين في آل عمران والحمد لله. " عتت عن أمر ربها " أي عصمت، يعني القرية والمراد أهلها. " فحاسبناها حسابا شديدا " أي جازيناها بالعذاب في الدنيا " وعذبناها عذابا نكرا " في الآخرة. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً. والنكر: المنكر. وقرئ مخففاً ومثقلاً، وقد مضى في سورة الكهف.
يقول تعالى متوعداً لمن خالف أمره وكذب رسله وسلك غير ما شرعه, ومخبراً عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك, فقال تعالى: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله "فحاسبناها حسابا شديداً وعذبناها عذاباً نكراً" أي منكراً فظيعاً "فذاقت وبال أمرها" أي غب مخالفتها وندموا حيث لا ينفعهم الندم "وكان عاقبة أمرها خسراً * أعد الله لهم عذابا شديداً" أي في الدار الاخرة مع ما عجل لهم من العذاب في الدنيا, ثم قال تعالى بعد ما قص من خبر هؤلاء "فاتقوا الله يا أولي الألباب" أي الأفهام المستقيمة لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب "الذين آمنوا" أي صدقوا بالله ورسله "قد أنزل الله إليكم ذكراً" أي القرآن كقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وقوله تعالى: "رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات" قال بعضهم: رسولاً منصوب على أنه بدل اشتمال وملابسة لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر. قال ابن جرير: الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعني تفسيراً له, ولهذا قال تعالى: "رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات" أي في حال كونها بينة واضحة جلية "ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور" كقوله تعالى: "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور" وقال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور" أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم, وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله نوراً لما يحصل به من الهدى كما سماه روحاً لما يحصل به من حياة القلوب فقال تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" وقوله تعالى: "ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً" قد تقدم تفسير مثل هذا غير مرة بما أغنى عن إعادته ههنا, ولله الحمد والمنة.
لما ذكر سبحانه ما تقدم من الأحكام، حذر من مخالفتها، وذكر عتو قوم خالفوا أوامره، فحل بهم عذابه فقال: 8- "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" يعني عصت، والمراد أهلها، والمعنى: وكم من أهل قرية عصوا أمر الله ورسله، أو أعرضوا عن أمر الله ورسله على تضمين عتت معنى أعرضت، وقد قدمنا الكلام في كأين في سورة آل عمران وغيرها "فحاسبناها حساباً شديداً" أي شددنا على أهلها في الحساب بما عملوا. قال مقاتل: حاسبها الله بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب، وهو معنى قوله: "وعذبناها عذاباً نكراً" أي عذبنا أهلها عذاباً عظيماً منكراً في الآخرة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي عذبنا أهلها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ، وحاسبناهم في الآخرة حساباً شديداً. والنكر: المنكر.
قوله عز وجل: 8- "وكأين من قرية عتت"، عصت وطغت، "عن أمر ربها ورسله"، أي وأمر رسله، "فحاسبناها حساباً شديداً"، بالمناقشة والاستقصاء، قال مقاتل: حاسبها بعملها في الدنيا فجازها بالعذاب، وهو قوله: "وعذبناها عذاباً نكراً"، منكراً فظيعاً، وهو عذاب النار. لفظهما ماض ومعناهما الاستقبال.
وقيل: في الآية تقديم وتأخير، مجازها: فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر البلايا، وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً.
8-" وكأين من قرية " أهل قرية " عتت عن أمر ربها ورسله " أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند " فحاسبناها حساباً شديداً " بالاستقصاء والمناقشة . " وعذبناها عذاباً نكراً " منكراً والمراد حساب الآخرة ، وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق .
8. And how many a community revolted against the ordinance of its Lord and His messenger, and we called it to a stern account and punished it with dire punishment,
8 - How many populations that insolently opposed the command of their Lord and of His Apostles, did We not then call to account, to severe account? And We imposed on them an exemplary Punishment.