[الطلاق : 5] ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا
5 - (ذلك) المذكور في العدة (أمر الله) حكمه (أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا)
يقول تعالى ذكره : هذا الذي بينت لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدة ، أمر الله الذي أمركم به ، أنزله إليكم أيها الناس ، لتأتمروا له ، وتعملوا به .
وقوله " ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته " يقول : ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه ، وأداء فرائضه ، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله " ويعظم له أجرا " يقول : ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه ، ومن إعظامه له الأجر عليه أن يدخله جنته فيخلده فيها .
" ذلك أمر الله " أي الذي ذكر من الأحكام أمر الله أنزله إليكم وبينه لكم. " ومن يتق الله " أي يعمل بطاعته. " يكفر عنه سيئاته " من الصلاة إلى الصلاة من الجمعة إلى الجمعة. " ويعظم له أجرا " أي في الآخرة.
يقول تعالى مبيناً لعدة الايسة, وهي التي انقطع عنها المحيض لكبرها, أنها ثلاثة أشهر عوضاً عن الثلاثة القروء في حق من تحيض, كما دلت على ذلك آية البقرة, وكذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض أن عدتهن كعدة الايسة ثلاثة أشهر, ولهذا قال تعالى: "واللائي لم يحضن", وقوله تعالى: "إن ارتبتم" فيه قولان (أحدهما) وهو قول طائفة من السلف كمجاهد والزهري وابن زيد أي إن رأين دماً وشككتم في كونه حيضاً أو استحاضة وارتبتم فيه. (والقول الثاني) إن ارتبتم في حكم عدتهن ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر, وهذا مروي عن سعيد بن جبير وهو اختيار ابن جرير وهو أظهر في المعنى, واحتج عليه بما رواه عن أبي كريب وأبي السائب قالا: حدثنا ابن إدريس حدثنا مطرف عن عمرو بن سالم قال: قال أبي بن كعب: يا رسول الله إن عدداً من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال, قال: فأنزل الله عز وجل " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " ورواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا السياق فقال: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا جرير عن مطرف عن عمر بن سالم عن أبي بن كعب قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن ناساً من أهل المدينة لما أنزلت هذه الاية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكرن في القرآن! الصغار والكبار اللائي قد انقطع منهن الحيض وذوات الحمل قال: فأنزلت التي في النساء القصرى "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن".
وقوله تعالى: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" يقول تعالى: ومن كانت حاملاً فعدتها بوضعه, ولو كان بعد الطلاق أو الموت بفواق ناقة في قول جمهور العلماء من السلف والخلف, كما هو نص هذه الاية الكريمة وكما وردت به السنة النبوية, وقد روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم أنهما ذهبا في المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع والأشهر, عملاً بهذه الاية والتي في سورة البقرة, قال البخاري: حدثنا سعيد بن حفص, حدثنا شيبان عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس فقال: أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة, فقال ابن عباس: آخر الأجلين. قلت أنا "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي ـ يعني أبا سلمة ـ فأرسل ابن عباس غلامه كريباً إلى أم سلمة يسألها فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة, فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو السنابل فيمن خطبها, هكذا أورد البخاري هذا الحديث ههنا مختصراً, وقد رواه هو ومسلم وأصحاب الكتب مطولاً من وجوه أخر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن أسامة أنبأنا هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حامل فلم تمكث إلا ليالي حتى وضعت, فلما تعلت من نفاسها خطبت, فأستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح فأذن لها أن تنكح, فنكحت, ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عنها, كما قال مسلم بن الحجاج: حدثني أبو الطاهر أنبأنا ابن وهب, حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب, حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية, فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته, فكتب عمر بن عبد الله يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة, وكان ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل, فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته, فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب, فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها: مالي أراك: متجملة ؟ لعلك ترجين النكاح إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر.
قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي, هذا لفظ مسلم ورواه البخاري مختصراً, ثم قال البخاري بعد روايته الحديث الأول عند هذه الاية, وقال أبو سليمان بن حرب وأبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد هو ابن سيرين قال: كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى, وكان أصحابه يعظمونه فذكر آخر الأجلين, فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة قال: فضمر لي بعض أصحابه . وقال محمد: ففطنت له, فقلت له: إني لجريء أن أكذب على عبد الله وهو في ناحية الكوفة, قال فاستحيا وقال: لكن عمه لم يقل ذلك, فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته فذهب يحدثني بحديث سبيعة, فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئاً ؟ فقال: كنا عند عبد الله فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة ؟ فنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" ورواه ابن جرير من طريق سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية عن أيوب به مختصراً, ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن ابن عون عن محمد بن سيرين فذكره.
وقال ابن جرير: حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري, حدثنا سعيد بن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثني ابن شبرمة الكوفي عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته ما نزلت "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها, قال: وإذا وضعت المتوفى عنها زوجها فقد حلت يريد بآية المتوفى عنها زوجها "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً" وقد رواه النسائي من حديث سعيد بن أبي مريم به. ثم قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن منيع, حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: ذكر عند ابن مسعود آخر الأجلين فقال: من شاء قاسمته بالله إن هذه الاية التي في النساء القصرى نزلت بعد الأربعة الأشهر والعشر ثم قال: أجل الحامل أن تضع ما في بطنها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: بلغ ابن مسعود أن علياً رضي الله عنه يقول آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته إن التي في النساء القصرى نزلت بعد البقرة "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي معاوية عن الأعمش.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني أحمد حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي, أنبأنا عبد الوهاب الثقفي, حدثني المثنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن أبي بن كعب قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" المطلقة ثلاثاً أو المتوفى عنها زوجها, فقال: هي للمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها. هذا حديث غريب جداً بل منكر لأن في إسناده المثنى بن الصباح وهو متروك الحديث بمرة, ولكن رواه ابن أبي حاتم بسند آخر فقال: حدثنا محمد بن داود السمناني, حدثنا عمرو بن خالد يعني الحراني, حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب أنه لما نزلت هذه الاية, قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أدري أمشتركة أم مبهمة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أية آية ؟" قال "أجلهن أن يضعن حملهن" المتوفى عنها والمطلقة ؟ قال نعم وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن موسى بن داود عن ابن لهيعة به. ثم رواه عن أبي كريب أيضاً عن مالك بن إسماعيل عن ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق أنه حدث عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" قال: "أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها" عبد الكريم هذا ضعيف ولم يدرك أبياً. وقوله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً" أي يسهل له أمره وييسره عليه ويجعل له فرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً ثم قال تعالى: "ذلك أمر الله أنزله إليكم" أي حكمه وشرعه أنزله إليكم بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً" أي يذهب عنه المحذور ويجزل له الثواب على العمل اليسير.
والإشارة بقوله: 5- "ذلك" إلى ما ذكر من الأحكام: أي ذلك المذكور من الأحكام "أمر الله أنزله إليكم" أي حكمه الذي حكم به بين عباده وشرعه الذي شرعه لهم، ومعنى "أنزله إليكم" أنزله في كتابه على رسوله وبينه لكم وفصل أحكامه وأوضح حلاله وحرامه "ومن يتق الله" بترك ما لا يرضاه "يكفر عنه سيئاته" التي اقترفها، لأن التقوى من أسباب المغفرة للذنوب "ويعظم له أجراً" أي يعطه من الأجر في الآخرة أجراً عظيماً وهو الجنة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها، فأنزل الله: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" فقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة. وأخرجه ابن جرير عن قتادة مرسلاً. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: "طلق عبد يزيد وأبو ركانة أم ركانة، ثم نكح امرأة من مزينة، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما يغني عني إلا ما تغني عني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها، فأخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم حمية عند ذلك، فدعارسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: أترون كذا من كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: طلقها ففعل، فقال لأبي ركانة ارتجعها، فقال: يا رسول الله إني طلقتها، قال: قد علمت ذلك فارتجعها، فنزلت: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"" قال الذهبي: إسناده واه، والخبر خطأ، فإن عبد يزيد لم يدرك الإسلام. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما "عن ابن عمرأنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها، ثم يمسكها حتى
تطهر ثم تحيض وتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن". وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ فطلقوهن في قبل عدتهن". وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمر أنه قرأ "فطلقوهن لقبل عدتهن". وأخرج ابن الأنباري وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وبعد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: من أراد أن يطلق للسنة كما أمره الله، فليطلقها طاهراً في غير جماع. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله: "فطلقوهن لعدتهن" قال: طاهراً من غير جماع، وفي الباب أحاديث. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود "وأحصوا العدة" قال: الطلاق طاهراً في غير جماع. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله: " ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" قال: خروجها قبل انقضاء العدة من بيتها هي الفاحشة المبينة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس "إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" قال: الزنا. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال: الفاحشة المبينة أن تبذو المرأة على أهل الرجل، فإذا بذت عليهم بلسانها فقد حل لهم إخراجها. وأخرج ابن أبي حاتم عن فاطمة بنت قيس في قوله: "لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً" قالت: هي الرجعة. وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين أن رجلاً سأل عمران بن حصين أن رجلاً طلق ولم يشهد، قال: بئس ما صنع، طلق في بدعة، وارتجع في غير سنة، [فليشهد] على طلاقه وعلى مراجعته ويستغفر الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا" قال: مخرجه أن يعلم أنه من قبل الله، وأن الله هو الذي يعطيه وهو يمنعه، وهو يبتليه، وهو يعافيه، وهو يدفع عنه، وفي قوله: "ويرزقه من حيث لا يحتسب" قال: من حيث
لا يدري. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" قال: ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة. وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: "نزلت هذه الآية "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" في رجل من أشجع كان فقيراً خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اتق الله واصبر، فلم يلبث إلا يسيراً حتى جاء ابن له بغنم كان العدو أصابوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عنها وأخبره خبرها، فقال: كلها، فنزلت "ومن يتق الله" الآية". وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه، فما تأمرني؟ قال: آمرك وإيها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت المرأة: نعم ما أمرك، فجعلا يكثران منها، فتغفل عنه العدو، فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه، فنزلت: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً"" الآية. وفي الباب روايات تشهد لهذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة في الآية قالت: يكفيه هم الدنيا وغمها. وأخرج أحمد
وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي عن أبي ذر قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " فجعل يرددها حتى نعست، ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" قال: ليس المتوكل الذي يقول تقضى حاجتي وليس كل من يتوكل على الله كفاه ما أهمه ودفع عنه ما يكره وقضى حاجته، ولكن الله جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ، وفي قوله " إن الله بالغ أمره " قال : يقول قاضي أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل ، ولكن المتوكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، وفي قوله: " قد جعل الله لكل شيء قدرا " قال: يعني أجلاً ومنتهى ينتهي إليه. وأخرج ابن المبارك والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير، تغدو خماصاً وترح بطاناً". وأخرج إسحاق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي بن كعب أن ناساً من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكر في القرآن: الصغار والكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وذوات الحمل، فأنزل الله: "واللائي يئسن من المحيض" الآية. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبو يعلى والضياء في المختارة وابن مردويه عن أبي بن كعب قال: "قلت للنبي صلى الله عليه وسلم "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" أهي المطلقة ثلاثاً، أو المتوفى عنها؟ قال: هي المطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها". وأخرج نحوه عنه مرفوعاً ابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه والدارقطني من وجه آخر. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود أنه بلغه أن علياً قال: تعتد آخر الأجلين، فقال: من شاء لاعنته إن الآية التي في سورة القصرى نزلت بعد سورة البقرة "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" بكذا وكذا أشهراً، وكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها فأجلها أن تضع حملها. وروي نحو هذا عنه من طرق وبعضها في صحيح البخاري. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أم سلمة: أن سبيعة الأسلمية توفى عنها زوجها وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الباب أحاديث.
5- "ذلك"، يعني ما ذكر من الأحكام، "أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً".
5-" ذلك أمر الله " إشارة إلى ما ذكر من الأحكام " أنزله إليكم ومن يتق الله " في أحكامه فيراعي حقوقها " يكفر عنه سيئاته " فإن الحسنات يذهبن السيئات " ويعظم له أجراً " بالمضاعفة .
5. That is the commandment of Allah which He revealeth unto you. And whoso keepeth his duty to Allah, He will remit from him his evil deeds and magnify reward for him.
5 - That is the Command of God, which He has sent down to you: and if any one fears God, He will remove his ills from him, and will enlarge his reward.